دراسات وأبحاث

عقب طرد السفير.. هل تعود العلاقات بين جنوب أفريقيا وأمريكا ؟

الخميس 10 أبريل 2025 - 08:22 م
ابراهيم ياسر
الأمصار

بدأ تصاعد التوتر في العلاقات بين الإدارة الأمريكية الجديدة وحكومة جنوب إفريقيا، بعد أن قام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يوم الأحد الموافق 2 فبراير 2025م، بالتهديد بقطع التمويل عن حكومة جنوب إفريقيا.

 وذلك خلال منشور قام بكتابته على موقع التواصل الاجتماعي “تروث سوشيال” الذي يمتلكه، مُتّهمًا الحكومة في جنوب إفريقيا بأنها تقوم بمصادرة الأراضي، وتُعامل فئات معينة من مواطنيها بشكل سيئ للغاية، مُتّهمًا كذلك وسائل الإعلام في جنوب إفريقيا بأنها يسارية ومتطرفة وتتغافل عن ذِكْر تلك الأمور، معلنًا أن هناك انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان تحدث هناك أمام أعين الجميع، وأن الولايات المتحدة لن تتسامح مع هذه التصرفات، وأنها سوف تتحرَّك وتتخذ الإجراءات اللازمة، مضيفًا أنه سيقطع كل التمويل المستقبلي المُخصَّص لجنوب إفريقيا؛ حتى يتم الانتهاء من التحقيق الكامل في هذا الوضع.

وكانت هذه التصريحات والتهديدات من الرئيس الأمريكي ترامب بمثابة العاصفة التي أدّت إلى حدوث حالة من التوتر في العلاقات بين البلدين.

ورغم ارتكاز ترامب على موضوع قانون نزع الملكية الجديد في جنوب إفريقيا وادعائه -دون دليل- وجود عمليات مصادرة للأراضي؛ إلا أنه توجد مجموعة من الأسباب الأخرى بجانب هذا السبب وراء توتر العلاقات بين إدارة ترامب وحكومة جنوب إفريقيا، كما أن هذه التصريحات أسفرت عن حدوث مجموعة من التداعيات عقب صدورها، كما يتوقع أن يكون لها تداعيات مستقبلية على مسار العلاقات بين البلدين.

توتر في العلاقات بين أميركا و جنوب افريقيا.. و السبب ترامب ! - الأول

أسباب تصاعد التوترات 

توجد مجموعة من الأسباب وراء توتُّر العلاقات بين الإدارة الأمريكية الجديدة بزعامة دونالد ترامب وحكومة جنوب إفريقي، وتتمثل تلك الأسباب فيما يلي:

 تبنّي ترامب لرؤية الملياردير الأمريكي إيلون ماسك المتعلّقة بقانون نزع الملكية:

لقد وُلِدَ الملياردير الأمريكي إيلون ماسك في بريتوريا بجنوب إفريقيا عام 1971م لعائلة “ماسك” الثرية، ونشأ في ظل نظام الفصل العنصري، ولكنَّه هاجَر بعد ذلك إلى كندا، وحصل على جنسيتها، ثم هاجر إلى الولايات المتحدة الأمريكية ودرس بها، ثم حصل على جنسيتها في 2002م، وعلى أراضيها طوَّر ماسك أنشطته الاقتصادية المختلفة، حتى صار أغنى رجل أعمال في العالم، واعتمادًا على ثروته فقد اقترب من الساسة والقادة الأمريكيين في كلٍّ من الحزب الجمهوري والديمقراطي وفقًا لمصالحه الخاصة، حتى قام أخيرًا بدعم ترامب خلال حملته الانتخابية ماليًّا وصوتيًّا ودعائيًّا.

ومع فوز ترامب بالرئاسة، فقد قام بتعيين ماسك في منصب المدير التنفيذي لإدارة كفاءة الحكومة  (DOGE)كموظف حكومي خاص، مع اعتباره صديقًا مقربًا يمكن الاعتماد عليه وتبني أفكاره؛ حيث يتقارب الرجلان ترامب وماسك في العديد من الأفكار العنصرية، وعلى رأسها فكرة تفوق البيض.

ونظرًا لأن إيلون ماسك لا يزال والده وأسرته البيضاء تعيش في جنوب إفريقيا؛ فإنه يهتم بما يحدث في جنوب إفريقيا من تطورات، وخاصةً ما يتعلق بقانون إصلاح تملك الأراضي ونزع الملكية؛ حيث تبنَّت حكومة جنوب إفريقيا في 23 يناير الماضي قانونًا جديدًا لنزع الملكية، يهدف إلى إعادة إرساء قدر معين من المساواة في عمليات تملك الأراضي في جنوب إفريقيا؛ حيث إنه لا تزال الأقلية البيضاء تمتلك بشكل رئيسي نحو ثلاثة أرباع الأراضي في البلاد رغم مرور ثلاثين عامًا على نهاية نظام الفصل العنصري، ونظرًا لأن هذا القانون لا يتوافق مع مصالح إيلون ماسك وعائلته، فضلًا عن عدم توافقه مع تصوراته العنصرية والرأسمالية التي تُحابي البيض على حساب السود أصحاب الأرض الأصليين، فقد جدَّد ادعاءاته التي صرَّح بها من قبل والمتمثلة في قوله: “إن القانون الجديد عنصري، وإن هناك دعوات لاستهداف المواطنين البيض في جنوب إفريقيا”، كما ادعى في 2023م أن هناك مساعي إلى إبادتهم بصورة جماعية مِن قِبَل السود.

وقد استغل إيلون ماسك علاقاته مع الرئيس الأمريكي ترامب بعد عودته للبيت الأبيض، وكذلك استغل منصبه الجديد في الإدارة الأمريكية، لكي يضغط على حكومة جنوب إفريقيا لكي تتراجع عن تطبيق هذا القانون، مستخدمًا فكرة قطع التمويل الذي تُقدّمه أمريكا لجنوب إفريقيا لكي تتراجع عن هذا القانون الإصلاحي، ولهذا فقد تكون تصريحات الرئيس الأمريكي التي هدَّد بها جنوب إفريقيا كانت بمثابة استجابة لطلب شخصي من إيلون ماسك الذي كان من أكثر الشخصيات التي موَّلت حملة ترامب الانتخابية، مع أن هذه التصريحات ليست جديدة على ترامب؛ حيث كان قد صرَّح في 2018م خلال ولايته الأولى بأن أمريكا ستُحقق في عمليات قتل واسعة النطاق للمزارعين البيض في جنوب إفريقيا والاستيلاء على أراضيهم ومصادرتها، وردَّت جنوب إفريقيا حينها بأن تصريحات ترامب كانت مُضلّلة.

وزير خارجية أمريكا: سفير جنوب إفريقيا يكره ترامب و"لم نعد نرحب به" في  بلادنا - CNN Arabic

قيام حكومة جنوب إفريقيا بدعم القضية الفلسطينية ومقاضاة «إسرائيل»:

لقد لعبت حكومة جنوب إفريقيا موقفًا مشرفًا منذ بداية العدوان الصهيوني على قطاع غزة؛ حيث أدانت الجرائم الصهيونية والمجازر التي ارتكبتها قوات الاحتلال تجاه المدنيين في غزة وفلسطين، بل وقادت جنوب إفريقيا حراكًا دوليًّا من أجل محاكمة «إسرائيل» أمام محكمة العدل الدولية، واتهمت «إسرائيل» بارتكاب جريمة إبادة جماعية في قطاع غزة، فضلًا عن اتهام «إسرائيل» بأنها بمثابة نظام فصل عنصري، وأن سلوك الحكومة الإسرائيلية ضد فلسطين يعكس تصرفات حكومة الفصل العنصري السابقة في جنوب إفريقيا، مع استمرار حكومة جنوب إفريقيا عن حشدها الدولي من أجل دعم فلسطين ورفع المعاناة عن شعبها.

هل انتهى الزمن الأمريكي في أفريقيا؟ - مركز الاهرام للدراسات السياسية  والاستراتيجية

خلاف إيلون ماسك مع حكومة جنوب إفريقيا بشأن شروط ترخيص ستارلينك:

نظرًا لاعتراض إيلون ماسك على قوانين وشروط الترخيص التي تتبناها حكومة جنوب إفريقيا، مع عدم موافقتها على منح إيلون ماسك تصريحًا رسميًّا في جنوب إفريقيا لتشغيل خدمة ستارلينك التابعة لشركة سبيس إكس المملوكة لإيلون ماسك، والتي تعمل في مجال توفير خدمة الإنترنت عبر الأقمار الصناعية، وحتى الآن هناك خلاف بين هيئة الاتصالات المستقلة في جنوب إفريقيا (ICASA) وإيلون ماسك؛ حيث تعتبر الهيئة أن تشغيل خدمة ستارلينك في جنوب إفريقيا غير قانوني.

إيلون ماسك سيصبح «أول تريليونير في العالم»

 ويستلزم لمنح التصاريح اللازمة للتشغيل ضرورة الموافقة على الشروط التنظيمية الخاصة بدولة جنوب إفريقيا، وعلى رأسها أن توافق الشركات متعددة الجنسيات الراغبة في العمل بجنوب إفريقيا على تخصيص ما لا يقل عن 30% من أسهم المشروع للشركات المملوكة للسود، وذلك استجابة للمادة 3/2 من قانون الاتصالات الإلكترونية في جنوب إفريقيا.

وتهدف تلك الشروط إلى معالجة أوجه عدم المساواة التاريخية التي تعرض لها السود في جنوب إفريقيا؛ حيث إنه حتى عام 2019م كانت نسبة الشركات التي يسيطر عليها السود في جنوب إفريقيا 3% فقط، كما أن البيض يشغلون نحو 62% من جميع المناصب الإدارية العليا في جنوب إفريقيا رغم أنهم أقلية، بينما يشغل نظراؤهم السود نحو 17% من المناصب، وذلك وفقًا لتقرير لجنة المساواة في التوظيف الصادر في عام 2023م. وتسعى العديد من التشريعات والقوانين في جنوب إفريقيا لمعالجة تلك التفاوتات، ووضع حدّ لانتشار عدم المساواة، وهو ما يرفضه إيلون ماسك الذي يدافع عن فكرة الرأسمالية غير المقيدة.

وينتقد ماسك أيضًا قوانين وإستراتيجية التمكين الاقتصادي واسع النطاق للسود (B-BBEE) التي تعمل على تعزيز التحول الاقتصادي والمشاركة الاقتصادية للسود في جنوب إفريقيا، معتبرًا أنها بمثابة عائق أمام الاستثمارات الأجنبية في جنوب إفريقيا. وفي شهر فبراير الجاري انسحبت شركة سبيس إكس التابعة لإيلون ماسك من جلسات النقاش والاستماع مع هيئة الاتصالات المستقلة (ICASA)؛ حيث وجَّهت الشركة إخطارًا إلى هيئة الاتصالات يوم 5 فبراير الجاري أبلغتها فيه أنها لن تشارك بعد الآن في النقاشات التي ستقام بينهما مستقبلًا.

تجميد المساعدات الأمريكية... ترامب يطلق النار على قدميه في إفريقيا! —  قراءات إفريقية

ومن المحتمل أن يكون إيلون ماسك استخدم قربه من ترامب للضغط على جنوب إفريقيا من خلال استخدام قانون نزع الملكية كذريعة لتعليق المساعدات، حتى يجعل الحكومة تتنازل عن الشروط التي لا يقبلها وتمنحه التصاريح اللازمة لتشغيل خدمة ستارلينك رسميًّا في جنوب إفريقيا، وهو ما يعني أن ماسك يقوم باستغلال نفوذه داخل الإدارة الأمريكية والإضرار بمصالح حكومة وشعب جنوب إفريقيا من أجل تحقيق مصالحه الرأسمالية الخاصة. ومن المتفقين مع وجهة النظر هذه السناتور الأمريكي كريس مورفي، الذي أعلن أن مصالح إيلون ماسك التجارية تُعيد تشكيل السياسة الخارجية الأمريكية، مضيفًا أنه ليس من الصعب فهم الأمور، فنظرًا لرفض جنوب إفريقيا ترخيص مشروع ستارلينك التابع لماسك فقد شنَّ على حكومتها حملة انتقامية لحملهم على التراجع عن القرار، وهو ما سيجعل سياسة أمريكا الخارجية مجرد تكتيكات تجارية للمليارديرات، مختتمًا حديثه بعبارة “يا له من فساد مفجع .

قيام منظمة أفريفوروم الأفريكانية بالضغط على واشنطن لإدانة قانون نزع الملكية

حيث قامت منظمة أفري فوروم “AfriForum” -وهي جماعة ضغط أفريكانية غير حكومية تعمل على حماية مصالح المزارعين البيض في جنوب إفريقيا بشدة، وتتبنَّى الأفكار اليمنية والقومية البيضاء وخاصة القومية الأفريكانية-، بشنّ حملة دولية وخاصة في واشنطن ضد حكومة جنوب إفريقيا، وذلك بعد أن وقَّع رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا على قانون نزع الملكية في 23 يناير الماضي. وقد ادعت هذه المنظمة أن القانون الجديد لا يضمن حماية حقوق الملكية، كما دعت إلى توقيع عقوبات على رئيس جنوب إفريقيا وآخرين من أعضاء حزب المؤتمر الوطني الإفريقي، كما قال كالي كرييل الرئيس التنفيذي للمنظمة: إن توقيع قانون نزع الملكية فضلاً عن إنفاذ القوانين العنصرية القائمة في البلاد، سيكون له آثار سلبية خطيرة على ثقة المستثمرين في جنوب إفريقيا.

وتعارض المنظمة أيضًا من بين أمور أخرى، تمكين السود اقتصاديًّا، وتطبيق لوائح العمل الإيجابي، وتهميش اللغة الأفريكانية على حدّ وصفها؛ حيث ترى أن تعديل قانون اللغات المدرسية الجديد في جنوب إفريقيا قد يؤثر على مستقبل اللغة الأفريكانية، مع قيام عناصر تنتمي لهذه المنظمة بترويج نظريات مؤامرة وحملات تضليل تنص على وجود خطاب تحريضي ضد الأفريكانيين، وانتشار القتل الوحشي للمزارعين البيض، كما تدّعي جماعات قومية بيضاء أخرى وجود مخططات تسعى إلى التطهير العرقي العنيف للمزارعين البيض في جنوب إفريقيا وإبادتهم جماعيًّا على يد العصابات السوداء المسلحة.

طرد سفير جنوب افريقيا من واشنطن

وصفت الرئاسة في جنوب إفريقيا اليوم /السبت/ طرد سفيرها لدى الولايات المتحدة، بـ "الإجراء المؤسف".
وذكرت الرئاسة - في بيان أورده راديو "فرنسا الدولي" اليوم - أنها أحيطت علما بالطرد المؤسف للسفير الجنوب إفريقي لدى الولايات المتحدة، السيد إبراهيم رسول.. مؤكدة أن جنوب إفريقيا تبقى ملتزمة ببناء علاقة مع الولايات المتحدة تعود بالفائدة المشتركة.

سفير جنوب أفريقيا بعد طرده من واشنطن: عدت إلى بلدى بلا أى ندم - اليوم السابع


وأشار الراديو إلى أن قرار طرد السفير الجنوب إفريقي جاء إثر اتهام وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو له بـ "كراهية" الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

محادثات مرتقبة

أعلن وزير التجارة والصناعة والمنافسة في جنوب أفريقيا باركس تاو اليوم/الخميس/أن بلاده ستدخل في محادثات مع الولايات المتحدة في شهري يونيو أو يوليو المقبلين، بهدف تسوية القضايا التجارية المعلّقة، وسط تصاعد التوترات نتيجة فرض تعريفات جمركية أمريكية جديدة.

وأوضح تاو في تصريحات صحفية، اوردتها وكالة بلومبرج" الاخبارية، أن الولايات المتحدة أبدت رغبتها في "شراكة تقوم على المنفعة المتبادلة"، مشيرًا إلى أن الجانب الأمريكي يرى أن "الهياكل التجارية والرسوم الجمركية الحالية تميل بشكل غير متوازن لصالح جنوب أفريقيا، كما هو الحال مع العديد من الدول الأخرى " .

جنوب إفريقيا تعتبر طرد سفيرها في واشنطن "مؤسفا" - SWI swissinfo.ch

وفيما يخص الرسوم الأخيرة، أشار الوزير إلى أنه "تم إلغاء نسبة الـ30%" التي كانت مثار قلق، إلا أن "الزيادة بنسبة 10% على الرسوم الجمركية ما زالت قائمة عبر جميع القطاعات"، مؤكدًا أن فريقه أجرى بالفعل تواصلًا مع السفارة الأمريكية في هذا الشأن .

وأكد تاو أن جنوب أفريقيا تسعى لتقديم "طرح واضح وثابت" على طاولة المفاوضات القادمة، مشددًا على أهمية "إعادة تطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة" وضرورة توفير "درجة من اليقين" في ما يتعلق بعلاقات التجارة والاستثمار الثنائية.

وأشار الوزير إلى وجود استثمارات متبادلة قوية بين البلدين، حيث تستثمر قرابة 600 شركة أمريكية في جنوب أفريقيا، في حين تملك جنوب أفريقيا عددًا من الشركات متعددة الجنسيات التي تنشط في السوق الأمريكية.

وختم تاو حديثه بالتأكيد على أن النقاشات القادمة ستشمل شقين: الأول يتعلق بالقضايا الجيوسياسية، والثاني يركز على علاقات التجارة والاستثمار بين البلدين.