شهدت العلاقات بين الولايات المتحدة والدول الأوروبية توترًا ملحوظًا خلال فترة رئاسة دونالد ترامب، ورغم عمق الشراكة التاريخية بين الجانبين، خاصة في إطار حلف شمال الأطلسي (الناتو) والعلاقات الاقتصادية والتجارية، فإن سياسات ترامب اتسمت بالنهج الأحادي والحمائي، مما تسبب في تباعد استراتيجي وسياسي متزايد مع الحلفاء الأوروبيين.
السياسة الخارجية
انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران (2018): حيث رفض ترامب الاتفاق رغم تمسك الدول الأوروبية به، مما خلق فجوة دبلوماسية وأربك التحالف الغربي.
الانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ، بينما كانت أوروبا ملتزمة بقوة بأهداف المناخ، سحب ترامب بلاده من الاتفاق، مما عكس تباينًا واضحًا في الرؤية البيئية.
نهج "أمريكا أولاً": هذا الشعار كان جوهر سياسة ترامب، وأدى إلى اتخاذ قرارات من جانب واحد دون التنسيق مع الحلفاء الأوروبيين.
العلاقات التجارية
فرض رسوم جمركية، حيث قام ترامب بفرض رسوماً على الصلب والألومنيوم الأوروبي، ورد الاتحاد الأوروبي بإجراءات مماثلة، مما أدى إلى تصعيد تجاري متبادل.
التشكيك في منظمة التجارة العالمية، حيث دعوات ترامب لإعادة النظر في نظام التجارة العالمي أثارت قلق الأوروبيين من انهيار النظام القائم على القواعد.
الدفاع والأمن
انتقاد حلف الناتو: وصف ترامب الحلف بأنه "عفا عليه الزمن"، وهدد بتقليص التزامات بلاده، مطالبًا الدول الأوروبية بزيادة إنفاقها الدفاعي.
تقليص التواجد العسكري الأمريكي في أوروبا: سحب آلاف الجنود من ألمانيا دون تنسيق مسبق مع الشركاء الأوروبيين.
ضعف التنسيق عبر الأطلسي
قد يؤدي استمرار التباعد إلى إضعاف قدرة الغرب على التنسيق في مواجهة التحديات العالمية مثل الصين، روسيا، الإرهاب، وتغير المناخ.
تعزيز فكرة "الاستقلال الاستراتيجي الأوروبي"
دفع التباعد الأوروبيين إلى التفكير بجدية في بناء سياسة دفاعية وأمنية مستقلة عن واشنطن.
فرنسا وألمانيا كانتا من أبرز الداعين إلى تعزيز القدرات الدفاعية الأوروبية.
تحول في التحالفات العالمية
التوترات قد تدفع بعض الدول الأوروبية إلى تنويع شراكاتها مع قوى أخرى مثل الصين وروسيا، رغم الحذر من هذه الخطوة.
تراجع الثقة في الولايات المتحدة كشريك ثابت على المدى الطويل.
مع وصول جو بايدن إلى السلطة، سعى لإعادة بناء العلاقات عبر الأطلسي، عبر:
العودة لاتفاق باريس.
إعادة إحياء الناتو.
التشاور مع الأوروبيين في قضايا مثل الصين وأفغانستان.
لكن، رغم تحسن الخطاب، فإن بعض آثار عهد ترامب ظلت باقية، مثل:
التنافس في السياسات الصناعية الخضراء.
استمرار الخلافات حول الإنفاق الدفاعي.
وجود تيارات أوروبية لا تثق تمامًا في استمرارية السياسة الأمريكية.
التباعد بين الولايات المتحدة والدول الأوروبية يمكن فهمه من خلال عدة جوانب، سياسية واقتصادية وأمنية وثقافيةوالتي تبرز في أهم النقاط التالية
السياسة الخارجية
مواقف مختلفة تجاه الصين وروسيا: في بعض القضايا، مثل الحرب في أوكرانيا، تتفق الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على دعم أوكرانيا، لكن هناك اختلافات في مدى وشكل الدعم، خاصة على المدى الطويل.
التعامل مع الشرق الأوسط: للولايات المتحدة مواقف أكثر حدة أو تدخلاً في المنطقة، في حين أن أوروبا تميل إلى الحلول الدبلوماسية والحوار.
الاقتصاد والتجارة
الحمائية الاقتصادية: الولايات المتحدة، خاصة في ظل رئاسة ترامب، تبنت سياسات حمائية أثرت على العلاقات مع الاتحاد الأوروبي، مثل فرض رسوم جمركية على الصلب والألومنيوم.
قانون خفض التضخم الأمريكي (IRA): هذا القانون دعم الصناعات الخضراء في أمريكا بشكل يرى فيه الأوروبيون تهديدًا للمنافسة العادلة.
الدفاع والأمن
الاعتماد على الناتو: رغم أن الناتو يجمع الطرفين، إلا أن واشنطن تدفع منذ سنوات الأوروبيين لتحمل مسؤولية أكبر في الدفاع عن أنفسهم.
نقاش "الاستقلال الاستراتيجي الأوروبي": فرنسا خصوصًا تدعو لتقليل الاعتماد على واشنطن في القضايا الدفاعية.
القيم والسياسات الاجتماعية
اختلافات في قضايا مثل البيئة وحقوق الإنسان والسلاح والهجرة: السياسات الأمريكية غالبًا ما تكون أكثر انقسامًا داخليًا، بينما تميل أوروبا إلى نهج أكثر توحدًا وتقدميًا في بعض هذه القضايا.
تأثير الإدارات الأمريكية
إدارة ترامب: شهدت العلاقات توتراً واضحاً مع الحلفاء الأوروبيين.
إدارة بايدن: حاولت إعادة بناء الثقة، لكن التوترات لم تختفِ تماماً، خصوصاً في مجالات التكنولوجيا والسياسات الصناعية.
وفي هذا السياق مثّل عهد ترامب محطة فارقة في العلاقات الأمريكية الأوروبية، حيث كشف عن تصدعات كامنة وخلق حالة من عدم اليقين بشأن مستقبل التحالف الغربي. ورغم محاولات التقارب اللاحقة، فإن فكرة الاعتماد الكلي على الولايات المتحدة لم تعد راسخة كما كانت في السابق، وهو ما قد يدفع أوروبا إلى مسار أكثر استقلالًا على الساحة الدولية.