آراء وأقلام

سام منسى يكتب: «قراءة لمسار التفاوض بين واشنطن وطهران»

الإثنين 21 أبريل 2025 - 05:46 ص
سام منسى
سام منسى

لا التشاؤم ولا التفاؤل المفرطان يصلحان لمقاربة مسار المفاوضات الأميركية - الإيرانية التي استعادت أنفاسها من مسقط. كسبت إيران بالنقاط، عبر إصرارها على المفاوضات غير المباشرة بعكس رغبة الأميركيين، وجرى التعويض عن ذلك بلقاء رئيسَي الوفدَين، ستيف ويتكوف وعباس عراقجي، على هامش المحادثات، بحسب وسائل الإعلام.

جولة السبت الماضي بدأت بالخلاف على المكان، بين رغبة إيران بإبقاء المحادثات في عُمان، ورغبة أميركا بنقلها إلى روما، في دلالة على ضبابية مسار هذه المفاوضات. نشير في هذا السياق إلى أن رئيسة الحكومة الإيطالية، جورجيا ميلوني، هي الأقرب إلى الرئيس الأميركي دونالد ترمب بين الرؤساء الأوروبيين، بينما هناك حذر أميركي من مسقط استدعى اتصالاً هاتفياً بين السلطان هيثم بن طارق وترمب.

مهما كانت الأسباب وراء الخلاف على المكان، فإن الموقف الأميركي من إيران عامةً والمفاوضات خاصةً غير منسق، والدلالة على ذلك تصريحات ورؤى المسؤولين الأميركيين المعنيين. أما إيران، فهي مترددة إزاء مطالب واشنطن التي توجزها رؤية ترمب للتسوية، وهي رفضه امتلاك طهران أي قدرات نووية قد تؤهلها لحيازة سلاح نووي. القبول بهذه الرؤية سيثير ردود فعل داخلية مدعومة من المتشددين الداعين إلى مقاومة الضغوط الأميركية، ولو عرَّض ذلك البلاد لحرب لن تكون نزهةً. وعدم القبول بها سيثير الفريق الذي يميل للدبلوماسية وتقديم التنازلات ويرفض الممارسات المتهورة التي قد تهدِّد مستقبل النظام. أما المرشد علي خامنئي، فيبدو أنه يجلس وسط الفريقين بعد أن رطّب لهجته وخطابه. تبقى الاستراتيجية الجامعة للأطراف الإيرانية هي شراء الوقت في المفاوضات وخارجها.

مسار المفاوضات ونتائجها يتأثران بعوامل كثيرة؛ منها عدم الرغبة بتهميش الدور الأوروبي الضروري في استحقاق آخر شهر مايو (أيار)، الذي يقضي بعودة العقوبات الأوروبية في حال لم تطبق إيران بنود خطة العمل الشاملة المشتركة، وما يُطلق عليه تسمية «SNAPBACK». إيران من جهتها، يهمها ترك الأبواب مفتوحة مع الأوروبيين حتى لا تبقى مستفردة بمواجهة أميركا.

في سياق دور أوروبا، نشير إلى أن ترمب - على عكس سلفه جو بايدن الذي عوّل على دور للأوروبيين مع إيران - ينسق مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ويأمل، وقد يكون محقاً، بأن تمارس موسكو ضغوطاً على طهران تحفزها رغبة بوتين بعلاقات جيدة مع واشنطن وتحقيق ما يهدف إليه في حربه ضد أوكرانيا، وهنا بيت القصيد الذي يفوق أهميةً العلاقة مع طهران، وقد يدفعه للتضحية بها.

بدورها، قد تلجأ إيران للصين بالنظر إلى الروابط والمصالح القوية بينهما، إنما من غير المرجح أن تقوم بكين بما يؤذي واشنطن وأهدافها في إيران، لا سيما في هذه المرحلة الحرجة بين البلدين بعد حرب الرسوم الجمركية التي فرضها ترمب.

المنطقة موجودة في عملية التفاوض مع ثلاثة متغيرات-ثوابت تشهدها، أولها القوة العسكرية الإسرائيلية التي أثبتت صعوبة مقاومتها، وأكدت غلبتها. ثانيها الدور السعودي الذي يصعب تجاوزه ويتبيَّن أنه أساسي وديناميكي ومتقدم، تظهره زيارة وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان إلى إيران، الأولى من نوعها منذ أكثر من ربع قرن. جاءت الزيارة في لحظة بالغة الحساسية والتعقيد على خلفية توترات الملف النووي وعودة التداول بإمكانية توجيه ضربات عسكرية إلى طهران، وتكثف الضربات الأميركية على الحوثيين في اليمن، وتعكس أهمية الانخراط الدبلوماسي عوض المواجهة. ثالثها دور تركيا المتنامي رغم عدم استقرار أوضاعها الداخلية. هذه المتغيرات-الثوابت جعلت إيران بعد هزيمة حلفائها في المنطقة، وتهديدات ترمب ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بالعمل العسكري، تفقد ما تميزت به لعقود مضت. الأرجح أن غالبية صناع القرار في طهران باتوا على قناعة بأن هدف تغيير المنطقة تهاوى ولا قدرة لهم على استعادته قريباً، ما يعزز قناعة المعتدلين الراغبين بنجاح المفاوضات بأن السبيل الوحيد لاستعادة إيران دورها في المنطقة هو تحولها من الثورة إلى دولة طبيعية، وهو الأمر غير المرجح في المدى القريب.

المخاوف في المنطقة من تداعيات المفاوضات هي التوصل لتسوية تحقق للأميركيين والإسرائيليين مبتغاهم بشأن النشاط النووي، وربما السلاح الباليستي، بما يؤدي لرفع العقوبات أو معظمها، بينما تترك الساحة مشرعة لأنشطة حلفاء إيران بحجة أنهم كيانات وطنية مستقلة صديقة لها لا أكثر.

هكذا تسوية تبدد هواجس إسرائيل من إيران النووية وتريحها، لا سيما بعد أن توصلت جراء حروبها في لبنان وغزة وسوريا إلى كبح تهديد حلفاء إيران، وفق ما جرى في لبنان بعد توقيع اتفاق وقف النار مع «حزب الله»، وما ستؤول إليه حرب غزة بنزع سلاح حركة «حماس».

أما مصير حلفاء إيران الذين تعهدتهم، على مدى عقود، تلقيناً عقائدياً وتدريباً عسكرياً، فقد أضحى شأناً داخلياً سياسياً واجتماعياً مرتبطاً بموازين القوى الداخلية في كل من فلسطين ولبنان والعراق، والحلول باتت محلية صرفة.

نقلًا عن صحيفة «الشرق الأوسط».