دراسات وأبحاث

حرب السودان.. حقائق عن الصراع الدموي وكيف يبدو الوضع الإنساني؟

الثلاثاء 22 أبريل 2025 - 03:09 م
إسلام محمد
الأوضاع في السودان
الأوضاع في السودان

تدخل الحرب في السودان عامها الثالث مخلفة وراءها عشرات الآلاف من القتلى وملايين النازحين، لتصبح 'أكبر أزمة إنسانية في العالم' وسط تجاهل دولي، بينما يستمر الصراع بين الجيش والدعم السريع مدعوماً بأطراف إقليمية ودولية.

وخلفت الحرب الأهلية الوحشية في السودان، والتي دخلت الآن عامها الثالث، عشرات الآلاف من القتلى، وملايين النازحين، حتى صارت "أكبر أزمة إنسانية في العالم"، وسط تجاهل عالمي.

والمشهد في السودان اليوم يضم عاصمة طالها الدمار، وبلداً يفتقر لسبيل واضح يخرج به من مسار إراقة الدماء والعنف، ولا تزال الحصيلة الدقيقة لقتلى الصراع غير واضحة. 

وبحسب تقديرات الأمم المتحدة، تجاوز عدد قتلى الحرب 20 ألف شخص، في حين تشير تقديرات لجنة الإنقاذ الدولية إلى 150 ألف قتيل. 

من يقاتل ضد من؟

يعود تاريخ هذا الصراع إلى نهاية حكم الرئيس السابق عمر البشير في عام 2019، والذي اعتمد في سلطته على الجيش الحكومي: القوات المسلحة السودانية، التي تخضع اليوم لقيادة الجنرال وحاكم السودان الفعلي عبد الفتاح البرهان، ولكنه اعتمد في الوقت نفسه أيضًا على ميليشيات عديدة، من بينها الميليشيا المعروفة باسم قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو المعروف باسم "حميدتي".

وبعد إسقاط عمر البشير، اندمج الجيش وقوات الدعم السريع في مجلس انتقالي بقيادة مدنية، ولكنهما قاما في تشرين الأول/أكتوبر 2021 بانقلاب مشترك، وأطاحا الحكومة المدنية برئاسة الدكتور عبد الله حمدوك، وأصبح حميدتي نائبًا للبرهان، ولكن بعد ذلك اختلف القائدان حول هيكلة وتسلسل الجيش المشترك.

ورفض حميدتي دمج ميليشياته في الجيش الوطني، وقد أدى ذلك في نيسان/أبريل 2023 إلى نشوب صراع مفتوح على السلطة بين الطرفين، أفضى إلى حرب اجتاحت جميع أنحاء السودان.

كيف يبدو الوضع الإنساني؟

تبدو الأوضاع الإنسانية في السودان قاتمة، بعد مرور عامين على اندلاع الحرب، حيث أفاد شون هيوز، المسؤول عن السودان لدى برنامج الأغذية العالمي، بنزوح قرابة 13 مليون شخص، وبأن 25 مليوناً آخرين يواجهون خطر المجاعة.

وأوضح هيوز: "هذه أكبر أزمة إنسانية في العالم من حيث النزوح... يعاني قرابة خمسة ملايين طفل وأم من سوء التغذية الحاد". 

وأكد أن "حجم ما يحدث في السودان يهدد بتقزيم كثير مما شهدناه خلال العقود الأخيرة."

وبسبب الصراع على السلطة بين حميدتي والبرهان سقط السودان في أتون أكبر أزمة إنسانية في العالم: فقد هرب بحسب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين 8 ملايين و8 مائة ألف مواطنة ومواطن سوداني من ديارهم إلى مناطق أخرى في السودان، وقد لجأ أكثر من ثلاثة ملايين شخص إلى البلدان المجاورة. 

كما أنَّ 70 بالمائة من النازحين أطفال وأجزاء كبيرة من السكان مهددة بالمجاعة. وهذا يعود أيضًا إلى حقيقة أنَّ ميليشيات قوات الدعم السريع خاصةً تحرق الأراضي الزراعية بشكل ممنهج من أجل إخضاع الأهالي المقيمين هناك.

وبسبب المعارك دُمِّرت قطاعات واسعة من البنية التحتية الحيوية إلى حد كبير، فيما يعاني الأهالي من عنف ذوي السلطة وتعسفهم، إذ "يتفشى في السودان وباء العنف الجنسي، والأطفال يُقتلون ويُصابون. معاناة الناس مروعة"، بحسب ما ذكر توم فليتشر وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ في تصريحات صدرت في شهر شباط/فبراير من هذا العام.

فظائع تتكشف مع استعادة الخرطوم

ومنذ استعادة الجيش السوداني السيطرة على العاصمة الخرطوم في مارس الماضي، ظهرت صور مروعة على وسائل التواصل الاجتماعي تظهر ضحايا التعذيب، والأسرى الذين تحتجزهم قوات الدعم السريع، وقد أصابهم الهزال، وصار الكثير منهم مجرد هياكل عظمية. وبلغ الضعف والوهن بالكثير من هؤلاء ما أدى إلى وفاتهم عقب فترة وجيزة من تحريرهم. 

واليوم، تتناقض صور المقابر الجماعية وضحايا العنف الذين تركوا في شقق خاوية مع الإشارات الأولية للحياة الجديدة في الخرطوم.

وصارت منطقة وسط  الخرطوم وكأنها مدينة أشباح، حيث المباني المحترقة والمركبات التي اخترقتها طلقات الرصاص. وفي أجزاء أخرى من العاصمة، بدأت طلائع السكان العودة إلى المدينة. 

وتتهم منظمات دولية مختلفة كلا الطرفين بارتكاب جرائم حرب، لم يسلم منها حتى الأطفال الصغار والذين تعرض بعضهم للعنف الجنسي، كما تشكو منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف).

وشملت الجرائم أيضاً القصف العشوائي الذي نفذته القوات الحكومية، والفظائع واسعة النطاق التي ارتكبتها ميليشيا قوات الدعم السريع التابعة لدقلو، كعمليات الإعدام الجماعية، والتطهير العرقي.

هل يمكن توقع نهاية الصراع؟

لقد تم القيام بعدة محاولات لإنهاء الصراع، ولكن جميعها باءت بالفشل، وهذا يعود لأسباب ليس آخرها أنَّ المتنافسين حميدتي والبرهان ما يزالان يرفضا التصالح، حيق "كل طرف يأمل في جعل نفسه 'قوة شرعية‘ في السودان"، كما قالت في آذار/مارس 2025 لدويتشه فيله لينا بدري، وهي خبيرة سياسية من مركز تشاتام هاوس البريطاني. 

وأضافت أنَّ القوات المسلحة السودانية تشترط من أجل مفاوضات السلام انسحاب قوات الدعم السريع ونزع سلاحها.

ومن جانبها، تأمل قوات الدعم السريع من خلال تشكيل حكومة الوصول إلى واردات الأسلحة الرسمية، بحسب تعبير لينا بدري، والطرفان لم يبديا أي استعداد لإنهاء الحرب. واستطاعت مؤخرًا القوات المسلحة السودانية تحقيق مكاسب إقليمية كبيرة في العاصمة الخرطوم، ولكن يبدو من غير المحتمل حاليًا أن يستسلم خصومها.

ولكن حتى وإن اتفق الطرفان على وقف إطلاق النار فإنَّ تحقيقه لن يكون سهلًا، وذلك لأنَّ قوات الدعم السريع وكذلك القوات المسلحة السودانية تحالفت مع العديد من الجماعات والميليشيات المحلية، التي تسعى بدورها إلى تحقيق مصالحها الخاصة في الحرب، وطالما أنَّ العنف يخدم أهدافها الخاصة فمن غير المرجح أن يكون لديها اهتمام كبير بوقف إطلاق النار.