مع إعلان وفاة البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية، صباح الاثنين، تحوّلت أنظار العالم الكاثوليكي إلى رجل آخر يحمل على عاتقه مسؤولية جسيمة في واحدة من أكثر لحظات الكنيسة حساسية: الكاردينال الإيرلندي الأميركي كيفن فاريل، المعروف بلقب الكاميرلينغ، أي حارس الكرسي الرسولي.
فمن هو هذا الكاردينال؟ وما خلفيته؟ وكيف وصل ليصبح الرجل الذي يُدير شؤون الفاتيكان في هذه اللحظة الدقيقة؟
وُلد كيفن جوزيف فاريل في 2 سبتمبر 1947 في مدينة دبلن عاصمة جمهورية أيرلندا. نشأ في عائلة كاثوليكية تقليدية، وهو الأخ الأصغر للقس اليسوعي الشهير "براين فاريل"، الذي يشغل أيضًا منصبًا مهمًا في الفاتيكان كأمين سر المجلس البابوي لتعزيز وحدة المسيحيين.
في بدايات شبابه، التحق بجامعة سالامانكا الإسبانية ثم بالجامعة الغريغورية البابوية في روما، حيث درس الفلسفة واللاهوت. انضم إلى رهبنة "ليجيوناري أوف كرايست" (Legionaries of Christ) في عام 1966، ثم حصل على درجتي الماجستير في الفلسفة واللاهوت، مما شكّل خلفيته اللاهوتية القوية التي أهلته لتسلم مناصب قيادية لاحقة.
في أواخر السبعينيات، انتقل فاريل إلى الولايات المتحدة حيث نال الجنسية الأمريكية، وبدأ خدمته الكنسية في أبرشية واشنطن العاصمة. هناك تولّى العديد من المهام المهمة مثل:
مدير المركز الكاثوليكي للمعهد البابوي للدراسات الزوجية.
مساعد لأسقف واشنطن في شؤون التعليم والزواج والرعاية الاجتماعية.
وفي عام 2001، عيّنه البابا يوحنا بولس الثاني أسقفًا مساعدًا لأبرشية واشنطن، ثم تولّى بعدها مهامًا أكبر داخل الكنيسة الأمريكية.
شهد عام 2016 نقطة تحوّل كبيرة في مسيرته، عندما اختاره البابا فرنسيس ليقود واحدة من أهم دوائر الكرسي الرسولي، وهي:
دائرة العلمانيين والعائلة والحياة
وهي الجهة المسؤولة عن شؤون غير الإكليريكيين (العلمانيين) في الكنيسة، وتنظيم اليوم العالمي للشباب، بالإضافة إلى ملفات الزواج والأسرة وقضايا الحياة.
هذا المنصب جعله بمثابة "وزير شؤون الأسرة والشباب" في الفاتيكان، وهو ما عزّز حضوره الدولي كوجه إصلاحي وقريب من توجهات البابا فرنسيس في تعزيز دور العلمانيين داخل الكنيسة.
في فبراير 2019، أصدر البابا فرنسيس قرارًا بتعيين الكاردينال فاريل في منصب الكاميرلينغ، وهو المنصب الأعلى رتبة خلال فترة "sede vacante"، أي فراغ الكرسي البابوي بعد وفاة أو استقالة البابا.
تاريخيًا، يُعد الكاميرلينغ هو "اليد الإدارية" للكنيسة الكاثوليكية، وهو الوحيد الذي لا تُعلق صلاحياته بعد وفاة البابا، بعكس بقية الكرادلة والمسؤولين الفاتيكانيين.
مع وفاة البابا فرنسيس، دخلت الكنيسة في فترة انتقالية، وهنا تبرز صلاحيات الكاردينال فاريل، وتشمل:
إعلان الوفاة رسميًا والتحقق منها من خلال لجنة طبية.
إغلاق الشقق البابوية وختمها لحمايتها من أي عبث حتى انتخاب خليفة جديد.
تنظيم مراسم جنازة البابا، والتي عادة ما تُقام بعد 4 إلى 6 أيام من الوفاة.
الإشراف على اجتماعات الكرادلة التمهيدية (General Congregations).
الإعداد لعقد المجمع المغلق (الكونكلاف) لانتخاب البابا الجديد، خلال مدة أقصاها 20 يومًا من الوفاة.
يُعرف فاريل بأنه رجل معتدل ومُرحّب بالإصلاحات. وقد كان من أبرز المدافعين عن:
إشراك النساء والعلمانيين في الحياة الكنسية.
تفعيل دور الشباب والأسرة في الكنيسة.
تحسين الشفافية المالية داخل دوائر الفاتيكان.
كما كان حاضرًا في ملف فضائح التحرش الجنسي، حيث دعم سياسات البابا فرنسيس لفرض قواعد صارمة على الكهنة المسيئين، وإنشاء آليات حماية للضحايا.
في الأيام المقبلة، سيبدأ الكاردينال فاريل بإرسال الدعوات الرسمية إلى الكرادلة الناخبين (دون سن الـ 80) من مختلف أنحاء العالم للمشاركة في المجمع المغلق الذي سيُعقد داخل "كنيسة سيستين" لانتخاب البابا الجديد.
حتى ذلك الحين، يبقى كيفن فاريل هو الرجل الذي يُمسك مفاتيح الفاتيكان، ويتولى تسيير دفة الكنيسة الكاثوليكية، وسط أنظار العالم الكنسي والسياسي.
في ظل الترقب، تتداول الأوساط الكنسية والدولية عددًا من الأسماء التي قد تكون مرشحة بارزة لقيادة الكنيسة في المرحلة المقبلة، وكلٌ منهم يحمل توجهًا خاصًا يُمكن أن يُعيد تشكيل ملامح السياسات البابوية.
الكاردينال بييترو بارولين
الرجل الثاني في الفاتيكان منذ 2013، يُنظر إليه بوصفه صوت العقل والاعتدال داخل دوائر الكنيسة.
ويمتلك خبرة دبلوماسية واسعة، وقد عبّر مؤخرًا عن قناعاته بضرورة تحقيق السلام من خلال التفاهم لا الإكراه، مشيرًا إلى ضرورة احترام كرامة الشعوب وحقوقها.
معروف بتمسكه الصارم بالتقاليد الكنسية، خاصة فيما يتعلق بالأحوال الشخصية.
يرفض منح المناولة للمطلقين أو المتزوجين مرة ثانية، ويرى أن الزواج رابطة لا تقبل التفكك، كما أبدى تحفّظه تجاه قضايا الهجرة.
يبرز كوجه آسيوي واعد. رغم صمته النسبي، فإن مواقفه تميل إلى الانفتاح، خاصة في ما يتعلق بالمساواة الاجتماعية وتعامل الكنيسة مع الفئات المهمشة.
لا يُخفي تحفظاته على لهجة الكنيسة التقليدية تجاه بعض الفئات الاجتماعية.
دخل دائرة الضوء منذ تعيينه رئيسًا لأساقفة إيطاليا، وهو معروف بتحركاته الدولية، ومنها زيارته لأوكرانيا والولايات المتحدة، ما أكسبه شهرة عالمية وتأثيرًا سياسيًا متزايدًا داخل الكنيسة.
يمثل التيار المحافظ الأكثر صرامة. كان على الدوام من أشد المنتقدين لنهج البابا فرنسيس الليّن، ورفض مرارًا ما اعتبره "تساهلاً مفرطًا" مع القضايا الخلافية، كالمثلية الجنسية والزواج المدني ومنع الحمل.
ويقوم مسؤول خاص يُدعى الكاميرلينغو (رئيس الكرسي الرسولي) بالتأكد رسميًا من وفاة البابا.
تقليديًا، ينادي البابا باسمه ثلاث مرات للتأكد، حيث يتم تحطيم خاتم الصياد الخاص بالبابا (رمز سلطته) لمنع تزوير الوثائق.
تبدأ فترة حداد تستمر تسعة أيام تُعرف باسم Novemdiales.
يُعرض جثمان البابا في كاتدرائية القديس بطرس لوداع الجمهور.
تُقام جنازة عادةً خلال 4 إلى 6 أيام بعد الوفاة.
Sede Vacante تعني "الكرسي شاغر"، خلال هذه الفترة، يتولى مجمع الكرادلة إدارة شؤون الكنيسة، لكن لا يُسمح لهم باتخاذ قرارات كبرى.
تتوقف مهام معظم المناصب الإدارية في الفاتيكان التي كانت معينة من قبل البابا المتوفى.
خلال 15 إلى 20 يومًا من وفاة البابا، يجتمع الكرادلة الذين تقل أعمارهم عن 80 عامًا في كنيسة السيستين.
يصوّتون سرًا لاختيار بابا جديد في عملية تُعرف باسم الكونكلاف.
يجب الحصول على أغلبية الثلثين.
الدخان الأسود يعني أنه لم يتم انتخاب البابا بعد، أما الدخان الأبيض فيشير إلى انتخاب ناجح.
بعد قبوله المنصب، يختار البابا الجديد اسمًا بابويًا.
يُعلن انتخابه من شرفة كاتدرائية القديس بطرس بعبارة: "Habemus Papam" (لدينا بابا).
ثم يقدّم البابا الجديد بركته الأولى للشعب.