آراء وأقلام

فهد سليمان الشقيران يكتب: «السياسات الجمركية وتحوّر العولمة»

الأربعاء 23 أبريل 2025 - 05:33 ص
فهد سليمان الشقيران
فهد سليمان الشقيران

لم يتوقّف السجال عن العولمة بعد القرارات الجمركية لترمب. وما كان النقاش مقتصراً على الجوانب الاقتصادية، وإنما شمل التغيير في الأفكار الجوهرية بين الدول والمجتمعات والديانات.

ثمة أطروحاتٍ انعزالية إزاء العولمة. يطرح بعض المفكرين والفلاسفة أفكاراً عديدة عن نهايتها باعتبار هذه القرارات إنما تؤسس لنظريات الانعزال القديمة التي سادت في أزمان الحروب الأهلية، والنزاعات العرقية، وهذا فيه خطرٌ وخطأ، فالعولمة لا تزال فعّالة بسياساتها الاقتصادية والفكرية حتى الآن.

والعولمة ليست بمفهومٍ ثابت؛ وإنما من المفاهيم المتطوّرة ضمن تحوّلات السياسات. كان هنري كيسنجر يرى أن للعولمة سيرورتها وتطوراتها. يقول في كتابه «النظام العالمي»: «ليس لدى مديري العولمة الاقتصادية إلا القليل من فرص الانخراط في سيروراتها السياسية. كما أن مديري العمليات السياسية ليس لديهم إلا القليل من الحوافز الدافعة نحو المخاطرة بتأييدهم الداخلي توجساً من مشكلات اقتصادية أو مالية تعقيداتها تراوغ فهم جميع الخبراء».

بل يرى أن «تحقيق التناغم بين النظامين الدوليين؛ السياسي من جهة، والاقتصادي من جهة أخرى، يتحدى جملة من الآراء الراسخة: المسعى الهادف إلى اجتراح نظام عالمي لأنه يتطلب توسيعاً للإطار الوطني - القومي؛ وضبط عملية العولمة لأن الممارسات القابلة للإدامة تنطوي على نوع من تعديل الأنماط التقليدية».

بمعنى آخر؛ فإن العولمة مفهومٌ عصيٌّ على الانتهاء، وإنما تعتوره بعض التحديات، وما كانت الإجراءات الجمركية الأميركية قادرة على إنهاء مفاعيلها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ولا الفكرية.

الفيلسوف إدغار موران لديه رأيٌ خلاصته أن «العولمة عمليّة بدأت منذ قرون مع غزو الأميركتين ثم غزو العالم على يد الغرب. لكننا شهدنا منذ التسعينات عولمة تقنيّة واقتصاديّة متسارعة، وذلك في ظل تعميم الاتصالات العالميّة في كلّ المجالات، وهو ما خلق مصيراً مشتركاً لكل البشر الذين أصبحوا يواجهون المشكلات والمخاطر نفسها، سواءً تلك المحدقة بالمحيط الحيوي البيئيّ، أو انتشار الأسلحة المدمّرة، لا سيما النوويّة، أو الاقتصاد الذي يزداد انفلاته، أو الهيمنة الخارجة عن السيطرة للماليّة العالميّة».

لكن هل نحن في مرحلة «ما بعد الإنسانية»؟!

يجيب موران في كتابه «مفهوم الأزمة»: «فيما يتعلّق بالمستقبل، وهو عصر يتَّصف بتشعّب الإمكانات بما في ذلك إمكانية حدوث أسوأ الكوارث البيئيّة والنوويّة والسياسيّة و(ما بعد الإنسانية le transhumanisme) على سبيل المثال، ينبِئُ بابتهاج بعصر جديد للبشريّة –وهو أمر ممكن جزئيّاً– مع إمكانيّة العيش لفترة أطول والحفاظ على الشباب، والتحرّر من الأنشطة المملّة وغير الضروريّة عبر تعميم الروبوتات، بما في ذلك ضمن أنشطة نفسيّة وفكريّة. لكن، لئن وُجِد تقدّم علمي وتقني لا جدال فيه، ذو طابع انعتاقيّ ومُحوِّل، فهناك بالتوازي نموّ للاحتمالات الكارثيّة، حتّى لو كان ذلك فقط لأنّ الوعي البشري، بالمعنيين الفكري والأخلاقي، قد أصبح في كلّ مكان تقريباً متخلّفاً. نحن نعيش وحدة مصير، وهذا أمر واقع».

الخلاصة؛ أن العولمة في حالة تطوّر وتحوّر وليست في زاوية النهاية التي يروّج لها البعض. نهاية العولمة نظّر إليها منذ عقود كبار المفكرين والفلاسفة اليساريين، بيد أن مفهوم العولمة بقوّته وفرض حيويّته في المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية هو أساس اليوميات البشرية، نعم قد تبدو بعض النزعات الانعزالية، أو الإجراءات الاقتصادية ذات البعد السياسي، ولكن كل ذلك لا يعني نهاية هذا المفهوم الذي أثّر على البشرية، إنما هو مفهوم متطوّر، ولكنه لن ينتهي مهما كانت التحديات.

نقلًا عن صحيفة «الشرق الأوسط».