في تطور لافت، كشف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، للمرة الأولى، تفاصيل واحدة من أكثر العمليات الاستخباراتية حساسية التي سبقت التصعيد العسكري مع حزب الله في لبنان.
وخلال مؤتمر صحفي نظّمته "نقابة الأخبار اليهودية"، أوضح نتنياهو كيف دفعت معلومات استخباراتية عاجلة إلى قرار مبكر بتفجير أجهزة النداء "البيجر" لدى عناصر حزب الله، مما عجل بإطلاق حملة عسكرية واسعة قبل الموعد المقرر.
ويأتي هذا الكشف في وقت تشهد فيه الجبهات الشمالية مع لبنان والجنوبية مع غزة توترات متزايدة، وسط تصاعد حدة المواجهة بين إسرائيل والفصائل المسلحة، مما يطرح تساؤلات حول طبيعة السياسة الأمنية الإسرائيلية، واستراتيجيتها في التعامل مع التهديدات الإقليمية.
ويعكس حديث نتنياهو جانبًا من النهج الإسرائيلي القائم على "الضربات الوقائية" و"استباق المخاطر"، وهي سياسة تسعى لتقويض قدرات خصومها قبل تحولها إلى تهديد فعلي.
هذا التقرير يلقي الضوء على تفاصيل العملية السرية، ويربطها بالسياق الأوسع للتصعيد الإقليمي الحالي.
وأوضح نتنياهو أن المؤشرات الأولى على الخطر جاءت مع رصد محاولة حزب الله إرسال ثلاثة أجهزة بيجر إلى إيران لإجراء فحص تقني عليها.
وأشار إلى أن إسرائيل كانت قد تمكنت سابقًا من إحباط محاولة مماثلة، لكنها رأت أن محاولة الفحص الجديدة قد تكشف معلومات استراتيجية خطيرة.
وأوضح قائلًا: "كانت لدينا معلومات أن الأجهزة تحتوي على مواد متفجرة صغيرة الحجم من نوع T&T، وإذا نجح حزب الله في تحليلها، ربما كان سيتمكن من استخدامها ضدنا بطريقة مبتكرة".
بينما طرح بعض المسؤولين فكرة الانتظار لمراقبة الوضع، اختار نتنياهو التحرك الفوري، مشيرًا إلى أن عامل الزمن كان حاسمًا.
وقال: "أدركت أن التأخير قد يسمح لحزب الله بفهم طريقة عمل الأجهزة واستغلالها، لذلك أمرتُ بتفجيرها فورًا، مما عجل بتسريع الأحداث لاحقًا".
عرض نتنياهو تفاصيل النقاش العسكري الذي تلا العملية، مشيرًا إلى أنه طُرحت ثلاثة خيارات رئيسية:
لكنه قال إنه فضّل خيارًا رابعًا تمثل في شن ضربات جوية مركزة تستهدف مخازن الأسلحة الرئيسية التابعة لحزب الله، بما فيها المنشآت المخفية داخل الأحياء السكنية.
وأوضح أن الخطة شملت تحذير السكان قبل القصف، واستغلال الإعلام اللبناني لشل حركة اتصالات الحزب خلال تنفيذ الهجمات.
أدت الضربات المبكرة إلى تصعيد عسكري واسع مع حزب الله، حيث تبادل الطرفان القصف عبر الحدود اللبنانية الإسرائيلية.
وأكدت التقارير أن حزب الله رد بإطلاق عشرات الصواريخ تجاه مواقع إسرائيلية، بينما واصلت إسرائيل استهداف البنية التحتية للحزب في الجنوب اللبناني، بما في ذلك مواقع إطلاق الصواريخ ومراكز القيادة.
ورغم أن الطرفين تجنبا الانزلاق إلى حرب شاملة، إلا أن التوتر ظل قائمًا، مع استمرار التهديدات المتبادلة واستعدادات عسكرية مكثفة على جانبي الحدود.
بالتوازي مع التصعيد على الجبهة الشمالية، شهدت غزة تصعيدًا متقطعًا، حيث شنت إسرائيل غارات جوية ضد مواقع لحركة حماس والجهاد الإسلامي، ردًا على إطلاق صواريخ من القطاع.
وسعت إسرائيل من خلال هذه الغارات إلى توجيه رسائل مزدوجة: ردع الفصائل الفلسطينية ومنعها من الانخراط في تصعيد متزامن مع الجبهة الشمالية، وضمان عدم فتح أكثر من جبهة في الوقت ذاته.
ومن جانبها، أكدت الفصائل الفلسطينية استعدادها للرد على أي عدوان، مما أبقى المنطقة على حافة الانفجار.
تعكس تصريحات نتنياهو جزءًا من العقيدة الأمنية الإسرائيلية الحديثة، التي تقوم على توجيه ضربات استباقية ضد أي تهديد محتمل قبل أن يتحول إلى خطر مباشر.
وتشمل هذه الاستراتيجية:
ضرب المنشآت العسكرية: قبل أن تصبح جاهزة للعمل ضد إسرائيل.
استهداف البنى التحتية: لمنع الخصم من تثبيت قدراته في مناطق مأهولة.
إدارة التصعيد المحسوب: من خلال تجنب الحرب الشاملة، مع الحفاظ على القدرة على الردع.
وقد أصبحت هذه السياسات أكثر وضوحًا مع تزايد اعتماد إسرائيل على العمليات الخاصة والاستخبارات الدقيقة، بدلاً من الحروب التقليدية الواسعة.
أجهزة "البيجر" هي أجهزة استقبال لاسلكية صغيرة تعمل بالبطارية، وقد كانت في الماضي وسيلة شائعة للتواصل قبل انتشار الهواتف المحمولة
تُستخدم هذه الأجهزة لإرسال تنبيهات مسموعة أو اهتزازية عند تلقي إشارات معينة، وتعرض عادةً أرقامًا أو رسائل نصية.
كان "البيجر" يُستخدم بشكل رئيسي في مواقع مثل المستشفيات والأماكن ذات الحراسة العالية، حيث يكون من غير الملائم استخدام الهواتف المحمولة.
لطالما كان حسن نصر الله، زعيم حزب الله، حذرًا من استخدام الهواتف المحمولة بين عناصره. وقد أشار إلى أن هذه الهواتف يمكن أن تُستخدم لتتبع تحركاتهم وتنفيذ ضربات استهدافية.
بناءًا على هذا التوجه، لجأ حزب الله إلى أجهزة "البيجر" كوسيلة بديلة للتواصل، على أمل تفادي عمليات التجسس والاختراق.