نجاح الدورة الـ36 لمعرض تونس الدولى للكتاب
لقيت الدورة الـ 36 من معرض تونس الدولي للكتاب، نجاحًا باهرًا فقد كان من خصوصيات هذه الدورة، هو الاحتفاء بالذكرى الـ 60 لتأسيس وزارة الثقافة التونسية.
كما أنها تعتبر دورة استثنائية فى تاريخ المعرض، كونها جاءت فى ظل ظروف سياسية، انتصر فيها الشعب التونسى للدولة المدنية، فضلا عن «جائحة كورونا» التي كانت سبب تأجيل المعرض العام الماضي، لكن الحضور الكثيف للجمهور، أكد عودة الحياة لطبيعتها، فقد أكدت وزارة الصحة التونسية تقلص الجائحة بشكل كبير، افتتح الرئيس قيس سعيد فاعليات هذه الدورة الاستثنائية، الخميس قبل الماضى بقصر المعارض بالكرم، والتى جاءت تحمل شعار مستلهم من شعر المتنبى هو «خير جليس فى الأنام كتاب»، بحضور وزيرة الثقافة د. حياة القرمازى وعدد من القيادات السياسية ومدير المعرض د. مبروك المناعي، ود.محمد المعالج، رئيس اتحاد الناشرين التونسيين، ود. صلاح الحمايدى، رئيس اتحاد الكتاب التونسيين، ود. علاء عبد الهادي، رئيس اتحاد الكتاب العرب، والشاعر سعيد الصقلاوي، رئيس اتحاد كتاب عمان، وعلى عوين، رئيس اتحاد الناشرين الليبيين، وعدد من المثقفين العرب البارزين.
وفي لفتة إنسانية رحب الرئيس التونسي بضيوف المعرض، والتقط معهم الصور التذكارية، كما تجول بين أجنحة المعرض، متبادلا الحديث مع مجموعة من الكتاب والقائمين على دور النشر المشاركة فى المعرض.
واطلع الرئيس قيس سعيد على عدد من المؤلفات والمنشورات المعروضة، كما زار جناح الجمهورية الإسلامية الموريتانية دولة ضيف الشرف هذه الدورة، واطلع على مجموعة من أحدث إصداراتهم وعدد كبير من المخطوطات التى تزين جنبات الجناح، ما يضفى عليه صفة الخصوصية والتميز.
كما تفقد الرئيس التونسي يرافقه السفير المصري إيهاب فهمي، سفير مصر بتونس جناح الهيئة العامة المصرية للكتاب، مشيدا بإصدارات الهيئة، كما قام د. هيثم الحاج على رئيس هيئة الكتاب، بإهدائه مجموعة من إصدارات الهيئة منها «كتاب القاهرة»، كما اختار الرئيس كتاب «حرب أكتوبر بين الحقائق والأكاذيب»، وتحدث مع الحاضرين بالجناح عن ذكرياته، وهو طالب فى متابعة أخبار الحرب، وعن فخره بالجيش المصرى وقتها، لعبوره خط «برليف» بعبقرية هندسية مصرية.
وخلال جولة الرئيس بالمعرض، زار جناح اتحاد الكتاب التونسيين، وفيه التقى الدكتور علاء عبد الهادي، رئيس اتحاد الكتاب العرب،
وتحدث إليه الرئيس التونسي، مشيرا إلى أهمية أن يقوم المثقفون والمفكرون العرب، بإعادة بناء المفاهيم المعرفية الكبرى من جديد، لأن معظمها توارثته ثقافتنا العربية من تراث القرنين التاسع عشر والعشرين، وعلى رأسها مفاهيم من قبيل الهوية والدولة والأمة، ويشارك فى هذه الدورة 450 دار نشر عربية وتونسية و20 دار نشر أجنبية.
جاءت هذه الدورة حاملة للكثير من المفاجآت الجديدة، أولها الاحتفال بعام التبادل الثقافى التونسى – المصري، كما أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسى ونظيره التونسى خلال زيارة الأخير لمصر العام الماضي، حيث نظمت إدارة المعرض عددا من الفاعليات، شارك فيها شعراء مصريون، أيضا تم اختيار الدكتور الشاذلى القليبى الذى رحل عن عالمنا العام الماضى شخصية المعرض، باعتباره مؤسس المنهج الثقافى التونسي، حيث تم تكريم أسرته زوجته وأبنائه، والذى فى عهده تأسست العديد من الصروح والمؤسسات الثقافية، فهو مؤسس وزارة الثقافة التونسية عام 1961، وخلال فترة توليه الوزارة أسس أسبوع المسرح ومهرجان قرطاج،
ومهرجان «قليبية» للسينمائيين الهواة ومهرجان «قربة» لمسرح الهواة، وفرقة الفنون الشعبية وفرقة الكاف، وفرقة صفاقس وفرقة قفصة وأسبوع المسرح، كما أسس الدار التونسية للنشر.
كما تم تكريم الإعلامى التونسى والملقب «بنصير الكتاب» فرج شوشان، اعترافا من إدارة المعرض بجميلة ويده البيضاء على المسرح والسينما، وبرغم فقدانه لبصره فإنه يقول: «مازلت أقرأ، فقد أحضر لى ابنى آلة تمكنى من قراءة النصوص، لأمارس هوس القراءة الذى ينعشني، ويرد فيا الروح»، مشيرا إلى أنه منذ صغره وهو يتجول فى المكتبات، وأقرأ كل ما يقع تحت يدي، فحبى للكتب، دفعنى لأن أصرف نصف ثروتى عليها، حيث تتسع مكتبتى لأكثر من 7آلاف كتاب من أهم أمهات الكتب العربية والأجنبية.
كما شهدت فاعليات هذه الدورة توزيع جوائز المعرض، والتى جاءت مرضية للجميع، ولم يوجه لها النقد ما يدل علي مدى شفافية لجان التحكيم، والتى سلمتها وزيرة الثقافة التونسية ومدير المعرض ورئيس اتحاد الناشرين التونسيين، وجاءت كالتالى فى فرع الرواية حصل عليها السيد محمد عيسى المؤدب عن روايته «حمام الذهب»، وذلك لبراعته فى توظيف الرصد التراثى الشعبى التونسى وقدرته على المزج بين الواقعى والأسطوري، بينما فى فرع القصة حصل عليها السيد طارق اللموشى عن مجموعته القصصية «أنسومنيا حكايات ما قبل النوم»، لكونها لونا من الكتابة نادرا فى المدونة القصصية التونسية.
أما العمل الفائز بجائزة الشعر، هو مجموعة السيد التوى الشعرية، وهى قصائد نثرية توظف السرد توظيفا يحفز الدلالات الإيحائية والرمزية.
وهناك جائزة أخرى فى البحوث والدراسات جاءت مناصفة، لكل من المرحوم محمد على الحباشى عن كتابه «حركات المعارضة والمحاكمات السياسية»، وذلك لثراء جانبه التوثيقى واهتمامه بزوايا معتمة من تاريخ تونس ولقدرته على سرد الوقائع فى موضوعية وحياد، مناصفة مع الدكتور السيد نور الدقى عن كتابه «عن فترة الحكم البورقيبى عبر التأريخ».
أما جائزة الترجمة، ففاز بها السيد محمد المختار العبيدى والسيدة سماح حمدي، عن ترجمتهما لكتاب محمد الطالبى «دراسات فى تاريخ إفريقيا»، والكتاب ترجمة من الفرنسية إلى العربية،
أما جائزة أدب الأطفال واليافعين، وهى فرعان «أدب الطفل» أسندت مناصفة إلى السيدة فتحية فرج عن كتابها «آلة متكبرة»، وإلى السيد الحسناوى الزراعى عن مجموعته الشعرية «أمل»، لأسلوبها الجذاب ومحتواها الطريف، بينما ذهبت جائزة أدب اليافعين مناصفة، إلى كل من السيد يوسف رزوقة عن قصته «جنينة هانى»، وذلك لقدرة مؤلفها على توظيف التاريخ فى الكتابة الأدبية، وإلى أسمهان الفرجاوى عن قصتها «أيدير»، لاعتمادها الواقعية السحرية ونجاحها فى التخيل، بينما فاز بجائزة النشر السيد حافظ بوجميل «دار نرفانا للنشر» لمراعاتها معايير تقييم المؤلفات قبل نشرها، ولطرافة محتويات منشوراتها ومراعاتها معايير الطباعة وصناعة الكتاب ومقاييس الإخراج الفنى وشروطه الجمالية.
كما احتفى معرض تونس الدولى للكتاب برواد النشر فى تونس والدول العربية، الذين رحلوا عن عالمنا، لكن مازالت أسماؤهم لامعة براقة فى سوق صناعة الكتاب والنشر، وهم على غرار التيجانى المحمدى وأبو القاسم كرو، صاحب أول سلسلة كتب فى تونس «كتاب البعث»، ومحمد بن إسماعيل ومحمد المصمودى وعمر سعيدان ومنصف الدبوسى، وخليفة التليسى وسهيل إدريس والحاج مدبولى من مصر.
وخلال جولة «الأهرام العربي» فى المعرض منذ اللحظات الأولى للمعرض، شاهدنا كثافة الحضور من قبل الجمهور التونسى وكأنه متعطش للكتاب، كما شاهدنا عددا كبيرا من الأطفال من مختلف الأعمار وأسرا تونسية كاملة، تحضر للمعرض والبسمة ترتسم على وجوههم.
لفت انتباهنا خلال جولتنا وجود عدد كبير من دور النشر المخصصة للأطفال التى تعرض منتجها الثقافى للطفل، بشكل جذاب من خلال الألعاب والرسومات الكرتونية التى تزين أجنحة الطفل، كما وجدنا اهتماما من قبل إدارة المعرض بالطفل التونسى بشكل ملحوظ من خلال عدد الأنشطة والفاعليات الثقافية المخصصة لهم، ففى قاعة «فضاء الفن» شاهدنا رجلا يعزف الموسيقى للأطفال، ويرحب بهم لدخول القاعة التى يعرض فيها عددا من الأغانى والمسرحيات، وكلها تحس على اقتناء الكتاب، وتقدم نصائح وإرشادات تحس على الانتماء للدولة التونسية، وبجانبها قاعة تحمل عنوان «فضاء الأطفال» تقدم العديد من الورش الفنية وتعليم الأطفال الرسم والنقش والكتابة والزخرفة والتلوين، ورسم المجسمات، وكأنه بمثابة كرنفال فنى أقبل عليه عدد كبير من الأطفال، والفرحة تملأ نفوسهم والبسمة ترتسم على شفاههم.