مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

غيث التميمي يكتب : المصير .. عراقيو الوطن و المنفى

نشر
الأمصار

عشت في بريطانيا خمسة اعوام تقريبا، وصلتها احمل عمامتي على رأسي وكأنني احمل التاريخ وموروث ثقيل من المقولات الدينية تمثل قلقي اليومي بين هوية مضطربة تشكلت في خضم صراع تاريخي ديني قومي قبلي طبقي ثقافي معقد حصل في بغداد خلال الالف عام الاخيرة على العراق، انا سليل كل تلك الاحمال المرهقة وصلت الى لندن في يوم ممطر من شهر آب اللهاب في بغداد.

كل شيء في لندن يشبه بغداد ولا يشبهها، تشبهها بانها مدينة كبيرة عتيقة متنوعة معقدة ولا يشبهها في كونها منظمة وعالمية نشطة ومقتدرة.

الوقع على شاب بغدادي

شوارع لندن كانت مواجهة ثقافية وحضارية شديدة الوقع على شاب بغدادي معمم هارب من حكم المعممين في العراق، في شوارع لندن واجهت اضخم مواجهة ومناظرة بين عمامتي وحمولتها وبين هذه الشوارع التي تؤكد قدرة الشعوب على تقبل بعضهم والعيش معا بسلام مهما بلغ اختلافهم وتنوعهم في حال كان الجميع محكوم بقوة القانون وسلطة الدولة المبنية على اساس المواطنة والعدالة وحقوق الانسان، بينما اهرب من حكم غالبية قادته تربطني معهم معرفة شخصية وتاريخ مشترك وعقيدة واحدة ولكني اختلف معهم في الاليات والتطبيق والاسلوب والمناهج ولكن ما اشترك به معهم لا قيمة له امام جزئية نختلف بها.

كثيرة هي المفاجئات التي توقفت عندها لكن الاكثر أهمية بالنسبة لي كانت طبيعة ونوع وسلوك العراقيين هناك، لأنهم يشبهون اهلهم في الوطن من حيث تنوعهم وتعدديتهم وانتماءاتهم وطبقاتهم واتجاهاتهم الفكرية والثقافية ولكنهم قادرين على التعايش مع منظومة القيم والقوانين والضوابط الاجتماعية والاقتصادية والثقافية الحاكمة في بريطانيا ونسبة غير قليلة منهم يحظى باحترام وتأثير نوعي في ذلك البلد وخصوصا العلماء والاطباء والمثقفين ورجال الاعمال والطبقات الاكثر انخراطا باللغة الانكليزية واندماجا مع النظام الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والثقافي الحاكم هناك.

هذه الملحوظة تعني في بعض جوانبها بان العراقي القادر ان يكون زها حديد والسير دنكور والمرجع فاضل الميلاني والطبيب محمد جلو وامثالهم مئات والاف من الشخصيات المؤثرة والفاعلة في الحياة البريطانية، لو أن جميع هؤلاء رجعوا للوطن ومنحوا الفرصة لتنظيم الحياة فيه، بالتاكيد فإن عراقا مختلفا سنشهده وهو عراق ينافس دول نامية مهمة في المنطقة والعالم، لكن الواقع يقول باننا نعيش في بيت عنكبوت اسمه العراق يعتاش على اكل ابنائه احياء بفضل سلطة احزاب النهب والجريمة المنظمة واساليبها الهمجية في ادارة الحكم.

العراقيون في لندن وبريطانيا ليسوا افضل نوعية من العراقيين في بقية دول المهجر امريكا واوربا وكندا واستراليا وبقية دول الشتات، بل انهم ليسوا افضل نوعية من العراقيين في داخل العراق، لكن انظمة الحكم التعسفية التي حكمت العراق في القرن الماضي ولازالت تحكم طاردة للقوى الخيّرة ومنتجة للازمات والارهاب والعنف والانحيازات العنصرية والطائفية والصراعات والولاء للاجنبي وانتهاك سلطة الدولة والدستور والقانون واشاعة الفوضى والفساد.

المصير هو الحاضر والمستقبل الذي يعيشه الانسان وأزمة العراق أنه دولة وشعبا يعيش أسوء ما يمكن أن يكون المصير والأشد وجعا أن العراق الدولة والشعب يقرر مصيره أسوء ابناءه.