د.عبد الحفيظ محجوب يكتب: السعودية تقود الترتيبات الإقليمية في الشرق الأوسط
أولوية الولايات المتحدة التنافس الاستراتيجي مع الصين على النفوذ وأين يتجه هذا التنافس، لكن مسألتي روسيا بالنسبة لأوربا وإيران بالنسبة للسعودية ودول الخليج بشكل خاص والعرب بشكل عام، وهما ملفان تتعاملان معه الولايات المتحدة من خلال الحصول على تنازلات من الجانبين، من الجانب الأوربي والجانب السعودي الخليجي لصالح مصالح الولايات المتحدة.
لذلك تسعي السعودية إلى ترتيبات إقليمية في الشرق الأوسط تختلف عن مساعي الولايات المتحدة في المنطقة التي ترتبط بمصالحها، باعتبار اختلاف أولويات الطرفان، لأن السعودية مسؤولة عن أمن الشرق الأوسط، بينما الولايات المتحدة تهتم بتلك الترتيبات لخدمة مصالحها، وحتى لا تصبح منطقة نفوذ للصين وروسيا، لأنها بعيدة جغرافيا عن منطقة الشرق الأوسط وأوربا، وقد تأخذ مصالح إسرائيل بعين الاعتبار أكثر من مصالح شركائها في منطقة الشرق الأوسط.
لذلك هي عازمة على التوصل مع إيران على خفض مخاطر الانتشار النووي، وفي نفس الوقت تأخذ في حسبانها تهديد السعودية بالحصول على النووي إذا حصلت إيران عليه، تعيد تجربة الهند والباكستان إلى الأذهان.
تدرك الولايات المتحدة أن الصين وروسيا تستفيدان من هذا التباين بين الولايات المتحدة والسعودية، فهناك عرض صيني مغري للسعودية في مثل تلك الظروف ممثلة في التباعد بين السعودية والولايات المتحدة منذ مجئ بايدن، وتدرك السعودية أن الولايات المتحدة والصين يهتمان بإدارة التنافس وليس في إدارة الصراع، ولا يسعيان الدخول في حرب باردة كما يعتقد البعض، لأن الطرفان لا يريدان ذلك.
لذلك الصين تسعى إلى سد الفراغات التي تركتها الولايات المتحدة، والتي تحتاجها السعودية، وعرضت الصين على السعودية أن تكون شريكا موثوقا على المدى الطويل من خلال تلك الشراكة، وتقدر مواقف السعودية الثابتة، وتدعم أمنها واستقرارها، ولن تتدخل في شؤونها الداخلية، وستدعم رؤية المملكة 2030، ومبادرة الشرق الأوسط الأخضر، حيث تدرك الصين أنها بحاجة إلى اقتصاد، والسعودية بحاجة إلى اتصال وثيق.
لكن السعودية دولة عريقة وتمتلك خبرات متراكمة لثلاثة قرون، لذلك فهي تلعب على التوازنات الدولية دون التورط أو الوقوع في حضن دون حضن، وهذه ليست سياسة السعودية، من أجل أن تحافظ على دورها ونفوذها، ضمن تحرك سعودي متوازن، يعطي السعودية الألوية في الشرق الأوسط.
بالفعل نجحت السعودية في اجتذاب أمريكا وتحقيق صفقة أسلحة بقيمة 500 مليون دولار، وأقامت مناورات بحرية شرق البحر الأحمر سعودية أمريكية، لأن أمريكا والصين يدركان أن السعودية ليست فقط دولة محورية، بل دولة محورية وقائد لأسواق النفط، ومركز بالنسبة للطريق والحزام.
فالسعودية دولة تؤمن بعدم الحياز، ولن تقبل أن ترتمي في أحضان أي طرف، حتى لو قدم أحد الأطراف مجموعة إغراءات، وأدركت الولايات المتحدة أن بسبب سياسات بايدن التي حاولت ابتزاز السعودية من أجل إيران منذ مجيئه للبيت الأبيض فشلت،بل على العكس جعل السعودية تستثمر هذه الفجوة بين الجانبين في تحقيق مكاسب جيوسياسية هائلة،وفق تحرك سعودي متوازن، ولم يتمكن أي طرف من الاستخبارات الدولية من توريط السعودية ضد فرنسا والصين، لأن السعودية تدرك أن هناك تجييش للشعوب دينيا في الضغط على السعودية للدفاع عن المظلومين من المسلمين ويتم بث صور بشكل مكثف لإحراج السعودية أمام العالم الإسلامي، لكن الأهداف ليست دينية بل لأهداف جيوسياسية، فاليسار الأوربي يحمي المجرمين الإخوان، ففرنسا تعاني من أمريكا ومن تركيا ومن بريطانيا لأنها ترى أن أمن مصر يهدد الاستقرار الأوربي.
تعرضت السعودية إلى ابتزاز وتعريض المنطقة للفوضى الخلاقة من قبل أمريكا، وابتزاها من خلال قضية خاشقجي، وبالتهديد على حلفائها من أجل جعلها وحيدة، ومحاربتها بالوكالة عبر الحوثي في اليمن، لكنها كانت السعودية صامدة، وفشلت كل المحاولات، وتهاوت،وأفلست،بل وأفلس المرتزقة المتخصصين في تناول السعودية خدمة لأجندات خارجية، لكنهم اليوم بدأت تتخلى عنهم تركيا وبريطانيا ودول أخرى بل تصل إلى طرد بعضهم وترحيلهم أو وقف برامجهم.
يسجل التاريخ انتصارات السعودية، فزيارة ماكرون خير دليل الذي شعر أن لا بديل سوى التحالف مع العرب وعلى رأسهم السعودية، خصوصا بعدما تحالفت أمريكا مع استراليا والتخليعن الغواصات الفرنسية، واستبدالها بغواصات نووية أمريكية، خرجت فرنسا من هذه الأزمة مجروحة، وشعرت أن العرب خير حليف، وبشكل خاص السعودية ومصر والإمارات، حتى أن الاعلام الغربي وعلى رأسهم جريدة الغارديان التي اتهمت ماكرون أنه متواطئ مع السعودية من أنه موافق على حرب اليمن، وهذه الصحيفة التي تحاول تشويه السعودية، وهي التي تبنت مسرحية التجسس على مالك الأمازون، ولم تعتذر الصحيفة بعدما تم تبرئة السعودية، وهي محاولات بائسة من قبل هذه الصحيفة على غرار صحيفة واشنطن بوست الأمريكية التي روجت لقضية خاشقجي ضد السعودية، وهي صحيفة تابعة لليسار الأمريكي الذي يتبنى القضايا ضد السعودية.
وهي قضية صراع على السعودية بين بريطانيا وفرنسا،بعدما قدمت فرنسا نفسها كشريك موثوق لدول الخليج، خصوصا وأن السعودية تعتبر من أكبر الدول التي تشتري السلاح، لذلك سارعت بريطانيا إلى التقرب من السعودية،لذلك سارعت بريطانيا عبر كشفت الاستخبارات البريطانية عن فضيحة في البرلمان البريطاني تتعلق بممارسات اللوبي المدفوع عبر نائبان اعترفا أنهما تلقيا آلاف الجنيهات لمهاجمة السعودية.
حيث اعترفت النائبة الليبرالية ليلى موران في بيان بانها استخدمت مكتبها في البرلمان للمشاركة في إفادات لمنظمات حقوقية مغرضة تزعم انتهاك حقوق محتجزين تحقق معهم السعودية، لم يتوقف الصراع على السعودية بين فرنسا وبريطانيا، ما جعل رئيس جهاز الاستخبارات الخارجية البريطاني إم آي 6 ريتشاد مور يتهم طهران بزرع عصابات مسلحة تضعف دول الشرق الأوسط من داخلها محذرا في كلمة له من الدور الذي يلعبه حزب الله في لبنان، معتبرها أول قوة أجنبية تابعة لإيران في لبنان، وأصبح حزب الله دولة داخل دولة لبنان مساهما بشكل مباشر في إضعاف لبنان وفي الفوضى السياسية الحالية في لبنان، وكررت هذا النموذج في العراق وفي سوريا واليمن، يمارسون قتل الذين يريدون حفظ القانون، فمن أجل التهافت على مصالح دول الخليج التي أصبحت كتلة واحدة بعد مصالحة العلا في يناير 2021 تصطف بريطانيا إلى جانب السعودية حتى لا تستأثر فرنسا بكعكة المصالح الخليجية، ولم يعد ينفع تكرار أن حزب الله مكون لبناني، أو تصريح الرئيس عون لقناة الجزيرة عند زيارته لقطر من أن حزب الله مكون لبناني يشمل ثلث سكان لبنان، وهو لم يخطئ.
عنوان زيارة ماكرون للسعودية تعميق الشراكة والاستقرار، وشدد الرئيس الفرنسي ماكرون على إشراك دول المنطقة في محادثات إقليمية حول نووي إيران، وخرج البيان المشترك للزيارة في التأكيد على ضرورة التصدي للأنشطة الإيرانية وحصر السلاح بأيدي المؤسسات الشرعية في لبنان، بناء عليه تم الاتصال الهاتفي بين ولي العهد الأمير محمد بن سلمان والرئيس الفرنسي ورئيس وزراء لبنان ميقاتي، حيث شدد البيان السعودي الفرنسي على ضرورة التصدي للأنشطة الإيرانية المزعزعة للأمن في المنطقة وضرورة قيام الحكومة اللبنانية بإجراءات إصلاحات شاملة، ولن تطبع السعودية وبقية الدول العربية مع سوريا إذا لم تخرج المليشيات الإيرانية ومحاصرة أنشطة حزب الله على الحدود اللبنانية السورية في سهل البقاع ومدينة القصير وتهريب المخدرات عبر ميناء اللاذقية، بل حتى أمريكا بدأت تفتح ملف الرهائن مع حزب الله.
بالطبع خرجت تلك الزيارة الفرنسية للسعودية بتوقيع 27 اتفاقية ومذكرة تفاهم تعزز التعاون السعودي – الفرنسي الاستراتيجي، شملت قطاعات الطاقة والصناعات الكيمائية المتخصصة والنقل.
لا شك الضغط السعودي على الرئيس ترمب جعله ينسحب من الاتفاق النووي الذي وقعته طهران مع الدول 5+1 وتعتبره السعودية اتفاقا ضدها ولم يأخذ مصالح دول المنطقة، بل شعرت إيران أن الاتفاق مقابل غض الطرف عن نفوذها الإقليمي، فانسحب الرئيس ترمب من الاتفاق النووي بشكل آحادي لإرضاء السعودية وتحقيق مصالح اقتصادية لصالح الولايات المتحدة، ووضع عقوبات قاسية جدا على إيران أزعج الأطراف الأخرى.
اليوم يحاول بايدن التوصل إلى اتفاق من شانه خفض مخاطر الانتشار النووي، ولكنها في الوقت نفسه لا تود تكرار خطأ الاتفاق في عهد أوباما في 2015 وهذه المرة حريصة على أخذ مخاوف دول الخليج وعلى رأسها السعودية وإسرائيل، فيما يتعلق ببرنامج إيران البالستي وتصنيعها المسيرات التي يستخدمها حلفاء طهران ضد السعودية بشكل خاص، وتمدد النفوذ الإيراني في عدد من الدول العربية.
رغم أن السعودية فتحت نافذة حوار مع إيران في بغداد، لكن إيران لا زالت غير مستعدة التنازل عن مكتسباتها، ولم تفض تلك الاتصالات السعودية الإيرانية عن نتائج ملموسة، وليس من الواضح أن تقدم إيران تنازلات ضرورية من أجل التوصل إلى اتفاق، كما لا يبدو أن إيران عازمة على التخلي عن ورقة الضغط التي تمسك بها من خلال دعمها متعدد الأوجه للحوثيين رغم أن الولايات المتحدة قدمت لها فرص لكنها لم تتمكن بسبب قوة السعودية الدبلوماسية.
تدرك السعودية أن إيران تشعر أن إيران مقتنعة أن أمريكا ضعيفة والصين وروسيا حلفاء لها ضد الغرب، لكنهما ليس الحليفين المثاليين، فالصين تهتم بالطاقة، وروسيا من أجل مصالحها الكبرى مع السعودية، ومن اجل مصالحها مع العرب، ومصالحها الخاصة في سوريا تحاول إخراج إيران من سوريا بعدما أقنعت النظام السوري من أجل عودته للجامعة العربية إخراج مليشيات إيران من سوريا وعلى رأسهم حزب الله، ما يعني أن ملالي طهران يتغذون على أوهام فقط التي يمكن أن يجنيها من شراكاته الاستراتيجية مع بكين وموسكو.
أخذت السعودية بعين الاعتبار رغبة واشنطن في تخفيف التزاماتها في المنطقة، فعززت من شراكاتها الدولية وحتى الإقليمية وغيرت كثيرا من استراتيجياتها، ووافقت على إقامة علاقات بين الإمارات والبحرين مع إسرائيل تصب في إيجاد ترتيبات إقليمية لتهدئة النزاعات في الشرق الأوسط، وفي نفس الوقت كسب ود الولايات المتحدة وأوربا رغم أنها لن تقيم علاقات مع إسرائيل إلا بعدما تنفذ مبادرة السلام العربية التي تقدمت بها السعودية ووافقت عليها الدول العربية في بيروت عام 2002.
عندما التقى وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن على هامش قمة العشرين في إيطاليا، وفي مقابلة لبلينكن مع قناة سي بي إس إن الوقت الذي تحتاجه إيران لإنتاج ما يكفي من المواد الانشطارية لسلاح نووي يتناقص، لكنه أضاف إن إيران تمضي بقوة في برنامجها النووي، لكن أمريكا من غير أن تتورط في حرب جديدة مع إيران يمكنها أن تعطل المشروع النووي الإيراني، وبالفعل بعد فشل الجولة السابعة في فيينا التي أتت بعد خمسة أشهر تعرض مفاعل نطنز بعد تعرض المنشأة لصاروخ في 4/12/2021، لكن التفاصيل غير معروفة حتى الآن.
ترفض إيران خطوة الامتثال مقابل الامتثال، وهي خطوة تؤمن بها الدول الأوربية، لكن إيران تشترط رفع كامل العقوبات مقابل الامتثال، صحيح أن الولايات المتحدة تركز على الدبلوماسية، لكنها صرحت أن الوقت ينفذ، ولن نسمح لإيران اللعب على الوقت، خصوصا بعدما أدرك الغرب أن إيران غير مهتمة بالمفاوضات فقط لشراء الوقت.
فأمريكا تتمسك بالدبلوماسية كموقف ثابت، كذلك تتمسك بانها لن تسمح لإيران بحيازة سلاح نووي وهو أيضا موقفا ثابتا في سياستها، وسيكون من الصعب أن تراهن إيران بالعودة إلى الاتفاق النووي السابق،ما يعني أنها ستعيش إيران في مرحلة الأحلام حتى شراءها الوقت الذي تلعب به إيران لن يمكنها من حيازة سلاح نووي، وستستمر في ضعف، ما يجعل الشعب الإيراني يعاني من الفقر، وستدخل إيران في حالة من عدم الاستقرار، لأن العالم أجمع يطالب إيران أن تعود دولة طبيعية.