إبراهيم نوار يكتب: دور الدولة في فيتنام ومسؤوليتها عن التنمية
دور الدولة مهم جدا ومحوري في تجربة التنمية الفيتنامية، لكنه دور جديد، غير الدور التقليدي في الاقتصاد اللي عرفناه بعد الحرب العالمية الثانية. الموضوع ده مهم جدا للناس اللي عاوزه تفهم دور الدولة في الاقتصاد الحديث، وهنا مش هقول “الاقتصاد الرأسمالي” و”الاقتصاد الاشتراكي” ولكن هقول “اقتصاد السوق” بشكل عام، وهذا بينطبق على أمريكا زي ما بينطبق على الصين وفيتنام.
ناس كتير هتستغرب الكلام اللي انا بقوله، لكن الحقيقة أنه حصل تغيرات كثيرة جدا في نظام تقسيم العمل الدولي، أدت لتفكيك نظام التخصص القديم. أنا كتبت عن “الدولة التنموية” أكثر من دراسة في الخمس سنين اللي فاتت، واحدة منهم اتنشرت في كتاب بعنوان “الدولة التنموية- رؤي نقدية للمشكله وسياسات بديلة ” بإشراف وتحرير أستاذنا الراحل الأستاذ السيد يسين رحمة الله عليه، وكتبت في الموضوع من زوايا أخرى في مجلة “السياسة الدولية” وفي مجلة “آفاق عربية” اللي بتصدرها الهيئة العامة للاستعلامات. الدراستين اللي نشرتهم “آفاق عربية” مهمين جدآ لأن فيهم “تأصيل نظري” لدور الدولة مربوط بمراحل التنمية المختلفة، وتقديري وقناعتي الكاملة هي أن الدولة لها دور في التنمية وفي ضبط أداء السوق.
الدور الصحيح للدولة في كل مراحل النمو هو إنها ما تتصرفش بوصفها البديل للسوق، والبديل للقطاع الخاص. الدولة دورها هو إنها تساعد على خلق السوق، وإنها تضبط أداء السوق بالتشريعات وأنظمة العمل المختلفة علشان تحمي المنافسة (سيبك من جهاز حماية المنافسة ومنع الاحتكار)، كمان دورها هو إنها تدخل في مجالات بيتردد القطاع الخاص في دخولها وبيخاف منها، خصوصا الصناعات التكنولوجية المتقدمة، ودورها برضه انها تشارك القطاع الخاص الأجنبي في مشروعات كبيرة، علشان ييجي وهو مطمئن. وكل ما ارتفع مستوى التقدم الاقتصادي دور الدولة بيقل في الإنتاج ويزيد في تنظيم السوق وضمان حرية المنافسة ومنع الاحتكار والممارسات الاحتكارية، لكن إذا الدولة اتصورت إنها منافس للقطاع الخاص، أو إنها بديل له فهي غلطانة جدا، وبتفشل، واحنا جربنا الكلام ده في الستينات وموش جديد علينا. السوق لها اخفاقاتها، وهنا دور الدولة هو إنها تعالج الاخفاقات دي وتضع قواعد للوقاية منها ومنع حدوثها، وكل ما بتزيد درجة المنافسة في السوق كل ما بتكون اخفاقات السوق أقل.
علاج فشل السوق هو تأكيد وحماية المنافسة، وتشغيل السوق على أساس قواعد الإفصاح والشفافية والكفاءة، دلوقتي عرفنا أن علاج فشل السوق، السؤال بعد كده هو هل الدولة محصنة ضد الفشل؟ بالطبع لأ، علماء السياسة والاجتماع طوروا لنا مصطلح جديد في علوم السياسة هو “الدولة الفاشلة”، عندنا العشرات من الدراسات الأصيلة عن ملامح فشل الدولة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا. اذن “فشل الدولة” هو ظاهرة معترف بها علميا، وعلى الصعيد العملي توجد العشرات من النماذج ل “الدولة الفاشلة”. طيب فشل الدولة أو إخفاقاتها إيه العلاج بتاعه؟ الجواب يا صاحبي هو كلمة واحدة: “الديمقراطية”، الديمقراطية ياصاحبي هي العلاج لاخفاقات الدولة أو فشلها، علشان كده بتقول إن فيه علاقة ترابط قوية جدا بين التنمية وبين الديمقراطية، وهذا موضوع آخر كبير محتاج كلام كثير لأن الديمقراطية حاليا على المستوى العالمي بتعيش أزمة كبيرة جدا، حتى في الدول اللي بتقول على نفسها ديمقراطية، حتى في أمريكا اللي بترفع راية الدفاع عن الديمقراطية في العالم.
الدكتور محمود محيي الدين في دراسته عن السياسة الصناعية الناجحة، تكلم عن مبدأ الاستقرار المؤسسي والانضباط والمسؤولية، ودي الحقيقة مسلمات “ديمقراطية” ضروري نعرف إنها لازم تتوفر لأي سياسة ناجحة.
ما ينفعش كل كام سنة نغير الدستور، وكل كام سنة نغير القوانين، وكل كام شهر تغير التعليمات واللوائح، وكل كام يوم نشتغل بتعليمات شفوية محدش يعرف عنها حاجة غير اللي أصدرها بالتليفون واللي سمعها منه، ده ضد الديمقىراطية، وضد السياسة، وضد الاستقرار، وضد المنافسة، وضد أي أمل إنك فعلا تستثمر المزايا الهائلة اللي عندك، وتحول “المزايا النسبية” بتاعتك إلى “مزايا تنافسية” لها قيمة مضافة عالية جدا، ولها استمرارية، علشان تتحول من دولة تعتمد في توليد دخلها على موقعها (قناة السويس) وتاريخها (السياحة) ومواردها الطبيعية زي الشمس والشواطئ (السياحة) أو زي المناجم والمعادن في باطن الارض (النفط والغاز والدهب)، إلى دولة ما يقدرش العالم يستغنى عنها بسبب علاقتها القوية بسلاسل الإمدادات وصنع القيمة على المستوى العالمي.. إللى دولة بتستثمر أغلى دهب موجود في العالم كله، اللي هو “الإنسان”.
فيتنام اللي احنا بنتكلم عنها النهارده دي كانت أقل من حضرتك بعشرات المرات من خمسين سنة. حاربت الفرنساويين والأمريكان من بعد الحرب الثانية لحد منتصف السبعينات تقريبا، وبعد هزيمة الأمريكان وحدو بلدهم وبنوها. الفقر عندهم حاليا أقل كثير جدا من عندنا، والبطالة أقل جدا من عندنا، والجهل أو الأمية أقل كثير جدا من عندنا، والتضخم أقل كثير جدا من عندنا، وموش عاوز اقول لك أرقام علشان ما تنصدمش، أنا بس عاوز اقولك وعاوز اقول لحكومة الإنجازات إن أكثر من 90% من الاستثمار الأجنبي المباشر في فيتنام بيروح على الصناعات التحويلية، خصوصا الصناعات التكنولوجية المتقدمة، وأن أكبر المستثمرين الأجانب عندهم هي الشركات العالمية العملاقة، اللي بتروح بتكنولوجياتها وفلوسها وزباينها ومصانعها حول العالم سامسونج، انتل، ال جي، تويوتا وغيرها، في حين عندنا فإن أكثر من 60% من الاستثمار الأجنبي المباشر بيروح على أنشطة استخراج البترول الغاز، وأغلبية المستثمرين الأجانب مجرد ناس معاها فلوس جايين عندك طمعانين في سوق ال 100 مليون.. ها ياخدوا منك موش ها يفيدوك.. وهنا يا صاحبي فيه فرق كبير جدا بين مستثمرين ومستثمرين.
استخراج البترول والغاز مثلا صناعة مكلفة جدا، كثيفة رأس المال، قليلة الحاجة إلى تشغيل العمال، وهي كمان صناعة قليلة التشابك مع غيرها من الصناعات، لأن الهدف منها هو استخراج مورد طبيعي من باطن الأرض وتصديره. بينما الصناعات التحويلية غير النفطية، بتوفر فرص عمل أكبر، وتحتاج لرؤوس أموال أقل، وفوق كده هي صناعات كثيفة التشابك مع غيرها من الصناعات، يعني لها آثار إيجابية انتشارية واسعة جدا على الاقتصاد ككل، أهلنا في المحلة وشبرا الخيمة يعرفوا ده كويس، محلات البقالة والسوبر ماركتات والأبراج السكنية الفاخرة الحقيقة أنشطة لا تضيف قيمة للتقدم الاقتصادي أو التجديد التكنولوجي. بالعكس حضرتك بتقتل المقاول الصغير والمتوسط، وبتقتل صاحب المحل الصغير والمتوسط وبتقطع عيشه، لأن مفيش توازن بينه وبين الهايبرماركت، أنا موش ضد ان يكون عندنا سوبر أوهايبر ماركتات محترمة، لكن لا أميل لأن ده يكون مجال رئيسي من مجالات الاستثمار الأجنبي في مصر.
طلعت حرب عمل “شركة بيع المصنوعات المصرية” فكانت أكبر department store للمنتجات الصناعية المصرية، للأسف احنا قتلناها بدم بارد جدا.ما تفتقده مصر هو سياسة صناعية رشيدة، ومستثمر أجنبي جاد مرتبط عضويا بالصناعة والتكنولوجيا، وسوق منظمة تخضع لقواعد المنافسة والشفافية والمساءلة، السياسة الصناعية دي موش حضرتك ولا حضرتي اللي بيعملها ويشرف على تنفيذها وتصحيح مسارها إذا لزم الأمر، وهذا دور الدولة، لأن المجتمع أنشأ الدولة علشان تقوم بإدارة شؤونه، الدولة موش مخلوق مستقل، وموش مخلوق نازل علينا من الفضاء، الدولة كائن مؤسسي خلقه المجتمع ودورها إنها تكون الخادم ل”بقاء” و”نماء” و”ارتقاء” هذا المجتمع. واحفظوا معايا الثلاث كلمات دول: “البقاء” و “النماء” و “الارتقاء”؛ لأن هنحتاج لهم كثير بعد كده في الكلام عن دور الدولة في السياسة الخارجية والدفاع والثقافة وبناء الإنسان وغيره. الثلاث كلمات دول مفاتيح لن نستغني عنها.
علاقة السياسة المالية بالصناعة والابتكار والتجديد التكنولوجي
السياسة الاقتصادية عموما عبارة عن شبكة مترابطة. مفيش حاجة بتمشي لوحدها. ومسألة التمويل دي موضوع أساسي في كل الشبكة الاقتصادية. في فيتنام، الدولة بتنفق بسخاء على البنية الأساسية المرتبطة بالجهاز الإنتاجي القائم فعلا، وتلبية احتياجاته في النمو والتوسع. أهمية دور البنية الأساسية هنا هو إعداد المهارات البشرية الملائمة للإنتاج الصناعي المتقدم (المدرسة والجامعة ومراكز البحث العلمي والتدريب)، وتوفير الاحتياجات المادية لنمو الجهاز الإنتاجي من شبكات اتصالات وانترنت إلى محطات وشبكات كهرباء، وأنظمة توزيع ذكية تقلل من احتمالات الأعطال، وإقامة شبكات إمدادات لوجيستية ملائمة لتعزيز تشابك قطاعات الجهاز الإنتاجي محليا ومع السوق العالمي.
أحد أهم أسباب إقبال الشركات العالمية العملاقة على الاستثمار في فيتنام هو إن فيها عمالة ماهرة جدا، وقادرة على التكيف مع التجديد التكنولوجي. بدون العمالة الماهرة لا يمكن سامسونج كانت هتروح فيتنام وتنشئ هناك أكبر مركز إنتاجي لها بيزود العالم بنصف احتياجاته من أجهزة الموبايل ومكوناتها. مفيش اختناقات كهرباء في فيتنام في المناطق الصناعية ولا غيرها، ومفيش فساد إداري، ومفيش أتاوات، ومفيش قوانين بتتغير كل يوم، ومفيش محسوبيات، ومفيش صفقات تحت الترابيزة. واحدة من أهم المشاكل اللي بتواجهها سامسونج في مصر هو نقص الكفاءات البشرية، والإدارة الكورية في المصنع بتشتكي مر الشكوى من ذلك على الرغم من وجود أقسام الإلكترونيات في كليات الهندسة، ووجود معاهد فنية كثيرة في مجالات علوم الكمبيوتر، وللسبب ده فإن مشروع أبوراضي لم يتطور، وواقف تقريبا محلك سر، في حين كانت الخطة الأصلية انه يكون هو المركز الرئيسي للإنتاج في الشرق الأوسط وأفريقيا، ويصبح حلقة مهمة من حلقات سلاسل التوريد في منظومة سامسونج على مستوى العالم.
أما تحويل سامسونج في مصر إلى مصنع محلي لتجميع أجهزة التابلت والكمبيوتر لوزارة التربية والتعليم فهذا نوع من تقزيم المشروع وتحويله إلى مجرد وحدة إنتاج لكفاية الاستهلاك المحلي. السياسة المالية هنا لا تقتصر على تقديم مزايا ضريبية، ولا مجرد تقديم دعم لإنشاء مركز للتدريب، لكنها أكبر من كده بكثير ولازم تغطي كل المجالات اللي ممكن تسبب اختناقات في السياسة الإنتاجية بشكل عام والصناعة بشكل خاص، وتغطي أيضا مجالات الصناعات والخدمات غير المباشرة اللي بتساعد على ضمان نمو وازدهار الصناعة الأساسية. المناخ المالي العام لازم يكون إيجابي، ولازم الأولوية في أهداف السياسة المالية تكون للتنمية وليس للجباية. ده من ضمن دور الدولة ومن ضمن مسؤوليتها.
لما يكون العائد على سندات الخزانة الحكومية لأجل 10 سنوات في فيتنام هو 1.96% ، بينما عندنا 14.7% فده معناه تضييق سوق التمويل المحلي على الصناعة وعلى الأنشطة الإنتاجية بشكل عام، لأنه بيرفع أسعار الفائدة، وده في غير مصلحة الجهاز الإنتاجية. والعائد على سندات وأذون الخزانة سببه زيادة اعتماد الحكومة على التمويل من البنوك.
لما يكون الدين العام (المحلي والخارجي) في فيتنام يعادل 55.3% من الناتج المحلي الإجمالي، بينما عندنا 90%، فده معناه ان صانع السياسة المالية عندنا معندوش هامش للمناورة، ولا مرونة في كافة جوانب السياسة المالية زي الضرائب والرسوم الإدارية. الحكومة في فيتنام كانت محددة بالقانون إن الحد الأقصى للدين العام ما يزيدش عن 65% من الناتج المحلي. السنة دي خفضوه في القانون إلى 60% ، والحكومة بتشتغل فعليا على تخفيضه لأقل من 50%. قيمة الدين العام السنة دي حسب الميزانية العامة للدولة تبلغ 162.6 مليار دولار.
معدل نمو الدين العام عندهم كان 18.6% خلال الفترة من 2011 إلى 2015. هم شافوا ان المعدل ده مرتفع وما يصحش يستمر كده، فبدأوا يخفضوه. وتراجع معدل نمو الدين العام إلى 8% فقط في الفترة من 2016 إلى 2019. بينما عندنا الدين العام زاد خلال الخمس سنين اللي فاتت بحوالي أربعة أمثال معدل النمو الاقتصادي.
بالنسبة لهيكل الدين العام، الحكومة الفيتنامية عاملة توازن، طبقا لاحتياجاتها التمويلية بين الدين العام المحلي والدين الخارجي. النسبة السنة دي هي 54% محلي و46% خارجي. علشان كده انا باقول إن “دولرة” الدين المحلي المصري في حدود معينة ما هياش غلط، طبعا بشرط أن الدين لازم يروح لغرض انتاجي، علشان يسدد نفسه بنفسه. ما ينفعش أبدا الحكومة تستلف فلوس لا محلي ولا أجنبي علشان تمول الاستهلاك بتاعها، وبعدين تقول له يا مواطن ادفع. وكمان لازم نشتغل على تخفيض نسبة الدين العام إلى 60% من الناتج المحلي، ودي النسبة الأساسية اللي أساتذة التمويل بيقولوا انها لازم تكون القانون.
خلال ال 11 شهر الأولى من السنة دي، الاستثمارات الأجنبية المباشرة اللي دخلت فيتنام بلغت 17.1 مليار دولار. المبلغ ده هو قيمة “الاستثمارات المنفذة فعلا” وليس “التعهدات بالاستثمار” ولا يتضمن أي استثمار مالي، وإنما هو تحويلات مالية لإقامة استثمارات مباشرة عينية. أما قيمة التعهدات بالاستثمار فتتراوح في المدة دي ببن 26.5 مليار إلى 30 مليار دولار. الاستثمارات دي بتدخل على الصناعة عدل، لا البقالة ولا العقارات ولا المستشفيات الخاصة.
السياسة الصناعية هنا هي جزء من السياسة الاقتصادية. ولازم حضرتك تعرف ان كل سياسة اقتصادية بتجيب لك مستثمرين على شاكلتها. افتكر معايا الكلام ده كويس “كل سياسة اقتصادية بتجيب مستثمرين على شكلها”.. موش المثل بيقول “الطيور على أشكالها تقع”.. علشان كده لما يجيلك مستثمرين مغامرين، هدفهم فقط هو تحقيق أرباح مالية سريعة، فاعرف إن المشكلة هنا موش في المستثمرين دول، لكن المشكلة في سياستك الاقتصادية اللي جابتهم. حضرتك موش لازم أبدا تشتكي من صندوق النقد الدولي، لأن حضرتك إنت اللي روحت له برجليك، فهو فرض عليك شروطه. وما تشتكيش من ان عندك مستثمرين أجانب ومصريين دخلوا قطاع الصحة، وهم ما لهومش أي علاقة بالصحة ولا يعرفوا عنها حاجة، كمان سياستك عملت حاجة غريبة جدا، قليل تشوفها في بلد ثانية. حضرتك حولت الشريحة الأعلى من المستثمرين وىجال الأعمال الصناعيين إلى “مطورين عقاريين”، يعني من راجل بيجيب مكن ويشغل عمال وينتج ويصدر، لراجل بياخد أرض بتراب الفلوس من الحكومة، وبعدين يستلف بضمانها من البنوك، غاليا بيطلعها أو جزء كبير منها بره، وفي الوقت نفسه بياخد فلوس حضرتك ويبني بيها شقق فاخرة وفيلات ويبيعها بأسعار مضاعفة. بالبلدي السياسة الاقتصادية اللي الدولة عاملاها بتقول لصاحب المصنع: يا عم سيبك من همّ المكن والعمال، هو انت واجع دماغك ليه، تعالى معايا وأنا ها أكلك الشهد. فصاحبنا لما داق الشهد قال لك ما احلاها شغلانة المقاول دي، خصوصا لما تكون مقاول كبير محظوظ مع الحكومة.
البشر والحجر
التنمية هي المستقبل، والمستقبل هو الإنسان موش الحجر والحيطان. علشان كده كل سياسات التنمية النهارده قايمة على بناء الإنسان بنية سليمة. والبنية السليمة للانسان معناها حاجتين أساسيتين، الأولى إن الإنسان ده يكون بدنيا سليم وفي أحسن صحة، وأظن إن احنا في المدرسة الابتدائي علمونا أن “العقل السليم في الجسم السليم”. ده مهم جدا، لأن الإنسان بدون صحة هو شخص مريض غير منتج يحتاج إلى الرعاية من الآخرين. والمريض ما بيقدرش حتى يخدم نفسه. الحاجة التانية المهمة في بناء الإنسان انك تزرع فيه بذرة المعرفة.
المعرفة دي هي المستقبل. اسألني ليه؟ المعرفة هي المستقبل لأنها هي أصل التكنولوجيا. والتكنولوجيا هي أم الابتكارات والتطبيقات الصناعية، ودي هي قاطرة النمو. محرك النمو الرئيسي هو التكنولوجيا. برضه ليه؟ لأن التطبيقات الصناعية المبنية على التكنولوجيا المتقدمة هي أساس السلع الجديدة فائقة القيمة الأكثر فائدة للبشرية، واللي بتحقق لمنتجيها أعلى عائد أو أكبر قيمة مضافة. الكلام ده معروف من منتصف القرن اللي فات، وفيه علماء اقتصاد أخدوا فيه جائزة نوبل زي عالم الاقتصاد الأمريكي روبرت سولو. لكن للأسف القطر ده لسه ما وصلش عندنا، وكمان احنا ماشيين في سكة تانية غير سكته.
أول الغلط في السكة اللي احنا ماشيين فيها إننا ابتعدنا عن بناء الإنسان، وفاكرين نفسنا فالحين في بناء الحيطان.
لو حضرتك بنيت الإنسان بالطريقة الصح هيكون الإنسان ده عنده إرادة وعزة وكرامة. لازم نعرف إن الانسان هو الإرادة، وإن الإرادة هي المستقبل، وان الإرادة هي القدرة على صنع الإمكانيات. الإمكانيات ممكن تضيع، لكن الإرادة عمرها ما تندثر أو تضيع.
فيتنام عرفت الكلام ده بعد منتصف الثمانينات من القرن الماضي، فبدأت تشتغل عليه. بدأت تشتغل عليه بجد من غير لا أونطه ولا فهلوة. القيادة الفيتنامية أخدت المسألة بجد وقالت للناس: ايدينا كلنا في ايدين بعض، نبني فيتنام جديدة. النهارده بعد 30 سنة من خطط التنمية المستمرة على أساس استراتيجية واضحة، فيتنام بقت إسم كبير على خريطة سلاسل الإمدادات العالمية، وعلى خريطة الاقتصاد العالمي ككل، لأنها بقت شريك محترم لأكبر اقتصادين في العالم 20% من صادراتها بتروح أمريكا، و 2% بتروح الصين. وأصبحت فيتنام نموذجا يستحق التدريس في الجامعات وفي مراكز البحث العلمي.