مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

منى سعيد تكتب: التحول نحو المسار السياسي في ليبيا

نشر
الأمصار

 

تعتبر ليبيا ساحة الصراعات بين القوى المتنافسة، كما تُعد محطة الأزمات ودوامة الفوضى، فمنذ سقوط نظام حكم القذافي 2011 تعمقت الأزمة من انفلات الأمن وغياب فكرة الحكومة الوطنية الموحدة، وساد التشرذم والانقسام في البلاد، وتبلورت الأزمة بشكل واضح مع تعدد السلطات وأبرزها حكومتي فايز السراج وعبدالله الثني، وحكومة السراج معترف بها دوليًا ومقرها العاصمة ” طرابلس”، أما حكومة الثني مدعومة من قبل الجنرال خليفة حفتر قائد الجيش الوطني ومقرها “طبرق”.

تحسن الوضع قليلًا مع التوصل إلى قرار وقف إطلاق النار وتشكيل حكومة موحدة برئاسة “عبد الحميد الدببة” لإدارة أمور البلاد في المرحلة الانتقالية أملًا في الوصول إلى المسار السياسي. ما زال الجدل حول مصير العملية السياسية الانتقالية الحالية مُثارًا في ليبيا، كما انقسمت الأطراف إلى اتجاهين متضادين حول رؤية المشهد الحالي: أحدهما يرى أن إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية في موعدها المحدد في 24 ديسمبر 2021 ستكون بمثابة نقطة تحول في مسار الحل السياسي للأزمة الليبية وتمهيدًا للاستقرار، بينما يرى الآخر أن الانتخابات لا جدوى منها، فهي ليست مرجعية أو آلية جديدة لتسوية الأزمة، بل من الممكن أن تعمل على إعادة تشكيل الصراع المسلح مرة أخرى بين الأطراف المتحاربة مما يعرقل العملية الانتقالية والتحول نحو الاستقرار السياسي في البلاد.

يتطلب المشهد الحالي الليبي وضع مجموعة من المؤشرات في الاعتبار للتنبؤ بالسيناريوهات المحتملة حول مصير الأزمة، ومن أهم هذه المؤشرات حالة عدم الاستقرار التي تعيشها البلاد. وقد استضافت العاصمة الألمانية ” برلين” جولة جديدة حول محادثات السلام الليبية في 23 يوينو الماضي، والتي ركزت فيها على استحقاقات الانتخابات الوطنية والتحفيز لها، وألقت الضوء أيضًا على سحب الجنود المرتزقة والأجانب من الأراضي الليبية.

انتهت المرحلة الأولى من إعداد الانتخابات وأغلق باب الترشح من قبل المفوضية العُليا للانتخابات في ليبيا في وسط حالة من الترقب والغموض لاستكمال مرحلتين مقبلتين لإتمام العملية الانتخابية، وتلقت أكثر من 90 مرشحًا من بينهما سيدتان، كما تشكل الانتخابات الرئاسية نقلة نوعية وسابقة فريدة في تاريخ البلاد السياسي، فهي المرة الأولى التي سيختار فيها الليبيون رئيسهم عبر الاقتراع، كما يعقدون العديد من الطموحات والآمال الكبيرة على هذه الانتخابات لإعادة الاستقرار بعد عدة أزمات مسلحة أرهقت البلاد وأدخلتها في دوامة الخلافات والفوضى.

تعقيدات المشهد الليبي الحالي

يزداد المشهد الليبي تعقيدًا مع تقديم سيف الدين القذافي أوراق ترشحه للانتخابات الرئاسية، حيث كان من المتوقع إقصاءه عن هذه الانتخابات بعد مروره بالمراحل القانونية والإجرائية التي تدينه، نتيجة ملاحقته محليًا ودوليًا بسبب ارتكابه جرائم حرب وضد الإنسانية، لكن قبول أوراق ترشحه ومنحة بطاقة انتخابية يوضح مدى التغير والتبدل الحادث على الساحة والمشهد السياسي في ليبيا.

لا يمثل ترشح نجل القذافي وحده توترًا يعرقل مسار العملية الانتخابية، بل زادت التعقيدات حدة بعد رهن رئيس الحكومة “الدببة” تسليم السلطة عن طريق إجراء انتخابات نزيهة وتوافقية، وحدث نفس الشيء بالنسبة لرئيس المجلس الليبيي “محمد المنفي” الذي صرح بتسليم السلطة بعد إجراء المفوضية انتخابات برلمانية وحل الأمور الخلافية، ومما زاد على الأمور أمورًا شكلت توترًا أكبر هو صعود خليفة حفتر إلى ساحة الانتخابات الرئاسية كمنافس.

هدد المجتمع الدولي في مؤتمر باريس الذي انعقد في 12 نوفمبر الماضي، بفرض عقوبات على كل من يعرقل إجراءات الانتخابات في موعدها المحدد، حيث عمل المؤتمر على وضع الانتخابات الليبية ضمن أولويات المرحلة الانتقالية للتحول نحو المسار السياسي، كما هدف إلى التأكيد على بعض الملفات منها الآليات التي تمهد وتعزز عمل اللجنة العسكرية المشتركة “5+5” لإبعاد القوات المرتزقة والأجانب من البلاد، لكن المؤتمر لم يسمِ الأشياء بمسميتها الحقيقية واكتفى بإخراج هؤلاء المرتزقة، حيث لم يحدد إلى أي جهة أو دولة ينتمي هؤلاء أو من يقوم بدعمهم، أو من بادر بزرعهم داخل البلاد؟!

من الجدير بالذكر أنه يجب التأكيد على قاعدة دستورية تكون بمثابة حجر أساس لإجراء الانتخابات ولضمان الجدية الكافية، حيث لا يتوقع الكثير من لجنة الاتصال التي شكلها مجلس النواب الليبي للتواصل مع المفوضية العُليا والمجلس الأعلى للقضاء لمناقشة التطورات حول الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، فمن المفترض إجراء الاستفتاء على الدستور قبل الانتخابات، فلن تجدي هذه الانتخابات نفعًا أو نقطة تحول في المسار السياسي وخريطة الطريق الليبية ما لم يولي المجتمع الدولي اعتبارًا لوعي الشعب الليبي وعدم الاعتماد على أشباه الحلول أو الحلول المؤقتة.

وفي الأخير في ضوء تعقد المشهد الليبي وغياب السلطة الوطنية لحسم الصراع حول الملفات الرئيسية، وفي ظل الترقب لإجراء الانتخابات الرئاسية في البلاد توجد مجموعة من السيناريوهات المتوقعة والمحتملة حول تطورات الانتخابات ومدى القبول بنتائجها وجني ثمارها والكيفية اللازمة لحمايتها ونزاهتها كآلية لحل الصراع، بما يحقق الاستقرار والتحول السياسي، ومن أبرز هذه السياريوهات:

السيناريو الأول: انعقاد الانتخابات الليبية في موعدها 23 ديسمبر والقبول بنتائجها

تسود حالة من الأمل المرتقب بشأن الاستحقاق الانتخابي والانعقاد في الموعد المحدد، نظرًا لاكتمال منتدى الحوار الليبي في نوفمبر 2020 والذي انتهى بإجراء هذه الانتخابات، فضلًا عن وجود قوى وطنية ليبية وقوى أخرى عربية ودولية داعمة للمسار السياسي والعملية الانتقالية لوضع الدولة على خريطة الطريق، فالقوى الدولية هي من وضع أسس هذه الخريطة والتي بدأت بمؤتمر جنيف ثم باريس لبناء المؤسسية الديمقراطية في الدولة وإنهاء حالة التفكك والصراع.

ستدخل ليبيا مرحلة انتقالية وفق معايير مختلفة بعد إتمام العملية الانتخابية والقبول بنتائجها، حيث يتعين على السلطة المنتخبة التركيز على حل واستكمال الملفات الشائكة والمعقدة المُرحلة من المرحلة الانتقالية إلى مرحلة ما بعد الانتخابات، وتتمثل هذه الملفات في خروج المرتزقة والوجود العسكري الأجنبي من البلاد، بالإضافة إلى الملفات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وأبرزها ملف الدستور.

السيناريو الثاني: إجراء الانتخابات الليبية في موعدها والاختلاف حول نتائجها

ستعقد الانتخابات في موعدها وستظهر نتائجها، ولكن لن يتم قبولها من قبل القوى المتضررة والرافضة لهذه النتائج وستحاول إثارة الفوضى، حيث توجد حالة من الافتقار في الآليات الحقيقية للانتقال من مرحلة الانتقال إلى مرحلة الاستقرار، فمن المتوقع أن تكون الانتخابات بمثابة أداة لإحياء الصراع المسلح داخل البلاد مرة أخرى.

تُعد الانتخابات الليبية بمثابة عملية تدويرية لإعادة تمكين القوى التي تشكلت خلال المراحل الانتقالية، فعند النظر إلى شخصيات المرشحين في الانتخابات الليبية، هي الشخصيات التي كانت تلعب دورًا في الصراع السياسي والمسلح وعملية الانتقال السياسي، فضلًا عن مراكز القوى الجديدة التي تناصر النظام السابق.