مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

من التعاون للتوتر.. تفاصيل الأزمة بين روسيا وألمانيا

نشر
من التعاون إلى التوتر..
من التعاون إلى التوتر.. تفاصيل الأزمة بين روسيا وألمانيا

أعلنت وزارة الخارجية الروسية أن روسيا طردت دبلوماسيين ألمان ردا على إجراءات برلين وتصرفت وفق مبدأ التعامل بالمثل.

وقالت الخارجية في بيان أنه قد تم استدعاء سفير ألمانيا لدى موسكو إلى مبنى الوزارة: “تم إبلاغ سفير جمهورية ألمانيا الاتحادية اعتبار موظفين دبلوماسيين في السفارة الألمانية في روسيا ” شخصان غير مرغوب فيهما” ردا على القرار غير الودي الذي اتخذته حكومة جمهورية ألمانيا الاتحادية، كما تم التأكيد على أن الجانب الروسي سوف يرد بالشكل المناسب مع أي تعديات محتملة من قبل برلين في المستقبل”.

وأوضحت “رغم كل ذلك، نترك الأبواب مفتوحة.. نحن مستعدون للتعامل مع القيادة الجديدة في ألمانيا بجدول أعمال دولي واسع ومسائل ذات اهتمام مشترك، وقد تم تأكيد هذا النهج في رسالة التهنئة التي وجهها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى المستشار الألماني أولاف شولتس”.

وأضاف “روسيا تعتبر أن الحكم الصادر عن محكمة الأراضي العليا في برلين في قضية زليمخان خانغوشفيلي المزعومة، والتي تم فيها تسمية هياكل الدولة الروسية طرفا ضالعا في جريمة القتل، قرار متحيز وذو دوافع سياسية يؤدي إلى تصعيد خطير يؤثر في العلاقات الروسية الألمانية”.

وتابع “هذا العمل غير الودي، وطرد الدبلوماسيين الروسيين لن يبقى بلا رد طبعا، لكنني أود أن أؤكد أن نهاية المحاكمة تزامنت مع بداية عمل الحكومة الألمانية الجديدة، التي أعلنت استعدادها لمواصلة الحوار البناء مع روسيا”.

وحكمت المحكمة العليا في برلين الأربعاء الماضي على مواطن روسي بالسجن مدى الحياة في قضية مقتل خانغوشفيلي.

وأيدت المحكمة حجج المدعي العام بأن “واقعة الاغتيال نفذت نيابة عن هياكل الدولة في روسيا”.

توتر العلاقات بين ألمانيا وروسيا

واعتبرت السلطات الروسية أن هذا الحكم يعد قرارا سياسيا، الذي قد يرفع مستوى التوتر الدبلوماسي مع ألمانيا، وكان الجورجي تورنيك كافتاراشفيلي، 40 عاما، قتل بثلاث رصاصات في وضح النهار في قلب العاصمة الألمانية، في قضية سممت العلاقات المتوترة أصلا بين البلدين.

وقال السفير الروسي في ألمانيا سيرجي نيتشاييف: «نعتبر أن هذا الحكم ليس موضوعيًا، إنه قرار سياسي يسيء بشكل خطير الى العلاقات الروسية-الالمانية الصعبة أساساً».

وكان الجورجي الزعيم السابق للانفصاليين الشيشان قاتل في القوات الروسية بين 2000 و2004. وكان يعيش منذ 2016 مع عائلته في ألمانيا حيث تقدم بطلب للحصول على اللجوء، وأكد رئيس المحكمة أنه كان ضحية قتل بدم بارد.

السفير الروسي في ألمانيا سيرجي نيتشاييف
السفير الروسي في ألمانيا سيرجي نيتشاييف

إجراءات ضد روسيا

نقلت صحيفة “Axios” عن وثيقة سرية أن حكومة ألمانيا طلبت من الكونغرس الأمريكي عدم فرض عقوبات على مشروع “السيل الشمالي 2” متعهدة في المقابل بتشديد النهج تجاه روسيا سياسيا.

وقالت الصحيفة إنها اطلعت على فحوى وثيقة مصنفة كسرية ومؤرخة بـ19 نوفمبر وجهتها السفارة الألمانية في واشنطن إلى الكونغرس الأمريكي حيث قالت إن ألمانيا “مصممة على التنفيذ الناجح” للاتفاقات الثنائية التي تم التوصل إليها يوم 21 يوليو بهدف “تعزيز الأمن في مجال الطاقة بأوكرانيا وأوروبا وكذلك ردع روسيا من سوء استغلال خط أنابيب الغاز في أغراض سياسية عدوانية”.

واعتبر الطرف الألماني أن العقوبات الأمريكية على المشروع “ستقوض التعهدات الممنوحة لألمانيا في البيان المشترك” الصادر يوم 21 يوليو “وستضعف الثقة بحكومة الولايات المتحدة وستهدد إنجازات البيان المشترك بما في ذلك البنود حول دعم أوكرانيا”.

وشددت السفارة الألمانية على أن العقوبات “ستضر الوحدة الأطلسية” مضيفة أن الإجراءات ضد حليفة للولايات المتحدة “لن تمثل إلا انتصارا” للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين.

وبحسب الوثيقة فإن الحكومة الألمانية ستتخذ إجراءات على المستوى الوطني لتشديد النهج تجاه روسيا، بما في ذلك عبر “تصريحات علنية حاسمة” في إطار الجهود الهادفة إلى منع الحكومة الروسية من استخدام “سلاح الطاقة”.

كما ستجري الحكومة الألمانية مراجعة لإمكانية الحد من بعض اللقاءات الثنائية السياسية أو صيغ معينة من التعاون مع روسيا أو تعليقها عندما يكون ذلك ضروريا ومجديا”.

ويشمل مشروع “السيل الشمالي 2” البالغ قيمته 3 مليارات يورو مد أنبوبين بسعة إجمالية تصل إلى 55 مليار متر مكعب من الغاز سنويا من روسيا إلى ألمانيا مباشرة عبر قاع بحر البلطيق التفافا على أوكرانيا، ويبلغ الطول الإجمالي للخط 1234 كيلومترا، وبني بموازاة خط الأنابيب “السيل الشمالي 1”.

ولا تنظر الولايات المتحدة وبعض دول أوروبا خاصة بولندا وإستونيا ولاتفيا وليتوانيا بعين الرضى إلى خط أنابيب الغاز الجديد هذا، والذي سيضاعف طاقة “السيل الشمالي 1” قيد التشغيل بالفعل، معتبرة أنه سيؤدي إلى اعتماد ألمانيا والاتحاد الأوروبي على الغاز الروسي وبالتالي على موسكو.

موسكو تنفي علاقتها بعملية الاغتيال

وفي رد فعل على عملية القتل، نفى الكرملين بشدة تورطه في هذا الاغتيال لكن الرئيس فلاديمير بوتين وصف الضحية بأنه «مقاتل قاس ودموي» مؤكداً أنّه طلب استرداده لكن برلين نفت ذلك.

تاريخ طويل من التوترات بين موسكو وبرلين

يذكر أنّ تلك ليست المرّة الأولى التي تطرد فيها ألمانيا دبلوماسيين روسيين، حيث قامت في نهاية عام 2019، بطرد دبلوماسيين روسيين، احتجاجا على عدم تعاونهما في إجراء ردت عليه موسكو بإبعاد اثنين من الدبلوماسيين الألمان.

وتضاف هذه القضايا إلى العديد من الخلافات الدبلوماسية بين برلين وموسكو منذ الهجوم على مجلس النواب الألماني بوندستاغ في 2015 الذي نسب إلى روسيا.

من التعاون إلى التوتر

تُظهِر العلاقات الألمانية الروسية أنماطًا دورية، فانتقلت من مرحلة التعاون والتحالف إلى التوتر والحرب الشاملة. قال المؤرخ جون ويلر بينيت أنه منذ أربعينيات القرن الثامن عشر:

دخلت العلاقات الألمانية الروسية في سلسلة من الانسلاخات، فتميزت بالمرارة والتقارب بالإضافة إلى وصفها بالودية أيضًا. شكل وجود بولندا المستقلة أحد العوامل الأساسية في العلاقة، وذلك عند اتفاق القوتين العظيمتين في أوروبا الشرقية، والمفصتولتين بدويلة حاجزة، بعد انحدار علاقتهما عندما كانا في حالة اتصال حدودي

ساعدت روسيا في تحرير ألمانيا بين عامي 1812-1815 في الحروب النابليونية، وبقيت العلاقات ودية بينهما بشكل عام لمدة قرن، وخاصة في عهد أوتو فون بسمارك الذي أسس تحالف الأباطرة الثلاثة في عام 1873 مع روسيا وألمانيا والنمسا والمجر. اختار خلفاء بسمارك بعد إقالته في عام 1890 دعم النمسا ضد روسيا في التأثير المتنافس في البلقان. قاتلت ألمانيا ضد روسيا في الحرب العالمية الأولى (1914-1918). كانت العلاقات ودية في عشرينيات القرن الماضي، وباردة جدًا في الثلاثينيات وسلمية بين عامي 1939-1941، وتحولت بعد ذلك إلى حرب دموية بين عامي 1941-1945.

تعاون البلدان مع بعضهما في عشرينيات القرن الماضي في التجارة وبشكل سري في الشؤون العسكرية. تصاعدت حدة الأعمال العدائية في ثلاثينيات القرن الماضي؛ إذ حارب الفاشيون برعاية برلين والشيوعيين الذين ترعاهم موسكو بعضهم البعض في جميع أنحاء العالم؛ وكانت أشهر تلك الحروب خلال الحرب الأهلية الإسبانية (1936-1939). توصل كلا البلدين إلى اتفاق في ظل تحول مذهل في أغسطس عام 1939، وقسما الدول المستقلة سابقًا في أوروبا الشرقية. انهار هذا الوفاق في عام 1941 عندما غزت ألمانيا الاتحاد السوفيتي. نجا السوفييت وشكلوا تحالفًا مع بريطانيا والولايات المتحدة، ودفعوا الألمان للتراجع واستولوا على برلين في مايو عام 1945.

قُسِّمت ألمانيا خلال الحرب الباردة 1947-1991، وكانت ألمانيا الشرقية تحت السيطرة الشيوعية وتحت المراقبة الدقيقة لموسكو التي تمركزت فيها قوة عسكرية كبيرة وقمعت انتفاضة عام 1953. طورت ألمانيا وروسيا منذ نهاية الحرب الباردة وإعادة توحيد ألمانيا بين عامي 1989-1991«شراكة استراتيجية» تكون فيها الطاقة أحد أهم العوامل. تعتمد ألمانيا وروسيا على بعضهما البعض في مجال الطاقة، وتحديدًا في ظل حاجة ألمانيا للطاقة الروسية وحاجة روسيا إلى استثمارات ألمانية الضخمة لتطوير بنيتها التحتية للطاقة.

ذكر استطلاع أجرته إذاعة بي بي سي البريطانية في عام 2014 أن 21% فقط من الألمان ينظرون إلى نفوذ روسيا بشكل إيجابي و67% بشكل سلبي. يملك الروس من الجهة الأخرى وجهة نظر أكثر إيجابية عن ألمانيا من نظرائهم الألمان تجاه روسيا؛ فينظر 57% إلى تأثير ألمانيا بشكل إيجابي و12% بشكل سلبي.

أصبحت العلاقات سلبية للغاية في عام 2014، وذلك ردًا على استيلاء روسيا على شبه جزيرة القرم، التابعة لأوكرانيا، ودعمها للمتمردين في أوكرانيا. كانت ألمانيا زعيمة بين مجموعة كوينت في حلف الناتو في فرض عقوبات الاتحاد الأوروبي القاسية المتزايدة بشكل متكرر على صناعات النفط والمصارف الروسية وكبار حلفاء الرئيس فلاديمير بوتين. ردت روسيا بقطع واردات الغذاء عن الاتحاد الأوروبي.

روسيا وألمانيا

تاريخ العلاقات

بقي أول اتصال بين الألمان والسلاف مجهولًا. يعود الاتصال المهم إلى حملات الفرسان التيوتونيين في بحر البلطيق حيث سيطروا على الأرض. هزم الأمير ألكسندر نيفيسكي الفرسان التيوتونيين في معركة الجليد في عام 1242.

عاشت روسيا قبل منتصف القرن الثامن عشر بمعزل عن الشؤون الألمانية؛ وذلك في الوقت الذي قُسِّمت فيه ألمانيا إلى العديد من الدول الصغيرة تحت القيادة الاسمية للإمبراطور الروماني المقدس.

انتشرت القوة الروسية في بحر البلطيق بعد حرب الشمال الكبرى مع السويد.

جاء دور روسيا في الحرب في عام 1941، ولكن جوزيف ستالين رفض تصديق التحذيرات المتعددة لغزو ألماني. بدأت عملية بارباروسا في يونيو عام 1941، واستولت على عدة جيوش سوفيتية أو دمرتها، ووصلت إلى أبواب موسكو بحلول شهر ديسمبر. قاوم ستالين وأقام علاقات وثيقة مع بريطانيا والولايات المتحدة اللتان قدمتا كميات كبيرة من الذخيرة.

أصبحت الجبهة الشرقية للحرب العالمية الثانية مسرح الحرب الأيديولوجية والعرقية المروعة، وربما الحرب الأكثر دموية في تاريخ البشرية، حيث قُتِل أكثر من 20 مليون شخص بمن فيهم أسرى الحرب السوفييت واليهود.

كانت العلاقات طبيعية في الجزء الأول من القرن الجديد، وذلك مع توسع العلاقات التجارية واعتماد ألمانيا المتزايد على خطوط أنابيب شحن الغاز الطبيعي الروسي. أصبحت العلاقات سلبية للغاية في عام 2014، وذلك ردًا على استيلاء روسيا على شبه جزيرة القرم التابعة لأوكرانيا ودعمها للمتمردين في أوكرانيا. كانت ألمانيا زعيمة بين مجموعة كوينت في حزب الناتو في فرض العقوبات القاسية المتزايدة بشكل متكرر ضد صناعات النفط والمصارف الروسية وكبار حلفاء الرئيس بوتين. وردت روسيا بقطع واردات الغذاء من الاتحاد الأوروبي.

أخبرت المستشارة أنجيلا ميركل الرئيس بوتين منذ بدء الأزمة عن عدم قانونية الاستفتاء حول انضمام شبه جزيرة القرم إلى روسيا.