السودان … هل يقترب من الاستقرار؟
شهد السودان احتجاجات شعبية في العام 2019 أدت إلى الإطاحة بالرئيس عمر البشير وتولي مجلس عسكري وتم الاتفاق بينه وبين المعارضة على مدة انتقالية تصل إلى تشكيل حكومة جديدة ولكن منذ ذلك الحين لم يستقر السودان بعد بل دخل في دائرة من الصراع لم تهدأ بعد.
وقد أعلن الفريق أول عبد الفتاح البرهان، قائد الجيش السوداني، تشكيل مجلس سيادة انتقاليا جديدًا.
وفي أول تصريح له عقب تشكيله مجلس السيادة الجديد أوضح” أنه يعمل على حماية الثورة تحقيق الانتقال الديمقراطي”، مضيفًا أهمية الوصول إلى انتخابات حرة ونزيهة”.
ولكن هذا لم يضمن الاستقرار للسودان فلا يزال يعاني احتجاحات مستمرة حيث مؤخرًا قامت المظاهرات حتجاجًا على الحكم العسكري.
القوى السياسية المتصدرة المشهد السياسي السوداني
يتسم المشهد السياسي السوداني بالنمط الحزبي منذ حكم الرئيس عمر البشير حيث الانتقال من حزب إلى آخر وتشكيل حزب من فترة إلى أخرى وبعد الاحتجاجات في ربيع 2019 ظهرت على الساحة السياسية السودانية عدة حركات جديدة ترغب في اللعب بالمشهد السياسي وهى كالتالي:
1- حزب المؤتمر السوداني.
2- «نداء السودان» وهو تحالف من الأحزاب السياسية والحركات المسلحة، ضم حزب الأمة مع الحركات المسلحة في دارفور النيل الأزرق وجنوب كردفان، ولقد كونت هذه الأحزاب ميثاق «الحرية والتغيير»، الذي ضم 89 حركة وحزباً سياسياً ومنظمات مجتمع مدني. وقع جميعهم على ميثاق «الحرية والتغيير»، الذي أطلق المفاوضات ضد الرئيس البشير.
وعلاوة على ذلك فإن مؤخرًا ظهر الاحتدام بين الفريق البرهان و رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك حيث أقال الفريق أول البرهان ر ئيس الوزراء من منصبه ووضعه تحت الإقامة الجبرية وكان رئيس الوزراء قد قال في تصريح سابق : “أن استقرار بلاده ووحدتها في خطر، ودعا إلى “التوافق على ميثاق سياسي” لحماية مستقبل السودان.
اتفاق توفمبر 2021
تم الاتفاق بين الفريق أول البرهان ورئيس الوزراء حمدوك في نوفمبر من العام 2021 والذي بموجبع عاد رئيس الوزراء إلى منصبه وذلك حتى إجراء انتخابات نزيهة في يوليو عام 2023، ورغم ذلك لا تزال الشكوك تحيط بهذا الاتفاق وما يضمن نتائج عته تؤكد الاستقرار للسودان وهذا الاتفاق أثار العديد من ردود الفعل المتباينة حيث:
على المستوى الداخلي:
1- الفريق الأول يرفض الاتفاق بشكل كامل ويمثل هذا الفريق قوى الحرية والتغيير، وخاصة أحزاب المؤتمر السوداني والتجمّع الاتحادي وحزب البعث العربي الأصل؛ وهي قوى كانت مشاركة في حكومة حمدوك المقالة، إلى جانب تجمع المهنيين بجناحيه. وطالبت هذه المجموعة بمحاكمة من قاموا بالانقلاب.
2- الفريق الثاني ويمثلها حزب الامة القومي ويعتبر هذا الفريق ذو انقسامات داخلية أيضًا حيث هناك من يؤيد وهناك من يعارض وعلى رأس المعارضين رئيسة الحزب وفي الوقت ذاته وزيرة الخارجية في حكومة حمدوك وهى مريم الصادق المهدي مطالبةً بـ” : محاسبة الذين شاركوا في ترتيب الاتفاق”.
3- فريق مؤيد للاتفاق ويمثله الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا للسودان وسبب التأييد يعود إلى أن الاتفاق أكد على تنفيذ اتفاقية جوبا علاوة على ذلك ضمان حصص هذه الحركات في مجلس الوزراء وأيضًا مجلس القيادة الانتفالي.
ومن القوى المؤيدة أيضًا للاتفاق الحزب الوطني الاتحادي الذي يرأسه يوسف محمد زين؛ والحزب الناصري (تيار العدالة الاجتماعية ) ، و الذي يرأسه ساطع الحاج، وحركة حق برئاسة أحمد شاكر.
وعلى جانب ردود الأفعال الشعبية فإنه قد قامت احتجاجات في الشارع السوادني من جانب العديد من المواطنين على الاتفاق بين الفريق أول البرهان و رئيس الوزراء حمدوك الذي صرّح بـ ” الاتفاق مع الجيش من أجل إيقاف إراقة دماء السودانيين و أن السلطات السودانية ملتزمة “بالديمقراطية وحرية التعبير”.
وأيضًا رفضت حركة تحرير السودان، بقيادة عبد الواحد محمد نور الاتفاق، ووصفت الاتفاق في بيانها بإنه بدايةللانقلاب، فضلًا عن ذلك نددت الحركة الشعبية لتحرير السودان التي يقودها عبد العزيز الحلو بالإعلان السياسي، واعتبرته استمرارا لهيمنة الجيش على السلطة.
على المستوى الخارجي
جاءت أغلب ردود الأفعال الدولية والعربية مرحبة بالاتفاق معتبرة إياه خطوة نحو مزيد من الاستقرار للسودان ويتم رصد ردود الأفعال في التالي :
الردود العربية
وبرزت بقوة في موقف مصر والتي امتنعت عن إبداء موقف علني من انقلاب 25 أكتوبر. لكنها أعربت عن ترحيبها باالاتفاق والدليل على ذلك فوفقًا لنشرة “أفريكا انتلجنس”، فقد شكلت المخابرات المصرية غرفة عمليات لمتابعة تطورات الأوضاع في السودان، بعد الانقلاب، وأرسلت فريقًا إلى الخرطوم للتوسط بين الطرفين والتأكد من أن أي اتفاق سيكون لصالح العسكريين، ومن جانب آخر فعلى المستوى الخليجي فإنه قد رحبت المملكة العربية السعودية وقطر بالاتفاق. كما رحبت جامعة الدول العربية أيضًا بالاتفاق .
الردود الغربية
رحبت الولايات المتحدة الأميركية، والتي أعرب وزير خارجيتها أنتوني بلينكين في تصريح له على توتير عن تفاؤل بعد الإعلان عن الاتفاق، محذرًا من استخدام “القوة المفرطة لقمع الاحتجاجات”، موضحًا “الترحيب بالتقارير التي تفيد بأن المحادثات في الخرطوم ستؤدي إلى إطلاق سراح جميع السجناء السياسيين، وعودة رئيس الوزراء حمدوك لمنصبه، ورفع حالة الطوارئ، واستئناف التنسيق”، مسردًا ” “أكرر أيضا دعوتنا لقوات الأمن بالامتناع عن استخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين السلميين”
ومن الدول الغربية التي رحبت أيضًا بريطانيا، والنرويج، علاوة على الاتحاد الأوروبي، وبعثة الأمم المتحدة في السودان (يونيتامس) بالاتفاق معتبرة كونه بداية يمكن أن يلم السودان انشقاقاته عن طريقها .
وبناء على ذلك الاتفاق عاد رئيس الوزراء المقال حمدوك إلى منصبه مصرحًا بأن “: الحفاظ على المكاسب الاقتصادية التي تحققت خلال العامين السالفين كانت من الأسباب التي دفعته للعودة إلى منصبة”، مؤكدًا بأن “الحكومة التي سيقودوها ستتيح له فرصة لتحسين مستوى المعيشة”، مضيفًا “بأنه على تواصل مع المؤسسات المالية والعمل على وضع الموازنة الجديدة والتي ستبدأ في يناير عام 2022 ، مشيرًا إلى ” الحكومة ستعمل على استكمال اتفاق السلام الذي وُقِع مع بعض الجماعات المتمردة العام الماضي لإنهاء سنوات من الصراع الداخلي. وأضاف “ملتزمون بالمسار الديمقراطي وحرية التعبير والتظاهر السلمي والانفتاح على العالم”.
جوانب أخرى
الوضع الذي يعاني منه السودان ليس يحيط به جوانب أخرى تزيد من الوضع سوء حيث الفقر الشديد الذي يعانيه الشعب السوداني وارتفاع في أسعار السلع الأساسية كرغيف العيش والوقود والسلع الأساسية الأخرى كما كان الحد الأدنى الشهري لمستوى المعيشة في السودان سابقاً 1000 جنيه في الأحوال العادية، لكن ارتفع هذا الرقم إلى ثلاثة أضعاف بعد موجة ارتفاع الأسعار الأخيرة، ما أدى إلى خروج العديد من الشباب في مظاهرات في الخرطوم ومدن أخرى مثل عطبرة وأم درمان وغيرها، علاوة على هذه الأزمات الاقتصادية فإن السودان يعاني من مشكلات في الأمن المائي والغذائي.
وضع حقوق المرأة في احتجاجات السودان
تزداد علامات الاستفهام حول حالة حقوق الإنسان في السودان حيث أن الاحتجاجات التي قام بها الأفراد تعرضت لمحاولات وقف من قوات الشرطة ولكن الأكثر أهمية في هذا الأمر هو أن المرأة السودانية هى أكثر المتضررين من قوات الأمن.
حيث أشارت العديد من التقارير و الأخبار المنشورة مؤخرًا يتعرض العديد من الفتيات والسيدات لعمليات اغتصاب ممنهجة من قوات الأمن وهو ما دفع العديد من الجماعات النسائية إلى الدعوة إلى التظاهر احتجاجًا على تقارير اغتصاب السيدات أثناء خروجهن للتنديد بالحكم العسكري، وفيما يلي تصريحات لعدد من القيادات النسائية حول ذلك كالتالي:
1- قالت مديرة وحدة مكافحة العنف ضد المرأة في السودان أن: ” الهيئة وثقت تعرُّض 8 فتيات للاغتصاب من قِبل قوات الأمن أثناء مشاركتهن في مظاهرات خرجت للمطالبة بالحكم المدني ورفض الانقلاب العسكري.”
2- أوضحت في السياق ذاته مديرة الوحدة، التابعة لوزارة التنمية الاجتماعية، سليمى الخليفة بـ: ” أن عمليات اغتصاب ممنهجة وقعت في محيط القصر الجمهوري في العاصمة السودانية ، بينما كانت قوات الأمن تعمل على تفريق المحتجّين” ، مؤكدة “أن إحدى المتعرضات للاغتصاب قد تقدت ببلاغ أمنى إثر ذلك في حين أنه امتنعت الكثير من الفتيات”.
3- أشارت المتحدثة باسم مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ليز ثروسيل إلى “تقارير بتعرّض فتيات لتحرّش أثناء فرارهن من محيط القصر الرئاسي في الخرطوم، وأن المكتب تلقى 13 ادعاء اغتصاب واغتصاب جماعي بالإضافة إلى تقارير عن تحرّش قوات الأمن جنسيا بنساء خلال محاولتهن الفرار”، مضيفة: ” المكتب يحث على إجراء تحقيق سريع ومستقل وشامل في ادعاءات الاغتصاب والتحرش الجنسي، وكذلك ادعاءات وفاة وإصابة المتظاهرين”.
خلاصة القول
وتعكس التطورات السياسية المضطربة التي يشهدها السودان حالة من الاستقطاب الشديد الذي يعانيه السودان والاحتجاجات بين الحين والآخر حيث أن اتفاق نوفمبر 2021 بدلًا من أن يؤدي إلى حل الأزمة التي بدأت بانقلاب الجيش على الحكومة وإقالة رئيسها، أنتج أزمات جديدة وفي الوقت نفسه، لا ينهي الاتفاق المخاوف المثارة حول رغبة العسكريين في الاحتفاظ بالسلطة وانتظار فرصة مناسبة جديدة للتخلص من الشريك المدني.
ويأتي ذلك في ظل انتهاكات لحقوق المرأة التي خرجت في التظاهرات ومعاناة السودان من أزمات اقتصادية أخرى تزيد الوضع سوءً، وبالتالي لم يكن هناك أي مؤشرات تؤكد أن عام 2023 الذي ستكون فيه حكومة جديدة للسودان هو عام استقرار ولا أيضًا الفترة الانتقالية ستكون هادئة أو مستقرة نسبيًا.