لبنان.. متى يخرج من “دائرة” الأزمات المتتالية؟
دخل لبنان في موجة من الأزمات المتتالية التي لم تنتهِ بعد، وهي أزمات على كافة المستويات داخلية وخارجية سياسية واقتصادية واجتماعية وصحية، ومؤخرًا أعلنت (مؤسسة كهرباء لبنان ) أن محطة التحويل الرئيسية في منطقة “عرمون” بمحافظة جبل لبنان تعرضت لاقتحام من قبل عدد من المحتجين وقاموا بالعبث بها مما أدى إلى حدوث إضطربات على الشبكة الكهربائية وبالتالي أثّر سلبًا عليها مما تسبب بفصل جميع معامل إنتاج الطاقة وانقطاع التيار الكهربائي بشكل عام عن كامل جميع لبنان، وفي هذا السياق يناقش التقرير جوانب الأزمة اللبنانية وانقطاع الكهرباء بشكل كامل كالتالي:
لبنان تحت قبضة الظلام
ليست المرة الأولى التي ينقطع فيها التيار الكهربائي عن لبنان، فقد حدث أزمة انقطاع بشكل كامل عن الأراضي اللبنانية كافة في أكتوبر 2021 بسبب نقص الوقود، كما أن لبنان يعاني على المستوى اليومي من انقطاعات كثيرة للتيار الكهربائي والتي تستمر في كثير من الأحيان إلى ما يقرب من 20 ساعة في اليوم؛ وسبب تكرار الانقطاع هذا يعود إلى أزمة مالية تمنع استيراد سلع رئيسية من بينها الفيول الضروري لتشغيل محطات الكهرباء.
وفي هذا السياق حدث في الساعات الأخيرة انقطاع الكهرباء بشكل كامل عن الأراضي اللبنانية، وعلى هذا الضوء صرّحت مؤسسة كهرباء لبنان في بيان توضيحي لها بهذا الشأن بأن “متظاهرين غاضبين من انقطاع الكهرباء اقتحموا محطة التحويل الرئيسية في عرمون شمال بيروت، وقاموا بقطع محول الربط 150-220 كيلوفولت، وفتح قواطع ربط معمل الزهراني بمحطة عرمون”.
مضيفة في هذا السياق: “تسبب ذلك بفصل جميع معامل إنتاج الطاقة التي كانت متوفرة عنها وصولا للانقطاع العام للتيار الكهربائي عن كامل الأراضي اللبنانية عند الساعة 17,27 (15,27 ت غ)”.
و”هذا سيفاقم الضغط على المولدات الخاصة التي تواجه عبء توفير الكهرباء في غياب شبه كامل للشبكة الحكومية”.
وفي السياق ذاته ناشدت المؤسسة : “جميع السلطات والقوى الأمنية ضرورة حماية جميع منشآت المؤسسة من أي اعتداءات أخرى واستعادة السيطرة على محطات التحويل الخارجة عن سيطرتها لا سيما محطة عرمون الرئيسية”، مشيرة إلى أنه “ليس بالإمكان إعادة بناء الشبكة الكهربائية في حال لم تتم استعادة السيطرة على هذه المحطة كونها محطة الربط الأساسية بين معمل الزهراني وباقي الشبكة الكهربائية، لما في ذلك من ضرر على سلامة الإستثمار والمصلحة العامة”.
ضغوطات مركبة
في ظل الأزمة المالية التي يعانيها لبنان وارتفاع معدل الفقر وانهيار الليرة اللبنانية، تزداد الضغوطات بشكل أكبر على المواطنين حيث رفع أصحاب المولدات الخاصة أسعارهم وقاموا بترشيد الإمدادات في الأشهر الماضية، وازدادت الأسعار أكثر بعد قرار الحكومة رفع الدعم تدريجيا عن الوقود.
وعلى هذا النحو طالب المجتمع الدولي: ” بإصلاح شامل لقطاع الكهرباء المتهالك والذي كبّد الحكومة ديونا تتجاوز 40 مليار دولار منذ نهاية الحرب الأهلية في لبنان التي استمرت بين 1975 و1990″.
وفي الوقت الذي خرج فيه محتجون على تكرار انقطاع الكهرباء كان في ذات الوقت مظاهرات للاعتراض على “إلزامية اللقاح”، بعدما أوصت اللجنة الوزارية لمتابعة التدابير والإجراءات الوقائية لفيروس كورونا بفرض التطعيم بجرعتين من اللقاحات المعتمدة؛ ونتيجة لهذا القرار تظاهر مئات العمال اللبنانيين، في العاصمة بيروت؛ وقال رئيس الاتحاد العام لنقابات العمال مارون الخولي: ” إن قرار الحكومة بإلزامية التلقيح للعاملين في القطاع العام وفي القطاعات الأخرى يشكل انتهاكا صارخا للدستور اللبناني ولكافة الشرائع الدولية”.
معتبرًا :”من المعيب على الحكومة اللبنانية تقييد الحرية الإنسانية للعاملين في قطاعاتها بلقمة العيش”، مضيفًا: “قرار اللجنة بإلزامية التلقيح ساقط لا أساس قانوني له ولا مبرر صحي وهو قرار غاصب لحقوق اللبنانيين الرافضين لأخذ اللقاح”.
واتصالًا بهذا الأمر يعاني الشعب اللبناني من فقر شديد على مدار الأشهر الماضية السابقة لدرجة أن رغيف الخبر أصبح صعب المنال للفقراء، علاوة على ذلك أن السلع الغذائية الأساسية أصبحت غير متوفرة للأفراد.
ويعاني الشعب اللبناني أيضًا من مشكلة أمنية حيث الاضطراب السياسي والاقتصادي الحادث أدى إلى انفلات أمنى حيث انتشار معدل الجرائم والسرقات هذا على مستوى الأفراد وتستمر المخاوف الأمنية على مستوى السلطة حيث انتشار معدلات الجرائم السياسية وتنفيذ الأجندات السياسية، كما ان الأجهزة الأمنية اللبنانية باتت غير قادرة على القيام بمهامها في حفظ الأمن والسلم العام في البلاد.
جوانب أخرى
يرتبط بانقطاع الكهرباء جوانب أخرى في لبنان ففي ظل وباء كورونا والاعتماد على الرقمنة في مختلف الأنشطة الحياتية كالتعليم والعمل، هنا يجد الشعب اللبناني معضلة لاستكمال أنشطته فرُغم من أن دول العالم اتجهت إلى التخفيف من قرارات الإغلاق إلا أن هذا لم يغني عن الاعتماد على التعليم عن بعض واستمرار بعض الوظائف للعمل عن بعد محاولة لخفض معدل الإصابات.
وإذا تم تطبيق هذا الأمر على الشعب اللبناني سيكون في أزمة استمرار التعليم عن بعد والعمل عن بعد؛ لأن انقطاع الكهرباء أبرز المعوقات لاستمرار سياسيات التعلم عن بعد، والذي ينتج عنه توقف لشبكة الإنترنت، وإلى جانب ذلك فهناك الكثير من أفراد الشعب اللبناني لا يستطيعون الحصول على حقوقهم في التعليم عن بعد؛ نظرًا لتكلفته العالية عليهم.
وبالإضافة إلى ذلك تظهر قضية أخرى في خصوص حصول الطلاب على حقوقهم وهى ظاهرة التفاوت الطبقي في قطاع التعليم اللبناني؛ وهو متعلق بأن ثمة طلاب قادرون على الحصول على الأدوات التكنولوجية ومستلزمات التعليم عن بعد وطلاب آخرين لا يستطيعون توفير الحد الأدنى من احتياجاتهم الأساسية.
البحث عن حلول
تحاول الحكومة اللبنانية حل أزمة الكهرباء منذ فترة حيث خلال زيارة رئيس وزراء لبنان نجيب ميقاتي إلى مصر في ديسمبر 2021، طلب دعمًا عاجلًا من مصر من الغاز الطبيعي لتوليد محطات الكهرباء في لبنان، وعلى الجانب الآخر تم توقع اتفاق بين وزراء الكهرباء الأردني والسوري واللبناني لتزويد لبنان بالكهرباء الأردنية عبر الأراضي السورية بعد إجراء أعمال الصيانة والتأهيل اللازمة.
وفي هذا السياق تجدر الإشار إلى أن مشروع الربط الكهربائي الأردني السوري قد بدأ عام 2001، لكنه توقف عام 2012 لأسباب فنية نتيجة أعمال التدمير والتخريب التي لحقت بخط الربط داخل الأراضي السورية، وهنا يظهر عدة جوانب هى:
- بالنسبة إلى الفائدة فهى كالتالي فبالنسبة للأردن سيبيع هذه الكميات وبالتالي سيحقق فائدة مالية، أما بالنسبة للشبكة السورية فهناك عدة إيجابيات أهمها استقرار المنظومة الكهربائية، حيث أن الاعتداءات على الشبكة السورية ونقص التوليد بسبب نقص الغاز والفيول أدى إلى إضعاف المنظومة الكهربائية.
- يتم الربط الكهربائي تكبر الشبكة وتكون المنظومة الكهربائية قادرة على تحمل الأعطال الطارئة، ومن جانب آخر ستكون قيادة قياس التردد أسهل كون الشبكة المصرية هي التي ستقود التردد، ونتيجة لكبر هذه الشبكة بالإضافة للشبكة الأردنية والسورية ستصبح المنظومة الكهربائية قوية.
رُغم مساع الحكومة اللبنانية لإيجاد حلول لأزمة الكهرباء بشكل خاص إلا أن الأزمة لا تزال مستمرة فالخطوات التي اتخذها رئيس وزاء لبنان في نهاية عام 2021 لم تجد شيئًا وعاودت الكهرباء في الانقطاع لأن أزمة لبنان ليست فقط أزمة اقتصادية تستطيع الدول مساعدتها بل أزمة لبنان في الفساد السياسي والاقتصادي المنتشر في كافة أنحاء البلاد.
خلاصة القول إن أزمة انقطاع الكهرباء بشكل كامل في لبنان ليس حدثًا أول من نوعه ولكنه تكرر قبل ذلك، وذلك الأمر لم يُحل بعد إذا ظلت لبنان تعاني من أزمات سياسية واقتصادية متتالية، فاللبنانيون منهكون من المعاناة الاقتصادية والفقر الشديد وعدم توافر الاحتياجات الأساسية ، وستنتهي أزمات لبنان في حال إذا انتهت الخلافات السياسية القائمة ونمط عمل كل فريق سياسي لمصلحته الشخصية وتحقيق أهدفه الخاصة، فعلى سنوات طويلة لم يلفت المكون السياسي اللبناني إلى أنه سبب ما وصل به المجتمع اللبناني فالفساد والمصالح الشخصية متأصلة الجذور في الدولة اللبنانية التي تطلب المساعدات والاستغاثة من الدول المجاورة لتستطيع توفير أقل الحقوق وتأمين أدنى مستويات الميعشية على الأقل للأفراد، وذلك في ظل الأزمة الأخيرة مع دول الخليج.