ماذا يخبئ العام الجديد للسلطة الفلسطينية؟
مازال الشارع السياسي الفلسطيني متخبطا جراء الانقسام الواقع بين السلطة الفلسطينية بالضفة وقطاع غزة، رغم بوادر المصالحة الشاملة التي بدأت تظهر للعلن بداية العام الجديد بعد إطلاق الرئيس الفلسطيني محمود عباس باعتباره الشخصية الاعتبارية التي تحظى بتوافق داخلي وخارجي مبادرة لإنهاء الشرخ الفلسطيني وتوحيد الصف لمواجهة التحديات.
وكان الرئيس الفلسطيني محمود عباس تحدث عن المصالحة الفلسطينية، في لقائه بعددٍ من الإعلاميين نهاية شهر أغسطس الماضي، مشيرًا إلى أنّ “المصالحة متوقّفةٌ”، قبل أن يتابع “أجرينا مباحثاتٍ كثيرةً في عددٍ من العواصم العربية وغير العربية”، مشددا على “ضرورة اعتراف حركة حماس بالشرعية الدولية، وإذا اعترفت بتلك الشرعية، نستطيع تشكيل حكومة وحدةٍ وطنيةٍ فورًا”.
على المستوى السياسي لازال الرئيس أبو مازن الشخصية الفلسطينية الأبرز محليا باعتباره شخصية جامعة تحظى باعتراف دولي واحترام داخل الأوساط الفلسطينية لاسيما في ظل إصراره على ضرورة إنهاء الانقسام وتوحيد الصف الفلسطيني رغم التحديات التي يفرضها رفض حماس الاحتكام للشرعية الدولية.
ويبدو أن الدعم الكبير الذي تلقاه رام الله من جيرانها وبخاصة من القيادة في مصر والأردن الى جانب الموقف الأمريكي الإيجابي بعد رحيل ترامب والذي بدا جليا مع قرار إدارة بايدن إعادة فتح قنصليتها في القدس الشرقية المحتلة قد دفع الرئيس عباس الى توجيه تعليماته لحكومة د.محمد أشتية لتركيز العمل على بناء منوال تنموي حقيقي ومواصلة دعم الاقتصاد الوطني كخطوة أولى تسبق إعلان الدولة الفلسطينية المنتظرة .
وهنا بدأ الملفّ الاقتصاديّ يستعيد زخمه في السنوات الأخيرة دون سكوت الرئيس الفلسطيني عن مقتضيات القضيّة الفلسطينيّة، حيث طرح هذا الأخير القضيّة على جدول الأعمال الدولي عبر تحركاته الدبلوماسية المكثفة وآخرها زيارته إلى روسيا والجزائر وتونس.
والى جانب التحديات الاعتيادية تجد السلطة الفلسطينية نفسها أمام معارك اقتصاديّة مضاعفة لتعويض الخسائر الكبرى التي تتسبب فيها المواجهات المتكررة بين حماس والاحتلال الى جانب سعي عدد من الأطراف لضرب أمن واستقرار الضفة.
وفي ظلّ هذا الوضع المعقّد، يبدو الشعب الفلسطيني أكثر بساطة في تقديره للأمور، فمع كلّ موجة تصعيد جديدة، يعبّر الفلسطينيّون عن دعمهم اللامشروط للمقاومة ويتمسّكون بالقضيّة التي يؤمنون بها، دون الدّفع في اتجاه التضحية بالمكتسبات التي تمكّنت السلطة الفلسطينيّة من مراكمتها على مدى سنوات، وعلى رأسها المنجزات الاقتصاديّة.
وتُساند الأجهزة الأمنية الفلسطينيّة هذا الخيار الوطنيّ القائم على المقاومة الشعبية السلمية بهدف حفظ الأمن والاستقرار في الضفة الغربيّة فالمقاومة الشعبية السلمية ليست مفهوما سلبيا كما يروج لذلك البعض، فمعطيات الواقع هي ما تحدد شكل المقاومة المطلوب تبنيها من منظمة التحرير الفلسطينية.
فيما تعمل البعثات الدبلوماسيّة لرام الله في الخارج للتسويق للضفة الغربيّة كمنطقة آمنة ومشجّعة للاستثمار، وهو ما سيساهم بشكل مباشر في تدفّق أموال الاستثمارات الخارجية إلى الخزينة الفلسطينيّة ما يجعل الاستقرار السياسيّ الأمني من أهمّ مقوّمات الاستقرار الاقتصاديّ.
خلاصة القول أمور كثيرة وتحديات أكثر أمام السلطة الفلسطينية بالعام الجديد في ظل تغيرات إقليمية عنيفة حدثت بالأعوام الأخيرة، بالتزامن مع إضطرابات في أغلب بقاع منطقة الشرق الأوسط، وكلها ملفات تنعكس بشكل أو بأخر على الداخل الفلسطيني، ويسعى الرئيس أبومازن بشتى الطرق للوصول بالسفينة الفلسطينية الى بر الأمان في ظل عراقيل داخلية صارت معروفة ومعتادة من الخصوم، كي يطرح المشهد سؤالا واضحا، هل سينجز أبومازن بالعام الجديد ما سعى له طوال الفترة الماضية؟