مصطفى النعيمي يكتب : هل ستتمكن روسيا من استثمار متغيرات السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط؟
قال وزير الخارجية الروسي “سيرغي لافروف” بأن روسيا تسعى إلى عقد مؤتمر تصالحي “إيراني – عربي” والذي سيشمل ضمن أجندته ملفي اليمن وبرنامج طهران الصاروخي.
من يتابع هذا العنوان العريض يرى بأن السياسة الأمريكية في تحويل إدارة ملفات الشرق الأوسط من محور الولايات المتحدة إلى المحور الروسي يدرك تماما بأن هنالك تخادم مصالح كبير تم تمريره بعناية فائقة والغاية منه فرض الهيمنة الروسية على المنطقة العربية وذلك من خلال الأولويات الروسية والمتمثل بتسوية النزاع اليمني بالحضور الإيراني وهذا بحد ذاته يعطي دفعة نوعية لميليشيا أنصار الله الحوثية ويضخ الدماء فيها مجددا عبر مسارين.
المسار السياسي:
وذلك من خلال مطالبة مجلس الأمن الدولي للضغط على قوات التحالف العربي لوقف العمليات العسكرية تجاه الحوثيين ويكون بمثابة بوابة جديدة لعودة مباحثات استكهولم بين قوات الشرعية اليمنية والمتمثلة بحكومة “عبدربه منصور هادي” وميليشيا الحوثيين ويتيح مشاركة إيران في تلك المباحثات ضمن الإستراتيجية الإيرانية المبنية على مباحثات أستانا في الملف السوري والذي بموجبه حوصرت فصائل المعارضة السورية واستعادة مناطق خفض التصعيد الثلاث إلى نظام الأسد ومن ثم تحولت إلى مناطق أشبه ما تكون بالمشاع لممارسة كل أشكال التغول والجريمة الممنهجة بحق أبناء الشعب السوري وهذا ما لا تقبله الحكومة الشرعية بشكل مطلق نظرا لخبرتها العميقة في تبعات القبول بالعودة إلى المسار السياسي مجددا بعد الانتهاكات الممارسة من قبل ميليشيا أنصار الله الحوثية ضد أبناء الشعب اليمني.
المسار العسكري:
تمثل المسار العسكري في تحرير محافظة شبوة من ميليشيا الحوثي وذلك من خلال مشاركة قوات الجيش الوطني اليمني ومقاتلي القبائل إضافة إلى قوات العمالقة وبدعم وإسناد جوي كبير لقوات التحالف العربي والذي تمثل نقطة ارتكاز جديدة أتاحت من خلالها التفكير جديا بالعمل على تحرير مدينة مأرب بشكل كامل من سيطرة الحوثي إضافة التفكير مليا بضرورة استعادة العاصمة اليمنية صنعاء وهذا التقدم المستمر من خلال توحد القيادات العسكرية انعكس إيجابا على الروح المعنوية لدى المقاتلين في صفوف قوات الشرعية إضافة إلى الزخم البحري اللوجستي المقدم من قبل الولايات المتحدة والمتمثل بضبط شحنات أسلحة إيرانية تهرب من إيران إلى الميلشيا كذلك التقرير السري الذي كشفت عنه الأمم المتحدة والذي بموجبه تم تحديد الميناء الذي يتم نقل الأسلحة المهربة إلى الحوثيين.
دعم سياسي وعسكري روسي لإيران وأذرعها في المنطقة العربية
قال وزير الخارجية الروسي في إحدى المؤتمرات الصحفية ردا على سؤال من مراسل قناة روسيا اليوم حول نتائج الأعمال الدبلوماسية الروسية في عام 2021، وعن معارضة موسكو لمحاولات الغرب فرض شروط جديدة ملزمة لطهران لاستئناف الاتفاق النووي والتي تشمل فرض قيوداً على برنامج طهران الصاروخي والمسيرات.
وتابع الوزير “عارضنا هذا بشدة، ولو ساد هذا النهج فإن ذلك لم يكن عادلا، لأن الحديث دار عن الاستئناف الكامل لخطة العمل الشاملة المشتركة التي صادق عليها مجلس الأمن الدولي بنسختها الأصلية بعد انسحاب إدارة (الرئيس الأمريكي السابق دونالد) ترامب منها”.
ونبه لافروف على أن القوى الدولية تمكنت من الاتفاق على اتباع هذا النهج الذي تدعمه روسيا “أما بخصوص البرنامج الصاروخي والسلوك في المنطقة، فيقضي موقفنا بأن هناك الكثير من الشكاوى لدى جميع دول المنطقة وخارجها إزاء بعضها البعض” في إشارة واضحة بأن هنالك دول لها مصالحها خارج حدودها ولديها قدرات على التأثير في المتغيرات الدولية لا سيما في الأحداث السورية والليبية وجيبوتي واليمن.
لكن هل لدى روسيا القدرة والرغبة على أن تكون البديل الحقيقي الذي يحفظ التوازنات الدولية ويحقق تأمين خطوط الملاحة البحرية في ظل تراخي الموقف الأمريكي كلها أسئلة ملحة تدعي موسكو بأن لديها الإمكانات لتحقيق الأمن الجماعي في منطقة الخليج العربي ودفع إيران مجددا إلى متابعة مباحثاتها النووية في مسار فيينا وفقا للتصور الروسي المرفوض عربيا.
وأنا أرى أن ترك الساحة العربية شبه فارغة من قبل الولايات المتحدة منح الصلاحيات بشكل غير مباشر للجانب الروسي بالتمدد في المنطقة العربية لا سيما عبر البوابة السورية وباتت تشكل للقيادة الروسية الركيزة الأولى تجاه الانطلاق إلى المنطقة العربية، لكن ما يعيق روسيا عدم قدرتها على مسك الأرض التي تسيطر عليها لذلك نرى تخادم المصالح يظهر جليا من خلال التواجد البري الكبير للميليشيات الإيرانية والتابعة لها في المناطق التي تمت استعادتها في سوريا بموجب تسويات ضمن مناطق خفض التصعيد الثلاث وهذا المتغير لم يوجه من قبل الولايات المتحدة سوى بالشجب الاستنكار الإعلامي في حين المتغيرات العسكرية والانحسار الدراماتيكي لفصائل المعارضة السورية بات واضحا إضافة إلى نقل بعض المقاتلين إلى مناطق تواجد نقاط تمركز للولايات المتحدة في قاعدة التنف.
إضافة إلى أن الولايات المتحدة سحبت منظومات دفاعها الجوية “باتريويت” من المملكة العربية السعودية والكويت والأردن منذ مطلع 2021 إضافة إلى سحب منظومة الدفاع الجوي “ثاد” من السعودية، هذه المتغيرات ألقت بظلالها على تنامي الدور الإيراني على حساب المنطقة العربية وذلك عبر استغلال البوابة الروسية.
وتمثلت المتغيرات الأمريكية من خلال إعادة ترتيب الأولويات في القرارات المتخذة من قبل الإدارة الأمريكية الجديدة في عهد الرئيس “جو بايدن” حيث حصلت أول استدارة من خلال ترك الشرق الأوسط بشكل مبدئي وتسليمه ضمنيا إلى الإدارة الروسية مقابل عدم تصعيد حلف الناتو ووقف الاستفزازات في جزيرة القرم بأوكرانيا ويقابلها عدم مشاركة روسيا في أي مظاهر الدعم للصين وهذا ما وافقت عليه روسيا أيضا ضمن ترتيب أولويات الإنتشار العسكري خارج أراضيها مقابل الضمانات التي حصلت عليها في عدم التصعيد مجددا من قبل الولايات المتحدة، لكن المنطقة العربية التي بات المشهد فيها أشد تعقيد في ظل محاولة الدول العربية البحث عن البدائل في ظل الاستدارة الأمريكية بات ملحا لكنه يخضع للضابط الروسي وجل الهواجس العربية تنامي الدور الإيراني وتفعيل مزيدا من الأزمات والمشاركة بشكل أكبر في تغذية الصراعات البينية العربية والتي تستثمر من قبل طهران في إعادة فرض قواعد اشتباك دولية جدية لكن التنقل العربي في ملف التسليح ما بين المعسكرين الغربي والشرقي سيكون له تبعات كبيرة ومن يقرأ التأريخ يدرك تماما ما حصل في العراق أبان حكم الرئيس العراقي الراحل “صدام حسين” والثمن الباهظ الذي دفعه نتيجة لتعدد مصادر التسليح وانعكاسه على مصير العراق والتبعات التي مازال يدفع ثمنها حتى هذه اللحظة.