” اليمن السعيد”.. إحكام سيطرة و سيناريوهات مستقبل الصراع
يشهد اليمن تصعيدات في الصراع وسط تقدم لقوات التحالف والذي أعلن منذ أيام إطلاق عملية “حرية اليمن السعيد” ضد جماعة الحوثيين المدعومة من إيران لتحرير مدينة شبوة.
وقال المتحدث باسم التحالف العربي، العميد تركي المالكي،: ” إن هذه العملية تقض مضاجع الحوثي وقبله إيران، ليست عسكرية بالمصطلح العسكري، أي الحرب، بل لنقل اليمن للنماء والازدهار، لأن الشعب اليمني يستحق الحياة ولديه مقومات لم تستغل، كما أن العملية تدعم إدخال اليمن للمصفوفة الخليجية”.
وفي هذا السياق أعلنت قوات التحالف التقدم في المناطق الصحراوية بمحافظة مأرب بعد السيطرة على محافظة شبوة بأكملها وقد أوضح لواء العمالقة اليمني المدعوم من الإمارات أن السيطرة الكاملة على المحافظة تحققت بعد 10 أيام من القتال.
فيما أعلن في هذا السياق الجيش اليمن السيطرة على حريب بمأرب؛ وقد حذر التحالف في بيان المدنيين بعدم استخدام الطرق القادمة من مأرب والبيضاء إلى حريب وعين وبيحان وعسيلان، مطالبًا اليمنيين بعدم التواجد بالقرب من المناطق المشار إليها حفاظًا على سلامتهم؛ ومن هذا المنطلق يناقش التقرير آخر التطورات في اليمن وما يرتبط بذلك من مستقبل لليمن في ظل تلك الصراعات، كالآتي:
المتحدث باسم قوات التحالف العربي
لماذا شبوة ومأرب؟
يعد الاستيلاء على مدينة شبوة نقطة فاصلة للتحالف العربي كونها منطقة غنية جدا بالنفط وإمدادت الطاقة كما أن استردادها يعد قصفًا في واحدة من أهم المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، والسيطرة عليها طريق ممهد لاستعادة أجزاء كبيرة من محافظة مأرب المجاورة التي تعد هى الأخرى كنزًا اقتصاديًا كبيرًا.
كما أن شبوة تحتل أهمية ةخاصة بسبب كونها ثالث أكبر محافظة من حيث المساحة في اليمن وهة علاوة على ذلك محافظة مهمة بالنسبة إلى الجنوب بسبب موقعها الجغرافي وسط واليمن وبالتالي السيطرة على شبوة خطوة مهمة لقوات التحالف العربي، ولهذا السبب هى محل صراع رئيسي، وبالتطرق إلى الجوانب الاقتصادية لهذه المدينة فإن شبوة تشتمل على الكثير من الحقول والمنشآت النفطية إضافة على احتوائها ميناءين استراتيجيين لتصدير النفط والغاز.
وتحد شبوة مأرب من الغرب محافظة البيضاء ولذلك تسمى قلب الجغرافيا اليمنية، وفي الوقت نفسه لا تقل مدينة مأرب أهمية عن مدينة شبوة فمأرب تعتبر منطلقًا نحو مناطق الجنوب والشمال على حد سواء، كما أنها لديها وفرة كبيرة في الموارد الاقتصادية ومن ثم فإن السيطرة عليها تعني الحصول على مورد اقتصادي إضافي.
ردود فعل
وتقدم القوات اليمينة المدعومة من التحالف في شبوة خلّف ردود فعل إيجابية حيث حاز إشادات حكومية محلية واسعة؛ إذ وصفه الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، خلال بيان، بأنه “يحمي هوية اليمن من مخططات المشروع الإيراني”، فيما ووصفه محافظ شبوة الشيخ عوض العولقي، خلال تغريدة على “تويتر” بـ”الانتصار والمعركة بالتاريخية”.
واستكمالًا لذلك فإن خالد عايش، مدير الملتقى الوطني لحقوق الإنسان باليمن، صرّح: “انتصار القوات الجنوبية وبزمن قياسي بمعركة شبوة، يؤكد ضرورة بناء وهيكلة المؤسسة العسكرية الرسمية باليمن”، مضيفًا في السياق ذاته بـ”تحرير شبوة يمثل نقطة تحول كبيرة وفارقة في معركة تحرير جميع أراضي اليمن من قبضة ميليشيات الحوثي، كما سيشكل هذا العمل العسكري النوعي إضافة بارزة لسجل القوات الجنوبية في سبيل الانتصار لقضية اليمنيين الهادفة لإنهاء الأعمال الإجرامية لإيران في اليمن، عبر أداتها ميليشيات الحوثي”.
وعلى هذا النحو، اعتبر القيادي في المجلس الانتقالي الجنوبي منصور صالح، أن :” إطلاق العملية خطوة مهمة تؤكد إصرار التحالف العربي على إنهاء الانقلاب الحوثي باليمن، كما أن نجاح هذه العملية يعتمد بشكل أساسي على تجاوز الفشل الذي رافق المرحلة الماضية ويتطلب هيكلة المؤسسات العسكرية اليمنية والدفع بقوات الجيش اليمني إلى مناطق جديدة مثل حضرموت والمهرة لدحر الحوثي”.
مستقبل الصراع إلى أين؟
وسيطرة الجيش اليمني وقوات التحالف على مدينة شبوة يثير في الأذهان عددًا من الأسئبة المتعلقة كهل تعد هذه الخطوة بداية حقيقية للسيطرة على باقي أجزاء الأراضي اليمنية؟، وهل سيكون هناك رد فعل من قبل الحوثيين أم أن هذا السقوط جعلهم في موضع ضعف؟ وهل هذا سيدفع التحالف لانتهاج تكتيكات حرب جديدة؟، وهل ستسمح القوى الإقليمية والقوى الكبرى باستكمال سيطرة الحكومة على باقي أجزاء اليمن؟
في الحقيقة أن سيطرة القوات اليمنية المدعومة من التحالف مثّل نقطة تحول إيجابية في مسار الصراع اليمني، فهذا منح قوة وثقة للقوات اليمنية وقوات التحالف وأعطاهم دفعة نحو مزيد من التقدم ومن جانب آخر مثل ضربة قوية في تمركز قوات الحوثي التي كانت تحسب أن شبوة ظهيرًا اقتصاديًا مهمًا وموقعًا جغرافيًا لها يساعدها لمد نفوذها وإطلاق عملياتها إلى الشمال والجنوب؛ ومن هذا المنطلق فإن التقدم في شيوة يعزز من سيطرة القوات الجنوبية أكثر وبداية إفشال للمشروع الحوثي المدعوم من إيران، كما أن هذه السيطرة تعتبر مفتاحًا لتحرير البيضاء والربط بين الشمال والجنوب.
ومن ناحية إذا كان هناك رد من قبل الحوثيين أم أن هذا السقوط مثّل نقطة تأثر في قوتهم فإنه لا شك أن عملية “اليمن السعيد” كانت شوكة أصابت قوة الحوثيين ومثلت نقطة ضعف لهم، فبهذه السيطرة سيمنتع الحوثي من تهريب السلاح عن طريق موانيء المدينة علاوة عن انقطاعه عن بحر العرب لكن الحديث عن عدم وجود أي ردود فعل على تلك العملية أو تهديدات بعد ذلك فإن هذا مستبعد بنسبة كبيرة بل تزداد التوقعات بأن ثمة محاولات حوثية كبيرة لإثبات نفسها واستعادة سيطرتها بالتالي ظهور تكتيكات جديدة للحرب.
وبالتالي من المتوقع بشكل كبير أن تكون هناك ردود فعل من الحوثيين وبشكل انتقامي بالأخص ضد الإمارات والسعودية بعد سيطرة “العمالقة” المدعومة إماراتيًا، وربما أن تستخدم توغل بري أو جوي أو بحري ضد البلدين الخليجيين، وما يؤكد ذلك تصريح المتحدث باسم القوات الحوثية يحيى سريع بـ:”إن عواقب هذا التصعيد الإماراتي ستكون كبيرة وعليهم تحمل نتائج تصعيدهم”.
وعلى جانب آخر فإنه بالطبع قوات التحالف العربي بقيادة السعودية يتوقع ردود فعل عنيفة من قبل الحوثيين ومن ثم فمن المتوقع أيضًا أن يكون هناك تكتيكات جديدة موازية عسكريًا واستراتيجيًا لخطط الحوثيين والقوى الإقليمية الداعمة لها، وليس ببعيد أن تكون تلك التكتيكات تتعلق أكثر بفرض سيطرة على ممرات المياه حيث الأهمية القصوى للبحر الأحمر ومضيق باب المندب وخليج عدن، وبالإضافة إلى ذلك فإن توقعات التقدم في محافظة البيضاء مهم جدا بالنسبة للتحالف.
وبخصوص إذا كانت القوى الإقليمية والقوى الكبرى ستسمح باستكمال عملية السيطرة على أجزاء الأراضي اليمنية فإن في هذا السياق من المتوقع أن ينقسم الأمر إلى قسمين يكون طابع سياسية حماية المصالح هو الأساس لها، فالقسمان كالآتي القسم الأول يكون القوى المؤيدة للحكومة اليمنية وقوات التحالف العربي فبالطبع هذه الدول ستدعم قوات التحالف والقوات اليمنية في مسارها، في حين أن الدول التي لا تدعم استمرارتقدم القوات اليمنية فعلى رأس تلك الدول إيران وتركيا فاستقرار اليمن لهذه الدول يُعني انتهاء مشروعاتها ومخططاتها، وبين ذلك وذاك موقف المجتمع الدولي جاء لدعم خيار المحادثات، إذ أعلن عن ضرورة بدء المحادثات السياسية في اليمن.
وبناء على ما سبق ذكره فثمة سيناريوهات مطروحة لمستقبل الصراع في اليمن في ظل الأحداث الأخيرة وتتثمل في:
1-السيناريو الأول:
سيناريو تفاؤلي وهو يدعم الاستقرار، إذ إن تحرير شبوة يعزز من سلطة الدولة ويعزز من أمن واستقرار المجتمع اليمني ويستكمل تحرير محافظة البيضاء من يد قوات الحوثيييين ويشكل المؤسسات العسكرية في اليمن بدلًا من الميليشيات والفصائل المسلحة، وأن يستمر الحوثي في خسارة المناطق الصحراوية الأخرى، وفي هذا السيناريو خسائر كبيرة لإيران ويكون ردًا قويًا لفقدانها السيطرة على الأماكن الاستراتيجية في اليمن وعلى جانب آخر يكون دعمًا قويًا لتأمين أهداف دول الخليج ومد نفوذها في خليج عدن وبحر العرب، وأيضًا في هذا السيناريو تبدأ الأطروحات حول تشكيل حكومة تجمع القوى السياسية اليمنية وتسوية الصراع اليمني بشكل كامل.
2-السناريو الثاني:
أن يقبل الطرفان دعوة مجلس الأمن ويستجيبا إلى دعوته للمحادثات السياسية ولكن المشكلة في هذا السيناريو أن التحالف ربما لن يقبل المثول أمام جلسة مفاوضات بعد تحقيق تقدم عسكري استراتيجي على أرض الواقع ومن جانب آخر ربما يعتبره تخليًا عن مكتسباته، وعلى الجانب الحوثي فإنه لن يقبل هو الآخر المحادثات من دافع أنها تقلل من فرصة حصوله على مكاسب استراتيجية في ظل تلقي أوامره من إيران، وهذا السيناريو بحد كبير يطرح فكرة التهدئة أكثر منه تسوية وإنهاء للصراع.
3-سيناريو يتعلق بحدوث مزيد من التصعيدات حيث تمد إيران الحوثيين بمزيد من الأسحلة وتتجه نحو إشعال المعارك أكثر خصوصًا في ظل محادثاتها النووية في فيينا وبالتالي تشهد اليمن مزيدًا من التصعيدات وفي هذا السيناريو فإن اشتعال الأوضاع لم يكن فقط داخل اليمن بل تمتد إلى اشتعال الأوضاع بين القوى الدولية الفاعلة في تلك الدول.
خلاصة القول إن السيطرة على مدينة شبوة وإحراز تقدم في مدينة مأرب شكّل نقطة مهمة فاصلة في مسار الصراع اليمني، إذ إن تلك المدينتين لهما أهمية اقتصادية وجغرافية مهمة وأن السيطرة عليهما له مردود يؤثر في القوة والنفوذ، وعلى هذا الضوء فإن مستقبل الصراع في اليمن يتراوح بين 3 احتمالات أوله إيجابي حيث الاستمرار في التقدم الملحوظ والسيطرة على اليمن والتقدم في محافظة البيضاء، وإنهاء الصراع بشكل نهائي في اليمن، والسيناريو الثاني سيناريو وسط مجرد التزام بتهدئة مؤقتة وحوار وهذا الحوار لا يمنع الصراعات العسكرية المستمرة على أرض الواقع، والسيناريو الثالث سيناريو سلبي حيث التوقع باستمرار الصراع وبالتالي تبقى اليمن داخل صراع لم يحل بعد.