“أصدقاء السودان”.. هل يحل الأزمة؟
في سياق الأزمة التي يعيشها السودان منذ تصعيدات أكتوبر 2021 والتي أتت باستقالة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، طرحت الأمم المتحدة مبادرة تهدف إلى الحوار بين جميع المكونات السياسية السودانية والتي تم استقبالها بوجهات نظر مختلفة بين القوى السياسية السودانية حيث قبلها البعض ورفضها البعض الآخر، ولكنها على الصعيد الدولي حازت على قبول عربي وإقليمي ودولي، وعلى هذا الضوء عقد ممثلو دول أصدقاء السودان في مقر وزارة الخارجية بالرياض اجتماعاً لمناقشة الجهود المشتركة لدعم استقرار السودان، بحضور ممثلين من كل من الإمارات، والولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا، وألمانيا، و فرنسا، والسويد، والنرويج، بالإضافة إلى المسؤولين المعنيين من منظمة الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والاتحاد الإفريقي، وجامعة الدول العربية، ومجموعة البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، وانطلاقًا من ذلك يناقش التقرير دور هذا الاجتماع في حل الأزمة السياسية السودانية والسيناريوهات المتوقعة على ذلك كالتالي:
جوانب الاجتماع
ناقش الاجتماع سبل تعزيز التنسيق المشترك لدعم كل الجهود التي تضمن الانتقال السلمي السياسي في السودان، بالإضافة إلى دعم جهود بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم المرحلة الانتقالية في السودان، وقد حضر الاجتماع من الجانب السعودي وكيل وزارة الخارجية للشؤون السياسية والاقتصادية السفير عيد بن محمد الثقفي، واتصالًا بذلك وفي وقت سابق قال المبعوث الأميركي الخاص للقرن الإفريقي ديفيد ساترفيلد: “إن الخطوات الأميركية مرتبطة بوقف العنف في السودان”، مضيفا:” بضرورة دعم جهود البعثة الأممية للسودان لتسهيل الحوار بين الفرقاء في السودان، وقد شددنا بمؤتمر أصدقاء السودان على أهمية وقف العنف، مشيرَا إلى أن هذا العنف يمنع التوصل لحل سياسي”، مشيدًا في السياق ذاته بجهود السعودية في استضافة مؤتمر أصدقاء السودان.
فيما قال الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في السودان فولكر بيرتس عبر حسابه الرسمي على تويتر إن “هناك حاجة إلى الدعم الدولي واستخدام وسائل التأثير المتوفرة”، مؤكداً أن دعم العملية السياسية يجب أن يتماشى مع الدعم الفعال لوقف العنف”، وتزامنا مع ذلك ، قال المتحدّث باسم الخارجية الأميركية إن مساعدة وزير الخارجية الأميركية، مولي فيي، والمبعوث الأميركي للقرن الإفريقي، ساترفيلد، سيتوجّهان إلى الخرطوم لتجديد الدعوة لوقف “العنف” واحترام حرية التعبير والتجمّع السلمي.
وأكد بيان للمجموعة في ختام الاجتماع، إدانة أحداث العنف التي وقعت خلال التظاهرات، داعيًا إلى تحقيق مستقل في تلك الأحداث، وكذلك إلى رفع حالة الطوارئ وحماية المتظاهرين السلميين، ووقف الاعتقالات التعسفية وإغلاق منابر إعلامية.
وذكر البيان أن: ” أحداث العنف تشير إلى أهمية مضاعفة الدعم للعملية السياسية السودانية التي أطلقت مؤخراً، بتشجيع وتيسير من بعثة الأمم المتحدة للدعم في السودان (يونيتامس)، وأكد “أصدقاء السودان” أنهم يتوقعون أن تفضي تلك العملية إلى مسار واضح لحل الأزمة السياسية وإنهاء العنف”.
استمرار التصعيدات
يأتي هذا الاجتماع في سياق اضطراب متصاعد حيث قد أعلنت لجان المقاومة وتجمع المهنيين السودانيين، والمجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير، بدء إضراب شامل ليومين وإغلاق عدد من الأحياء، بعد سقوط 7 ضحايا وإصابة أكثر من 100 آخرين، وفق لجنة الأطباء المركزية، كما دعت لجان المقاومة إلى “تتريس الشوارع الرئيسية والفرعية ومنع الحركة لمواصلة التصعيد، ومحاسبة المتورطين في قتل المتظاهرين”، وبالإضافة إلى ذلك شرع عدد من لجان مقاومة الأحياء في الخرطوم بغلق عدد من الشوارع الرئيسية أمام حركة السير، فيما دعت لجنة أطباء السودان المركزية منتسبيها إلى الانسحاب من المستشفيات النظامية والإضراب عن العمل،
في حين أعلنت الشرطة السودانية، الثلاثاء، أنها ألقت القبض على 77 شخصاً، بعد تظاهرات الاثنين، متهمة قيادات الحراك بعدم الاستجابة لدعوتها لتنسيق التظاهرات. وقالت في بيان، إنها سجلت 7 وفيات لمواطنين في تظاهرات الخرطوم، والتي قالت إنها شهدت “عنفاً منظماً”، إضافة إلى إصابة 50 عنصراً شرطياً و22 مواطناً.
وذلك وسط ردود فعل دولية على التطورات بالسودان، حيث قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس، عبر “تويتر”: “نشعر بالقلق إزاء تقارير عن تصاعد العنف ضد المتظاهرين في السودان”، موضحًا: “أن مساعدة وزير الخارجية للشؤون الإفريقية مولي في، والمبعوث الأميركي الخاص للقرن الإفريقي ديفيد ساترفيلد، سيتوجهان إلى الخرطوم، وسيجددان دعوة واشنطن للسلطات الأمنية بإنهاء العنف واحترام حرية التعبير والتجمع السلمي”.
كما أعلنت بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم المرحلة الانتقالية في السودان “يونيتامس” رفضها استمرار استخدام الذخيرة الحية لمواجهة المتظاهرين موضحة: عبر حسابها على “تويتر”، أن: ” استمرار استخدام العنف والذخيرة الحية أمر “غير مقبول.. يجب أن يتوقف هذا العنف” ، وأنها تجدد دعوة السلطات للتوقف عن اللجوء للعنف ضد المتظاهرين السلميين وإجراء تحقيقات ذات مصداقية في مثل هذه الحالات”.
وعلى الجانب الآخر قال الممثل الأعلى للشؤون الخارجية بالاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، : “إن السلطات العسكرية في السودان تظهر أنها “غير مستعدة لإيجاد حل تفاوضي وسلمي للأزمة عبر الاستخدام غير المتناسب للقوة من خلال الاعتقال المستمر للنشطاء والصحافيين”
هل يحل الاجتماع الأزمة؟
من المتوقع ألا يتوصل الاجتماع إلى حل نهائي للأزمة لأن الأطراف السياسية السودانية لا تزال على موقفها فلا يزال القوى السياسية المناهضة للحكم العسكري ترفض الحوار إلا في حالة رحيل الحكم العسكري ولا تزال هناك مواجهات للمظاهرات بالقوة، وبالتالي يستمر الوضع السوداني معقد، فإذا استمر التوافق حول أجندة الحوار وترتيب الأولويات أهم العقبات التي تساعد في حل الأزمة فلن تصل الأزمة إلى حل بعد، كما أن الأزمة السودانية أزمة مركبة فالانقسام ليس فقط بين قوى مدنية وقوى عسكرية بل أيضًا بين القوى المدنية وبعضها البعض والواقع السياسي السوداني يفترض ألا يكون هناك رفض للمبادرة نظرًا للتدهور الذي تتعرض له البلاد بشكل عام ،ولكنها تدفع إلى ضرورة أن يكون هناك مرونة من قبل الأفراد وعليهم أن يدركوا أن الثورة ليست أمرًا أمدًا بل هو وسيلة لتحقيق المطالب وبهذه المبادرة الأممية وردود الفعل حولها تعكس أن العالم أدرك المطالب السودانية جيدًا وبالتالي سعى إلى وجود حلول وبالتالي فإن خطوة المثول إلى الحوار مرحلة مهمة لبداية وضع هيكل لتنفيذ هذه المطالب والحصول على الحقوق ، وفي هذا السياق هناك سيناريوهان كالتالي:
1-السيناريو الأول: وهو يتوقع عدم الوصول إلى حل واستمرار تعقد المشهد السياسي أكثر ولن يتمكن اجتماع “أصدقاء السودان” للوصول إلى حل نهائي، وهناك عامل مؤثر في المشهد أن طريقة التعامل الخاطئة مع الاحتجاجات أدت إلى خلق حالة من عدم الأطمئنان بين الأطراف السياسية وبالتالي لن تحفز القوى المناهضة للحكم العسكري باتخاذ خطوة والوصول إلى الحوار.
2-السيناريو الثاني: وهو يتوقع أن يسهل اجتماع “أصدقاء السودان” الحل للأزمة بشكل جزئي نتيجة للثقة التي تتمتع بها السعودية في السودان، وأن تصل إلى قاعدة يتفق عليها أطراف القوى السياسية نسبيًا، فربما نتيجة الضغط الذي تتعرض له القوى السياسية ومجلس القيادة دوليًا وإقليميًا يجعل كلًا منهما يقدم تنازلات عدة فخطوة تقديم التنازلات أولى الخطوات التي تؤدي إلى مسار ناجح للأزمة السودانية، فالشعب السوداني يحتاج لأن يمنح كل طرف الآخر الفرصة في الحوار فالرفض الدائم لن يصل بهم إلى حل، ولذلك فتقديم الاجتماع ضمانات لأطراف الصراع يشجعهم على طرح الرؤى والأفكار ومن ثم الوصول إلى حلول فعلية.
خلاصة القول: القوى السودانية تحتاج أولا إلى توحيد صفوفها ومطالبها فبشكل عام عليها الرك الأول لأنها غير متوحدة مقارنة بالمكون العسكري الذي لا يتداخل فيه أي انقسامات فالحل يكمن في يد الأطراف المدنية التي يجب تحديد جيدًا رؤيتها في بناء واحد، ودون ذلك تبقى كل المبادرات الدولية والأطروحات والمساعدات العربية ليس لها قيمة فالحل الأول بيد السودانيين أولًا الذين عليهم الالتفات إلى الازمات التي يتعرض لها السودان سواء اقتصادية أو أمنية فالأوضاع لن تتحمل الكثير فالأفضل أن تنحي القوى السياسية خلافاتها وتجلس لترتيب أوراقها جيدًا وتتحاور مع المكون العسكري في ضوء الجهود العربية والدولية.