مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

المخرجة ..خيرية المنصور تكتب: بهية التي…

نشر
خيرية المنصور
خيرية المنصور
اجلس على دكة امام نهر لوس انجلوس وانا ارى مياهه منسابة صافية كمرآة ، وقيل لي ان هذا النهر من أنقى مياه الأنهر … حسنا ولكنه ليس مثل نهري الذي احبه .. ورحت الى البعيد القريب حينما تضيق بي الدنيا وأحس انني مخنوقة اريد أتنفس .. اعبر كوبري 15 مايو الذي تزينه اسوده من الزمالك الى دكتي المفضلة على النيل وانا ارى بهية صديقتي الحميمة التي تسكنني ولا اسكنها .. ممشوقة القوام .. بوجهها الأسمر الذي يشبه رغيف امي.. طيبا حلو المذاق يفوح منه طيب الدنيا .. بهية خفيفة الحركة تحمل هم الدنيا وما فيها على كتفيها .. تتحرك من مكان لآخر بخفة .. ترقص طربا وتهنأ الدنيا بانتصار صلاح الدين في بلدها .. وبهية تتجنب الصراعات بين ابنائها لا في الوادي او في الميناء ومترضاش القمر يخاصم سماه .. ودوما تتطلع الى فجر جديد من الإنجازات وتمسك قفصا وتطلق عصفوره بعدما تخلصت من الفكر الضلالي وعبرت الى ضفة الأمان .. أراها جزعة تنتظر بقلق في محطة باب الحديد ..عودة ابنها الضال الذي باع بلده بحفنة دولارات وعندها امل سيعود هذا الابن الضال من الاسكندرية .. اسألها باستغراب .. مالك معلقة معاك إسكندرية وليه إسكندرية بالذات ؟ فترد علي نعم إسكندرية كمان وكمان .. وهذا الاختيار الصعب لانهم بثوا سمومهم هناك .. وبهية كثيرا ما تنام يدي بيدها ونذهب الى ناصية الحرافيش نشتري خواتم من بياع الخواتم .. ونذهب معا لبابا امين في شارع السقامات يحكي لنا حدوتة شفيقة ومتولي .. ونضحك ونفرفش لكي نغيظ الاخر .. ويعرفوا ان مصيرهم الى مزبلة التاريخ .. أرادوها فوضى وقالوا هي دي الفوضى التي نريدها .. ولكن بهية وقفت بالمرصاد لهم وقالت لا وستين لا ، حتلاقو مصيركم المحتوم على يدي ابنائي .. اسكتوا بلاش قلة ادب وتشتمهم .. تقول بإصرار يلا يا محمد ويا جرجس صورهم .. قلت لمحمد خذ الزاوية دي وانت يا جرجس الزاوية دي ، نظرت بهية لي بحب : القاهرة منورة بك يا خوخة ..رديت بحب اكثر .. لا القاهرة منورة بأهلها …أخذتني بحضنها الدافيء …. تعالت اصواتهم سكوت حنصور .. صوروا خيبتهم ونبذهم من ابنائي الذين يعشقون هذه الارض لا مكان لهم بيننا . . لامكان للذي ينكر نعمة بلده .. وبهية فرحة بحدوتها المصرية وتقولها بأعلى صوتها بفخر وآيباء أولادي الطيابا معي .
وانا بتأملاتي يدين أطبقت على عيني .. فصحت
– بهية .. !!
فتحت عيني بهية الحلوة بعينيها السوداويتين الواسعتين .. تحضنني بكل دفيء الحب
– انت فين يا خوخة .. سبتينا من زمان
– انا يا بهية ؟ اسيبك !! وانت تسكنين جوانحي ووجداني
– يلا قومي معايا افرجك على أشياء حلوة حصلت هنا
– انا دوما معاك واعرف اكثر من الذي يعيش بين جنباتك
– يلا يا خوخة قومي بسرعة
قمت معها وأخذتني بجولة في حي السيدة زينب وهي تتنطط فرحا ومتباهية بما اراه
– امال العشوائيات فين ؟
– امامك أهي .. شفتي صارت حلوة ازاي .. ابنائي يعيشون عيشة أدمية الان
– يا سلام حلوة قوي .. تسلم الايادي
– امشي افرجك حاجة حلوة تاني .. نروح تل العقارب
– تل العقارب ؟؟! لا يا شيخة ! وديني حاجة حلوة .. مش عاوزة اشوف الكراكيب مش رايحة
– يا خوخة اسمعي الكلام بس .. اخذت يدي بيديها وسحبتني سحبا .. امشي معايا كفاية عبط
وصلنا لم تصدق عيني ما اره مدينة عصرية جميلة عمارات كثيرة على امتداد البصر تسمى الاسمرات .. فيها كل ما تشتهي النفس ان تراه ..أعجز عن وصفها .. لم اصدق ما ارى .. بين الإعجاب والاندهاش .. الصمت بيننا خير واقوى من اي كلام .. ركضت بين ساحاتها الخضراء .. وبهية تشد يدي من فرحتها تضغط عليها بقوة مخافة ان تفلت منها .
– ايه رايك نروح سينا ؟
– سينا !! يا ريت .. نفسي اشوفها هذه المدينة التي يتكالب عليها الكل لكي ينهشوا لحمها
– فشر من دا اللي يريد ينهشها وأسودنا هناك .. !!
وصلنا الى الإنفاق سرني هذا الإنجاز صعدنا في سيارة مكشوفة لكي ارى ما عمله ابنائها الغيارى .. إعجاب يصل الى حد المعجزة وعبرنا للضفة الثانية واحتضنت بهية سينا لتضعها جوة قلبها .. واخيرا هذه سينا التي روت ارضها بدماء ابنائها ودموع امهات وأرامل .. حركة دؤوبة شغل مذهل بكل ارض سينا في كل مكان إعمار … والخضرة تكسو المكان
– يا بهية ايه دا ؟؟ والخضرة منين دي كانت جرداء
ردت علي بكل شموخ
– مش قلتلك يا خوخة تشوفي على الطبيعة احلى وأجمل …الخضرة دي زرعنا مليون فدان
– والله يا بهية دي احلى سفرية
– حاوريك حاجة ثانية يلا امشي معايا بس من فضلك اقلعي الجزمة ؟؟
– ليه ما حبش امشي حافية ؟
– علشان تحسي بحلاوة الارض تحت رجليك .. يلا
ركضنا على طريق زي الحرير ووصلنا كوبري تحيا مصر
– بهية دا حلو جدا .. وانا ارى المية من تحت زجاج .. وانا اركض فرحة تزحلقت ، يدي بهية حضنتني قبل ما أقع وجدت نفسي بحضنها رسمت قبلتها على جبيني ..
– انت ابنتي التي لم ألدها
– وانا اقبل رأسها .. انت حبيبتي وكل الدنيا
وانا في جلستي صوت زورق .. افقت من رحلتي مع بهية .. سرت في شارع فيرمنت وانا لا زلت في بحر الذكريات شوقا يحفر في سويداء قلبي .. امي أزور قبرها واطلب غفرانها ربما اتعبتها يوما ما .. وأختي الكبيرة فراقها جمرا يستعر في كياني … لوعة اشتياق الى اخواتي الرائعات وأبنائهن .. لبغداد .. لبيتي في الكرادة .. لشركتي .. لكنيسة مريم العذرة .. لدائرة السينما والمسرح.. لمدرسة القديس يوسف  انتظر طلة ابنتي سوزان .. وكبرت وأصبحت يافعة جميلة وزادت مخاوفي وانا أقف امام جامعة بغداد كلية الهندسة  .. لاحتضان ابنتي مخافة من مليشيات عبثت بكل شيء جميل في بلدي  .. لجامعتي .. للشيخ زايد وبيتي .. للربوة.. لبلكونتي لجريدة  الدستور المفضلة وهي تتزين بأخبار بهية  معا لنتناول فنجان قهوتي الصباحية .. لمدينة الانتاج الاعلامي ..لصديقتي نغم وأولادها .. لمصر الجديدة وعباس العقاد . الم شوق ومحبة لكل احبائي والأماكن التي تركت فيها بصماتي باحلى الذكريات
وانا أدندن أغنية المطرب العراقي حميد منصور وعلى ناصية الشارع وقفت ارتفع صوتي بالغناء
سلامات .. سلامات ابعث سلامات .. للرايح والجاي ابعث سلامات .. تشتاقهم عيني وهم في سوادها .. ويذكرهم قلبي وهم بين أضلعي …
وتجمهر الناس حولي وصوتي يعلو وهامتي ارتفعت اعلى من تمثال الحرية .. كأني مغنية الأوبرا ماريا كالاس او ام كلثوم .. وزاد تجمهر الناس حولي .. وصوتي يعلو.. حرامات .. حرامات سنيني يكضن ندما حرامات .. سلامات وريتك سلامات .. صبح ومسة يا هواي ريتك سلامات .. سلامات ابعث سلامات للرايح والجاي ابعث سلامات
الناس متجمهرة والدموع تغسل وجهي . رفعت حقيبتي وأرى تحت قدمي دولارات .. الشعب الأميركي طيب ودود يساعد الاخريين اعتقدوا اني احتاج مساعدة فبادروا بها … سرت والدولارات تتطاير .. ولا تزال الأشواق تعصف بكياني فتنساب دموعي بصمت …
ومن بعيد لاح الشعر بهيا ملتحفا بدجلة والفرات والنيل .. نظر الي بحنية .. أسندت راسي المتعب على كتفه – قولي هنا ..
– هنا !!
– ايوة هنا
– لو تنصفني الأحلام
فأوقظ الحلم الغافي
أشد كفك بكفي
لتمسح تعب سنيني