ماذا بعد الهجوم على سجن “غويران” بمدينة الكسحة؟
سيطر تنظيم “داعش” على مساحات شاسعة من سوريا والعراق، حتى طرد منها بين عامي 2017 و2019 على يد عدة قوى، من بينها التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة وقوات سوريا الديمقراطية وقوات الأمن العراقية، لكن خلايا التنظيم تواصل شنّ هجمات في كلا البلدين حيث شهدت مدينة الكسحة في سوريا اشتباكات جرّاء هجوم شنته خلايا تنظيم داعش على سجن غويران جنوبي المدينة بسيارة ملغمة استهدفت محيط السجن يوم الخميس الماضي، كما أن المعتقلين من أفراد التنظيم أحرقوا الأغطية والمواد البلاستيكية داخل المهاجع في محاولة لإحداث الفوضى وهذه هي المرة الثانية منذ ديسمبر الماضي، التي يهاجم فيها تنظيم “داعش” السجن في محاولة للإفراج عن سجناء من أعضائه، وعلى هذا الضوء يناقش التقرير آخر تطورات الأحداث فيما يلي:
لماذا سجن غويران؟
يعد سجن غويران ذو أهمية وخطورة بالغة حيث يضم نحو 5000 سجين من عناصر وقيادات داعش فهو أكبر سجن للتنظيم في العالم أجمع، ولذا قامت ميليشيات داعش بالتخطيط لاقتحامه لمساعدة عناصره الكامنة داخل السجن من الهروب مع أعمال تخريبية شنها أعضاء التنظيم من داخل السجن. م سجن غويران 5 آلاف داعشي أغلبهم من سوريا والعراق، وفق مصادر قوات سوريا الديمقراطية، وهو أكبر سجن لاحتجاز الدواعش في العالم.
تفاصيل الهجوم الداعشي
تبنى التنظيم عبر حساب وكالة أعماق الدعائية التابعة لها على تطبيق تلغرام “الهجوم الواسع” على السجن بهدف “تحرير الأسرى المحتجزين بداخله”، مشيرا إلى أن “الاشتباكات لا تزال جارية في محيط السجن وأحياء أخرى”.
وقد أعلن المرصد السوري لحقوق الإنسان عن ارتفاع أعداد ضحايا اشتباكات سجن غويران بعد الهجوم الداعشي إلى أكثر من 120 قتيلًا خلال 4 أيام، فلا تزال العمليات العسكرية بين قوات الأمن الداخلي وقوات سوريا الديمقراطية وقوات مدربة من التحالف الدولي من جهة وعناصر التنظيم الإرهابي من جهة أخرى، وفي هذا السياق أوضح المرصد أن قناصين يتبعون تنظيم داعش يتمركزون ضمن مبنى جديد قيد الإنشاء، كما أن هناك أجزاء من السجن تحت سيطرة القوات العسكرية بينما الجزء الذي يتواجد فيه عناصر التنظيم تحت السيطرة النارية، وقد بلغ عدد الفارين الذي تم القبض عليهم حتى الآن 136 سجينًا بينما لا يزال فارين لا يوجد معلومة حول عددهم الحقيقي.
علاوة على ذلك فهناك بعض العاملين في السجن قد أسرهم عناصر التنظيم وقد بث التنظيم شريطًا مصورًا من داخل السجن، ويعد هذا الهجوم هو الأعنف والأضخم من نوعه منذ القضاء على التنظيم في المناطق المأهولة بالسكان في 2019.
ويذكر المتحدث الرسمي لقوات سوريا الديمقراطية “قسد” آرام حنا: “نعمل الآن على تمشيط حي الزهور في الحسكة من عناصر داعش، في ظل استمرار اشتباكات متقطعة مع التنظيم الإرهابي”.
وعقب الهجوم الداعشي بحي غويران، نزح المئات من السكان من المناطق القريبة من ساحة الاشتباكات، فيما يسود القلق من احتمال فرار آلاف الدواعش من السجن وانتشارهم وسط الأحياء السكنية وارتكابهم مجازر انتقامية بحق سكان الحسكة، والذي يبلغ عددهم أكثر من مليون نسمة.
مخاوف متصاعدة
تثير تلك الهجمات المخاوف في العراق الذي يعمل على قطع جذور تنظيم داعش من أراضيه حيث أعلن رئيس حكومة كردستان العراق عن قلقه البالغ من هجمات داعش على مدينة الكسحة في سوريا، حيث هذا الهجوم يشير إلى وجود خلايا نائمة تطلق شرارة الهجوم، كما أن هروب المئات من عناصر التنظيم ينذر باستعدادات التنظيم لشن هجومات انتقامية لاستعادة نفوذه على الأماكن المطرود منها.
وفي هذا السياق كانت السلطات العراقية قد أطلقت عمليات أمنية حيث فرضت طوقاً أمنياً مشدداً على الحدود مع سوريا تحسبا لتسلل الدواعش وقد عكست تصريحات رئيس البرلمان العراقي الإصرار على مواجهة داعش حيث أكد رئيس مجلس النواب العراقي، محمد الحلبوسي: “أن تنظيم “داعش” الإرهابي لن يعود فلا مكان ولا مأوي له في العراق”، مؤكدًا: ” سياسة التهويل الدعائي لإحداث الاضطرابات وبث الإشاعات بواسطة زمرة من المرتزقة لم تعد تنطلي على أحد، فقد كانت أحداث 2014 درساً بليغاً استوعبه العراقيون جيدا”، مضيفًا: ” أن “داعش لن يعود، وسينجلي الإرهاب بكل أشكاله، فلا مكان ولا مأوى لهم في عراقٍ سيد آمن مقتدر مزدهر”.
كما عملت السلطات العراقية على ملاحقة تنظيم داعش في حوض العظيم في ديالى عقب هجوم لعناصر التنظيم على أحد مقار الجيش العراقي والذي أسفر عن مقتل 11 جنديًا وتشهد هذه المنطقة على وجه التحديد هجمات متكررة للجهاديين تستهدف قوات الأمن العراقي، كما أنه نتيجة لهجوم سجن غويران هناك توجهات أمنية تم إصدارها لتشديد الحماية الأمنية على السجون التي يتواجد فيها قادة معتقلين وهى سجون التاجي، والكفل، والحوت، حيث أن هناك مخاوف عراقية من هروب عناصر داعش لأن سجن غويران هو سجن يضم أكبر وأخطر عناصر من الدواعش، وهروب تلك العناصر فيما معناه تخطيط لاستكمال عمليات هجومية من أجل تحرير باقي عناصره في العراق ومن ثم استعادة نفوذه مرة أخرى.
ردود الفعل الدولية
واتصالًا بالمحاولات السورية نفذت طائرة حربية تابعة لـ”التحالف الدولي” غارة استهدفت أحد الأبنية في سجن الصناعة في حي غويران بالحسكة، دون وجود معلومات عن خسائر بشرية حتى الآن، وتمثلت ردود الفعل في:
- أمريكا: أكدت وزارة الخارجية الأميركية التزام الولايات المتحدة بهزيمة داعش من خلال التحالف والشركاء، لافتةً إلى أنّ التحالف الدولي حدّ بشكل كبير من قدرة داعش على شنّ هجمات، خصوصاً وأنّ التنظيم لا يزال يواصل محاولاته لزعزعة استقرار المنطقة، مؤكدة: “أن الولايات المتحدة تواصل الوقوف مع شركائها في المنطقة لمواجهة فلول التنظيم، مشيداً بقوات سوريا الديمقراطية على ردها السريع والتزامها المستمر بمحاربة داعش في شمال شرق سوريا”.
- روسيا: حذرت وزارة الدفاع الروسية من أن إشراك القوات الجوية الأمريكية في عمليات القضاء على الإرهابيين الفارين من سجن في مدينة الحسكة شمال شرق سوريا قد يؤدي إلى مقتل مدنيين، وتبعًا لذلك أوضح نائب مدير مركز حميميم لمصالحة الأطراف المتناحرة في سوريا والتابع لوزارة الدفاع الروسية، اللواء البحري، أوليغ جورافليوف، في بيان: “تم إشراك الطيران الحربي للقوات المسلحة الأمريكية في عملية القضاء على الإرهابيين الفارين من السجن. من المرجح بدرجة كبيرة أن استخدام وسائل الاستهداف الجوية سيؤدي إلى تدمير منشآت للبنية التحتية للمدينة وسقوط ضحايا بين السكان المدنيين”.
- فرنسا: أعلنت وزارة الدفاع الفرنسية عن قلقها من عودة ظهور تنظيم داعش في شرقي سوريا موضخة أن فرنسا ترى أن التنظيم لا يزال موجودًا بالفعل ولم يخرج بعد .
دلالات الهجوم الداعشي
يشير هجوم التنظيم أنه قد اتبع تكتيكًا استراتيجيًا جديدًا لا يمكن مواجهته بسهولة والذي يؤكد ذلك الهجمات المتفرقة التي شنها التنظيم مؤخرًا، كما أن منطقة شرقي سوريا يصعب محاصرتها أمنيًا من القوات السورية وبالتالي يستغلها التنظيم كظهير استراتيجي له حيث من خلالها يشن هجمات أخرى، وفي زخم تلك الأحداث جميعها يبقى الفاعلون في الملف السوري حيث الولايات المتحدة وروسيا اللتان تواجهان بعضهما البعض يراقبان المشهد الداعشي وتحركاته ويكون هذا الحدث فرصة لها لبسط مزيد من النفوذ، وفي ظل تلك الصراعات يكون الشعب السوري هو الخاسر الوحيد الذي يعاني من إرهاب داعش وتصفية حسابات القوى الكبرى والدليل على ذلك فرار أبناء مدينة الكسحة خوفًا من هجمات التنظيم الانتقامية اللاحقة.
خلاصة القول: يشير هجوم تنظيم داعش على سجن غويران إلى أن التنظيم لم يخرج بعد من سوريا والعراق وأن خلاياه النائمة ظلت تخطط حتى نفذّت هجومًا على أكبر سجن يضم الدواعش في العالم، فالمتوقع بعد هذا الهجوم أن يكون هناك سلسلة من الهجمات الانتقامية التي يشنها التنظيم كعادته، كما أن هذا الهجوم يثير مخاوف الدولة العراقية وهو ما دفعه لاتخاذ إجراءات حماية من محاولات متوقعة لتسلل عناصر التنظيم له.