أدهم إبراهيم يكتب: المواجهة المحتملة بين أمريكا والفصائل الولائية في العراق
بعد انتخاب الرئيس الأمريكي جو بايدن في كانون الثاني (يناير) الماضي، تنفست أوروبا الصعداء لإحياء الاتفاق النووي الإيراني الموقع عام 2015.. وكان من المتوقع أن تتطرق الإدارة الأمريكية الجديدة إلى ملف الأذرع الإيرانية المسلحة في العراق والدول العربية الأخرى عند العودة للمفاوضات.
وبالمقابل.. عملت إيران على التصعيد في زيادة تخصيب اليورانيوم للضغط على الولايات المتحدة للإسراع في العودة إلى الاتفاق النووي ورفع العقوبات التي أضرتها كثيرا، كما قامت بالدعم السياسي والعسكري للميليشيات المسلحة التابعة لها، ودفعها لضرب السفارة الأمريكية في بغداد، إضافة إلى قصف القواعد العسكرية العراقية التي يتواجد فيها جنود ومدربين أمريكان.
ورب سائل يسأل بعد كل هذه الأحداث.. هل ستواجه أمريكا الميليشيات الولائية التابعة لإيران في العراق؟.. وكيف سيكون بمقدور العراق تحقيق الاستقلال الناجز بعد خطف إرادته المستقلة؟، إضافة إلى الفساد المستشري ، وتزوير الانتخابات في كل مرة تحت لافتة الديمقراطية الزائفة؟.
يبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية غير راغبة في المواجهة العسكرية المباشرة مع إيران، إلا أنها قادرة على ضرب أذرعها في سوريا والعراق، وبالمقابل.. فإن موضوع العودة إلى الاتفاق النووي ورفع العقوبات سوف لن يكون سهلا، حسبما يروج له، وحتى إذا ما حصل ذلك فمن يضمن استقرار الأوضاع في المنطقة العربية الملتهبة؟.
وعلى عكس ما كان متوقعا، فإن سياسة بايدن لن تكون نفس سياسة باراك أوباما في المنطقة العربية، حيث هناك متغيرات كثيرة حصلت، مما يصبح من المستحيل إعادة نفس التجربة والتسليم بالنفوذ الإيراني المتزايد في العراق وبعض الدول العربية.
الكل يعلم بأن بايدن سوف لن يكون متطرفا في مواقفه، وليس في نيته الانخراط في عمليات عسكرية مباشرة مع إيران.. ولكنه في كل الأحوال سوف لن ينسحب نهائيا من العراق.
إن إيران رغم تصعيدها الظاهري في المنطقة على يد الميليشيات التابعة لها، إلا إنها تعلم دقة الموقف، ولذلك تحاول من جهة أخرى إبداء مرونة في التعامل مع دول المنطقة، فبادرت بإجراء محادثات مع العربية السعودية، والتلميح بإيقاف القتال في اليمن، دون أن تكون هذه الخطوات فاعلة حقًا أو تؤدي إلى نتائج ملموسة.
إنها أشبه بلعبة العض على الأصابع بين الطرفين..
يصف الدكتور عبد الخالق عبد الله أستاذ العلوم السياسية بجامعة الإمارات، ما يحدث في المنطقة بأنه “توجه استراتيجي لتبريد الخلافات بعدما فشلت عدة قوى في الإقليم منها إيران وتركيا والسعودية والإمارات في حسم أي من صراعاتها بالضربة الحاسمة”.. فهل يعني ذلك أن صراعات المنطقة تحت مسمى الحرب بالوكالة باتت في طريقها إلى الحل؟.
ربما سيكون الجواب نعم، حيث هناك رغبة لدى الجميع في حل الصراعات وإطفاء الحرائق المشتعلة منذ امد ليس ببعيد، ولكن كل طرف يحاول الخروج منها باقل الخسائر.
إن هناك مشروع أمريكي طويل الأمد لإجبار إيران على التفاوض لتحجيم أنشطتها النووية، وبرنامجها الخاص بالصواريخ البالستية، وسلوكها الشائن في المنطقة، إضافة إلى تدخلها السافر في العراق.
إن بايدن يبحث عن طرق لإنهاء ما أصبح يطلق عليه “الحروب التي لا نهاية لها”، مع مراعاة عدم
إغلاق ملف الاتفاق النووي.. وبذلك.. فإن من أولويات بايدن بعد مواجهة النفوذ الصيني، هو التصدي لمغامرات إيران الإقليمية، مع الحد من إمكانياتها النووية بقدر الإمكان.
إن سحب عديد الجنود الامريكان من العراق سيمنح الولايات المتحدة إمكانيات واسعة لاستهداف الميليشيات الولائية في العراق بطرق شتى دون خسائر بالأرواح، ودون مواجهة مباشرة مع إيران.
وتمهيدا لذلك فقد أعلنت وزارة العدل الأميركية، سيطرتها على 36 موقعاً إلكترونياً على صلة بإيران، “كثير منها إما مرتبط بأنشطة تضليل إعلامي أو بمنظمات تنتهج العنف”. وقالت إنها أوقفت عمل تلك المواقع لانتهاكها العقوبات الأميركية.
وأضافت في بيان، إنه “بموجب أوامر قضائية، صادرت الولايات المتحدة 33 موقعاً يستخدمها اتحاد الإذاعات والتلفزيونات الإسلامية الإيراني وثلاثة مواقع تديرها كتائب حزب الله، في انتهاك للعقوبات الأميركية”.
ومن جانب آخر أعلنت إيران قبل فترة، تعرضها لهجوم سيبراني كبير استهدف عددا من مؤسساتها الحكومية ومفاعلاتها النووية، دون توجيه اتهامات لجهة أو دولة بعينها.
وقد رافق ذلك انقطاعات متكررة للطاقة الكهربائية مع بدء تنفيذ خطة إدارة استهلاك الكهرباء في إيران، مما ولد استياء واسع من المواطنين وحتى البرلمانين.
وقال حسين حق وردي، النائب في البرلمان الإيراني، أن أسباب انقطاع الكهرباء غامضة، مردفا: “لا يوجد من يشرح للناس حتى سبب انقطاع الكهرباء وعدم وجود إدارة صحيحة بخصوص التيار الكهربائي”.
كما أكد كل من زير الدفاع الأمريكي و رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة استمرار العمل على مواجهة التهديدات الإيرانية والجماعات الإرهابية في المنطقة، وأكد أوستن أن ميزانية الدفاع ستركز على خطر الصواريخ الباليستية الإيرانية والكورية الشمالية، مشددا على ضرورة وقف إيران دعمها للمليشيات في المنطقة بما فيها العراقية.
وشدد على ضرورة مطالبة إيران بوقف السلوكيات الخبيثة في المنطقة من خلال دعمها للمليشيات التابعة لها. والتوقف عن تزويدها بالمعدات الحديثة التي تمكنها من تنفيذ هجماتها المتكررة على القطعات الامريكية والبعثات الدبلوماسية والمواطنين.
لذا فإن هناك خيارا محتملا بضرب المليشيات التابعة للحرس الثوري في العراق، بعد ورود معلومات استخباراتية بأن إيران نقلت صواريخ باليستية قصيرة المدى الى هذه الميليشيات، مما يمثل تصعيدا خطيرا.
يكاد يجمع المحللين السياسيين والعسكريين على ان امريكا إذا ما قامت بضرب الميليشيات الولائية في العراق. فإن إيران سوف لن تتدخل عسكريا لحمايتها، لأنها تعلم انها ستكون الخاسر الأكبر، وهي أساسا استخدمت هذه الميليشيات لتجنب المواجهة الفعلية. وسيكون موقف إيران حينئذ محرجا عندما تتخلى عن ميليشياتها.