مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

د. مصدق العلي يكتب: الكل يريد مصلحة العراق والعراق ينتظر

نشر
د.مصدق العلي
د.مصدق العلي

هذة المقالة إهداءٌ لأستاذِي الكبير الدكتور عبد الجبار أحمد الذي تشرفتُ بدراسة علم الاجتماع السياسي على يديه.

 

المُستهل

عند بدء نشأتنا كأطفال, كنا لا نرى الوطن الا في كنف الاهل, فهم رمز القوة والأمن. لذلك ترى الوطنية عند الاطفال رقيقة وحالمة لكنها قوية. وبعدها يكبر الصغير ليصبح شاب او شابه ,ليبدأ برؤيه الواقع المحيط. هنا يبدأ التساؤل عن اسباب مايراه ناقصا او مدار بشكل سيء من مرافق الحياة العامة. ومن هنا يبدأ الوقوع في منزلق وضع الحلول لكل شيء بنفسه ولا يعطي الخبز لخبازِه لعدم رؤيتة لخبازٍ في الفرن!

 

الوطن

خاصةً في وضع العراق الصعب وفي هذا المنحنى التاريخي الذي يواجهه ( وهنا لا اقصده بلهجة الممثل احمد ادم الساخره في فلم ” معلش احنا بنتبهذل”!), يضطر المواطن العراقي, شابا او كهلا الى الاعتماد الذاتي على نفسة واهله, في كل شيء تقريبا.. من تجهيز الطاقة الى الضمان الاجتماعي ومنه الى العلاج ومرورا بمحاولة اصلاح البنى التحتية المحيطة به. هنا يُختَزَلُ المفهوم العملي للوطن في البيت ومحيطه من الاحباب. ويلاحظ هذا بعَمار البيوت (كلٌ بمُستَطاعِه) ورؤية اطلال مخلفات البناء تذري في عيون المارة وفي انفاس اطفالنا في طريقهم الى المدارس. ولكي يزيد الطين بلة, يخرج بين الفينة والاخرى من له صفة المسؤلية ليلقي اللوم الكامل على المواطن في تدمير انجازاتة التي يُعددها بفخر والتي لم يَرى المواطن فيها اي عمل حقيقي او جِدي الا ما ندر. هذة الندرة تتحول الى الشاذ الذي يؤكد القاعدة , وهي انه من لوازم الثراء السريع للبعض اهدار المال العام والتمترس بمسميات فضفاضة ومثيرات عاطفية ,للتشويش عن محاسبته على “انجازه” الفاشل بامتياز .حيث يحاول السياسي اللعب على وتر العواطف ,فالشعب العراقي شعب ذو عاطفة جياشة تُرى في كرم الفقير للضيف كما في مافعله بائع الشاي البسيط مع اليوتيوبر الشهير والمهذب باسل الحاج عند زيارته الاخيرة للعراق. وتُسمع ايضا في الاغاني الشبابية والاشعار الشعبية.

 

الشباب.. أين الشباب..

ترى بعض الشباب والشابات, في محاولة لبناء ذاتهم, انهم يتجهون للهجوم على المجتمع لفظا وتعبيرا وتخويناً بشكل رافض وغاضب وناقم على كل من يتسلم او يتسنم او يتسلق هرم المسؤلية. فهم يرون فشلا تلو فشل ومصيبة تلحقها كارثه. وبعدها تداعبهم مشاعر الشباب في العيش مع حبيب, ليواجهوا ازمه مادية خانقة. ازمه سكن ومصاريف.. ازمة بطالة (مقنعة كانت ام كاملة) وازمات كثر. وكأن الدوائر المعنيه بالتخطيط والتشريع والتنفيذ ملغاة من المشهد السياسي العراقي, ولا صوت يعلو فوق صوت المحلل السياسي والناطق السياسي, في لوم المواطن او لوم المنافس لتدمير “انجازاته” الوهمية . يبدأ الخيال الشعبي باسقاط الفشل على الغيبيات محاولة منة للهروب من عقله المُثقل بهموم البلد التي قلدها له المتحدث الرسمي او السياسي, وايضا يرى في الغيبيات مخرجا.. هنا يبدأ التناقض متمثلاً في تموجٍ بين الافكار المتضاربةِ نتيجةً لعدم الاستقرار النفسي والجسمي والعقلي والامني . وتفقس في هذة الاجواء “المثاليه” نظريات المؤامرة ليتسلى بها الشيب والشباب في محاولة للتنفيس عن شحنة الغضب وتحقيق انتصار او انجاز وان كان على مستوى النقاش الجدلي. اما الشباب فينشط عندهم التفكير بالزواج وخصوصا الفتيات ولاجل مقولة : “السيدات اولا” فالنتكلم عنهن, حيث تجد الفتاة تهمل كل مقومات النجاح وتختزل احلامها بالحصول على زوج وانجاب طفل لينظم الى زمرة الاطفال التي طالما انتقدتهم ووصفتهم بقليلي التربية كونهم يثيرون الضجة او يكسرون زجاج نوافذ البيوت بلعبهم بالكرة في الشارع لعدم وجود ملاعب لهم. وبعدها تتحول الحياة لاختيارها الغير مدروس والسريع  الى صراع من اجل ان لا تكون مطلقة وتشمت بها الحسود والعذول. تنسى كل انجازاتها سواء كانت موهوبة بعلمها او عملها او طبخها, بل وحتى بحبيبها الطموح والساعي للعمل والجد وتبحث عن الزواج السريع بحجة “قطار العمر” الذي يسير بلا سكة منصوبة او وجهة معلومة! بل وجدت ان بعض البرامج الترفيهية كبرنامج “ولاية بطيخ” يتعرض لهذة النظرة في بعض السكتشات الكوميدية.

وبعدها ونتيجة للشحن العاطفي والتعب في البيت والشارع, تتضخم شحنات الغضب,و تتحول الى تخوين الجميع مع فقد الرغبة في العمل , بينما يصبأ نفر قليل جدا عن وطنهم الى التردي, ليصبحوا ادوات للسياسيين الذي يعتقدون بفسادهم, بل وحتى ان علمنا انهم لم ولن يخرجوا في الانتخابات لانتخاب اسيادهم السياسيين واقعا, لكنهم من اجل الصعود الى مستوى الطبقة فوق المتوسطة وربما الظهور الاجتماعي في منصات السياسة,يطبلون حتى تكل ايديهم لسياسييهم الذين ارتضوهم من دون الوطن ملاذاً و يبيعون انفسهم ويطبقون المثل (اكل و وَصوِص).

 

جدلية الاصلاح بين العِلاك والتطبيق

 

نتيجة للشد والجذب بين الغضب الشعبي ووصوصة النفر الضال ممن باعوا مواطنيهم برخيص الفضة, يتحول الأعَم الأغلَب من شعب الحضارات ووريث مخترع الكلمة الأولى ,للجلوس على التل وانتقاد اي حركة او مساهمة لتغيير الواقع. يجلسون ويشاهدون روما التي يُحرِق بيوتها السُراق لينهبوا ممتلكاتها ما استطاعوا . اما الشخص الضال “المُوَصوِص” فيشارك الناس الجلوس على نفس التل وينفذ أوامر اسياده ليهيل بالتنكيل واستغلال نظريات المؤامرة التي يسمعها في المقاهي ومحال الناس وهو يفخر بايفونه الجديد ذو الكاميرات الثلاث (التي عميت عيون مهندسي اليابان وهم يواصلون الليل بالنهار لتصميمهن), ويبدأ بتوجيه ماستطاع فمه وعقله من تُهم وسباب باتجاة من تُسول لة نفسه العمل او حتى التفكير بتغيير الواقع. هكذا نفر ضال يجني المال بهذة الطريقة الوضيعة ,فهذا عمله في الحقيقة. عمله ان ينشر فكرة التشكيك داخل المجتمع, مستغلا حالة عدم الثقة في السياسة والنظام الاداري للبلاد, ومنطلقا لتنفيذ مبدأ ” فرق ..تسد” ( وهيهات لذليلٍ سيادة واِن سَحَرَ بُهرج الذليل عيون الناس). غير ان الفكرة في حد ذاتها اكثر عدوى من المتحور الجديد “اوميكرون”. وهنا تبدأ العدوى بالانتشار بين الاغلبية التي تجلس على التل استسهالا منهم, فالتخوين والعلك والتشدق بالكلام تجاه المتصدين والمؤمنين بعدمية الاستلام, اسهل طرق الانتصار واثبات الذات منه الى النزول الى الشارع ومواجة جدار الفساد والسياسة معهم.

 

اما المتصدين للعمل الميداني والحالمين بالتغيير والمعتقدين بصحة المثل: ” في الحركة بركة” , وبدافع الغضب من تعليق مسيء هنا وتخوين تافه هناك, فهم ينهالون على منتقديهم او المفكرين معهم بالتقريع واللوم والذي لايخلوا من الاسائة, ليكونوا افضاضا وغليضي القلب فينفض النفر الذين اعتقدوا بصلاح عملهم ,ليتقهقروا مصدومين الى نفس التل ويلتحقوا بركب جماعة ( ربوا العيال وروقوا نفسكم يوم الخميس..) في المقطع الشهير في خطبة الباص على لسان الشيبة الحكيمة من فلم ” الارهاب والكباب”.

 

ما الحل اذن؟

هنا حديثي لطرفي المعادلة الاقوى وهم صالحي النية من اغلبية الجالسين على التل والنازلين بنية الاصلاح.

من الممكن ان نلخص الحل بالنقاط التالية:-

 

من اهم الامور:- تقبل النقد والبديء باجبار انفسنا على النقد الذاتي.. من هنا يبدأ الوعي ,ومن هنا سيتغير كل شيء. دعوات التسامح والمحبة قد تصلح بين متخاصمين او مختلفي فكرة لفترة محدودة لكنها بدون محاسبة الاشخاص لانفسهم لا تستطيع الصمود في ظل التعصب الفكري والتطرف  للانا. وكما قال الشاعر:

 

اذا التعصب نادى القوم واجتمعوا يوما  وايقض فيهم نائم الفتن

افنوا خيارهم قتلا وتهلكةً وصيروا الجهل فوق الدين والوطن

 

اعمل ودع الاخر يعمل وقلل الافتاء بغير علم, فظاهرة الافتاء بغير علم من مأسي مجتمعنا العربي .. فكل منا يتحول فجأة الى طبيب ومهندس ومحلل عسكري وقاضي دستوري .. الى اخرة من الاختصاصات. دع من يعمل يعمل واعمل انت, حتى يتبين الخيط الابيض من الاسود من الفجر, ولا تستبق الاحداث وتُجهِض العمل قبل بدايته بدوافع عاطفية ساذجة.

 

اما من يعتقدون في نفسهم القيادة, فلا تكونوا افضاضا ولا يضيق صدركم بالتوافه وتنسوا الجلل من الامور. انتم في خدمة الجميع وتصديكم, يحملكم مسؤلية السماع والنقد والنقد الذاتي. استمعوا واعملوا ,وسيرى الناس عملكم وسيذهب الزَبَد ويبقى ماينفع الناس.

 

ان وصلتم لهذه السطر فلكم مني كل الاحترام والتقدير وتقبلوا طلبي الاخوي بان تصوبوا خطئي وتنقدوا ماتعتقدون بحيادة عن جادة الصواب, ولكم مني فائق الاحترام والتقدير.