ما بين التحركات الأمريكية والردود الروسية.. أوكرانيا إلى أين؟
وصل مستوى التوتر بين روسيا وأوكرانيا لمستويات مؤخرًا لمستويات غير مسبوقة فبصورة عامة التصعيد المتبادل بينهما ومن خلفهم تصعيد بعض الدول العربية ومعه حلف شمال الأطلنطي، يضع الأزمة في موضع حرب، فـروسـيا مـنذ بـدايـة الأزمـة قامت بحشـد عـسكري غـير مسـبوق عـلى الحـدود مـع شـرق اوكــرانــيا رُغم أنها أكدت على عدم نيتها لــغزو أوكرانيا. فــي المقابل زودت الــدول الــــغربــــية كــــالــــولايــــات المتحــــدة الأمــيركــــية وبــــريــــطانــــيا الــــدعــــم الــــعسكري لأوكــــرانــــيا والــــتلميح إلــــى نــــية ضــــمها لحــــلف شــــمال الأطـــلسي والـــدفـــاع عـــنه ، وفي هذا السياق يناقش التقرير التالي تحليلًا لتطورات الأزمة الأوكرانية كالتالي:
أجندات أطراف الصراع
تقوم الأزمة في أوكرانيا من منطلق وجود عدة أجندات تسعى من خلالها أطراف النزاع إلى تحقيقها؛ فالبنسبة إلى الأجندة الروسية فهى تهدف إلى عدم انضمام أوكرانيا لحلف شمال الأطلسي وإبعاد نفوذ الولايات المتحدة الأمريكية عنها ومن جانب آخر الحفاظ على العمق الاستراتيجي لأوكرانيا، فضلًا عن استعادة نفوذها منافس للولايات المتحدة الأمريكية في الشرق، في مقابل ذلك توجد الأجندة الأمريكية والتي تتمثل في التأكيد على زعامة الولايات المتحدة الأمريكية عالميًا فالغزو الروسي لكييف من شأنه أن يؤثر على مكانة الولايات المتحدة في النظام الدولي حيث يبعث بمؤشرات من شأنها عدم قدرة أمريكا على الحفاظ على أمن حلفائها وأصدقائها وأيضًا يعطي الفرصة للصين لتدعيم نفوذها خصوصًا في إطار صداقاتها مع روسيا، ومن زاوية ثالثة هناك أجندات حلف شمال الأطلنطي والتي تتضح في التوسع شرقًا على حساب الدول السوفيتة سابقًا وبالتالي يوجد الحلف في أي صراع روسيا فيه، وتوجد الأجندة الأوروبية والتي تهدف إلى تأمين الدول القريبة أوروبيًا علاوة على ذلك صد الآثار الاقتصادية المحتملة والتي كان أشهر مثال على ذلك تأثير الأزمة على أسعار الغاز في أوروبا ولكن هناك مخاوف أوروبية من خسارة موسكو كشريك اقتصادي مهم بالنسبة لها، وبين كل تلك الأجندات تبقى الأجندة الأوكرانية معلقة حيث سعي الرئيس الأوكراني فــلاديــمير زيــلينسكي لــلمحافــظة عــلى الــسيادة الـكامـلة عـلى بـلاده بـالإضـافـة إلـى عـدم خـسارة اجـزاء أخـرى مـنها عـلى غـرار مـا حـصل عـام ٢٠١٤، ولهـذا فـهو يـريـد أن يخــرج الــبلاد مــن المــنطقة الــرمــاديــة والــذهــاب بــها بــشكل كــامــل إلــى مــنطقة المــعسكر الــغربــي.
تصعيد مستمر
تبادل الجانبان الروسي والأمريكي تصريحات شديدة اللهجة وتتمثل في:
1- الجانب الأمريكي: ازدادت الاتهامات التي تلقي بها الولايات المتحدة الأمريكية روسيا حيث إطلاق تحذيرات من فرض عقوبات اقتصادية قاسية ستستهدف الرئيس فلاديمير بوتين شخصيًا إن أقدمت على غزو أوكرانيا، حيث صرّح الرئيس الأمريكي بأن: ” هجوم روسيا على أوكرانيا سيكون له نتائج هائلة قد تغير العالم، و أنه مستعد لفرض عقوبات على نظيره الروسي فلاديمير بوتين شخصيًا إذا هاجمت روسيا أوكرانيا” ، مؤكدًا أن: “إذا تحركت روسيا إلى أوكرانيا بما يقدر بنحو 100 ألف جندي حشدتهم بالقرب من الحدود، فسيكون ذلك «أكبر غزو منذ الحرب العالمية الثانية».
في حين أن مسؤولًا أمريكيًا قد صرص بـ: ” بلاده لن تتوانى عن فرض عقوبات قاسية على روسيا، تشمل قيودا على صادرات معدات التكنولوجيا المتقدمة الأمريكية، مطمئنًا حلفاء واشنطن الأوروبيين إلى أن أي استخدام من جانب موسكو لصادراتها من النفط والغاز كسلاح ستأتي بنتائج عكسية، مشيرًا إلى أنه في حال قامت روسيا بغزو أوكرانيا مجددًا فسنبدأ من أعلى سلم التصعيد.
وفي السياق ذاته قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برياس: “لقد أوضحنا لبيلاروسيا أنها في حال سمحت باستخدام أراضيها في هجوم ضد أوكرانيا ستواجه ردا سريعا وحاسما من الولايات المتحدة وحلفائنا وشركائنا”.
وسلّمت الولايات المتحدة 90 طنًا من المساعدة الفتاكة لأوكرانيا، بعد يوم واحد من محادثات روسية أمريكية في جنيف حول الأزمة الأوكرانية تضمنت ذخيرة للقوات الأوكرانية على خطوط الجبهة لتمكينها من مواجهة أي اعتداء روسي، كما وافقت الولايات المتحدة على اقتراحات من إستونيا ولاتفيا وليتوانيا بإرسال أسلحة أمريكية الصنع إلى أوكرانيا تشمل صواريخ مضادة للدروع وللطائرات.
2-الجانب الروسي: تنفي روسيا التخطيط لهجوم أوكرانيا مبررة أن الدافع وراء الأزمة هو تصرفات حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة. وتؤكد مطالبتها بضمانات أمنية في سياق التغييرات الحادثة على الصعيد الدولي حيث صرّح وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، من أن: “هناك تغيرات جذرية على الصعيد الدولي، وهى ليست إيجابية تماما على أقل تقدير. النظام بأكمله يمر باضطرابات”، مشيرًا إلى: ” الغرب بقيادة الولايات المتحدة يحاول مواجهة النزعات التاريخية الموضوعية وكسب تفوق أحادي الجانب دون مراعاة المصالح المشروعة للدول الأخرى إطلاقا”.
وردًا على تصريحات بايدن فإن رئيس مجلس الدوما، فياتشيسلاف فولودين، أعلن أن واشنطن بعد أن أعلنت استعدادها لفرض عقوبات جديدة على روسيا ورئيسها فلاديمير بوتين كشفت بوضوح أنها تسعى لرئيس روسي موالي لها وتستطيع السيطرة عليه، وقد حملّت روسيا الولايات المتحدة مسؤولية التصعيد الذي وصلت إليه أوكرانيا حيث صرّح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بإجراء دول الغرب مناورات عسكرية “استفزازية بدرجة متزايدة” قرب حدود روسيا، واتهم الغرب بـ”جر النظام الأوكراني إلى مدار حلف الناتو” وإمداده بأسلحة فتاكة و”تحريضه على تدبير استفزازات مباشرة ضد روسيا”، مؤكدًا أن : ” روسيا تنتظر من الولايات المتحدة وحلف الناتو ردا على مبادرتها الخاصة بالضمانات الأمنية”، مضيفا : “أن وزارة الخارجية الروسية بالتعاون مع جهات مختصة أخرى ستعمل، بناء على مضمون الرد الغربي، على إعداد مقترحات للرئيس فلاديمير بوتين بخصوص الخطوات المستقبلية الممكن اتخاذها”.
كما قال نائب مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة، غينادي كوزمين، خلال اجتماع في مجلس الأمن حول إجراءات حماية المدنيين خلال الأعمال القتالية في المدن: “تواصل الدول الغربية، على خلفية التهديد الروسي المزعوم الذي يتم تأجيجه بشكل مصطنع، ضح الأسلحة إلى أوكرانيا وترسل إليها مستشارين عسكريين وتشجع بشكل عام الاستفزازات الأوكرانية بدل دفعهم إلى تنفيذ اتفاقات مينسك التي صادق عليها مجلس الأمن”.
3- الجانب الأوروبي: بالنسبة إلى بريطانيا فإن رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون قد حذر روسيا من أن غزو أوكرانيا سيكون “كارثة”، قائلًا: “المعلومات الاستخباراتية واضحة جداً، وتفيد بوجود 60 مجموعة قتالية روسية على حدود أوكرانيا، وتلك الخطة للحرب الخاطفة التي يمكن أن تقضي على كييف، يمكن للجميع رؤيتها”. وأضاف: “علينا أن نوضح للكرملين ولروسيا أن هذه ستكون خطوة فادحة”.
كما أن وزيرة الخارجية البريطانية “إليزابيث تراس” شددت على أن بريطانيا تقدم مساعدات عسكرية دفاعية ودعمًا اقتصاديًا إلى حكومة أوكرانيا، وتحث روسيا على الامتناع عن غزو أوكرانيا مؤكدة : “أوضحنا جليًًا تماما أن روسيا، إذا فعلت ذلك ستواجه ثمنًا اقتصاديًا باهظًا وعقوبات وخيمة، ستشمل أفرادًا ومؤسسات مالية، وستكون بالتنسيق مع جميع حلفائنا في أوروبا والولايات المتحدة كما أوضحت عند طرح سؤال لها بخصوص ما إذا كانت بريطانيا ستدعم الولايات المتحدة في فرض عقوبات اقتصادية على روسيا بـ” لا نستبعد أي شيء” .
وقد تحركت عدة دول أوروبية أخرى لتعزيز الانتشار العسكري للناتو في أوروبا الشرقية. حيث أعلنت إسبانيا إنها سترسل سفنًا حربية للانضمام إلى القوات البحرية للناتو في البحر المتوسط والبحر الأسود، وأعلنت الدنمارك عن إرسال فرقاطة إلى بحر البلطيق ،كما عرض الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إرسال جنود فرنسيين إلى رومانيا.
وبتحليل الوضع فإنه يبدو أن ثمة اتفاق أمريكي أوروبي حول الأزمة الأوكرانية حيث خطوة العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على روسيا مؤثرة على الاقتصاد حيث يعتبرها الرئيس بوتين سبيلًا لروسيا لتنويع اقتصادها وذلك لأن روسيا تستورد التكنولوجيا من الخارج الذي في الوقت نفسه لا ينتجها سوى أمريكا وحلفاؤها، كما أن من جانب آخر فإن الاتحاد الأوروبي يواجه معضلة الاعتماد على النفط الروسي حيث تسود المخاوف الأوروبية بالأحداث الأوكرانية وبالأخص فيما يتعلق بتقليص صادرات النفط التي تعتمد عليها أوروبا حيث يعتمد الاتحاد الأوروبي على روسيا في حوالي ثلث إمداداته من الغاز، ويمثل أي انقطاع لوارداته الروسية أن يؤدي إلى تفاقم أزمة الطاقة الحالية الناجمة عن النقص ؛ ولذا فالغرب بحاجة إلى البحث عن بديل لروسيا حيث قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض جين ساكي : “نعمل على تحديد كميات إضافية من الغاز الطبيعي غير الروسي من شمال إفريقيا والشرق الأوسط وآسيا والولايات المتحدة”.
هل تقترب الحرب؟
سيناريو أن تتحول الأزمة الأوكرانية لحرب شاملة أمر مستبعد تمامًا؛ نظرًا لإدراك جانبي الصراع لخطورة تلك الحرب ستظل الأزمة في التصعيدات والتي سيكون لها حقًا أثر بالغ على المنطقة بشكل خاص والنظام الدولي بشكل عام ويظهر هذا الأثر في خسارة عسكرية وحربية فإرسال جانبي الصراع قوات عسكرية وإمدادات حربية وأسلحة من شأنه يشكل ثقلًا على ميزانية الدفاع في تلك البلاد، كما أنه لا يُغفل الأثر الاقتصادي الشديد الذي يتعرض له اقتصاد الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة فضلًا عن الاقتصاد الروسي الذي يتحمل شقين من الآثار وهى تكلفة التصعيدات والمواجهة من جهة والآثار التي قد تفرضها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من جهة أخرى، كافة أطراف الصراع تدرك أن الحرب ليست لُعبة وأنها ورقة تُترك جانبًا وخيار استخدامها يكون بناء على حسابات دقيقة سياسيًا وعسكريًا وأمنيًا واقتصاديًا وبالتالي سواء كانت تصعيدات روسية وإرسال قوات وحشد عسكري أو امدادات أمريكية لأوكرانيا وانتشار عسكري أوروبي ليس إلا استخدام لسياسة الردع العسكري نظرًا للإدراك بأن الحرب ليست حتمية في سياق مقدرات عسكرية ونووية حيث أن روسيا لديها مقدرة على ردع الصواريخ والطائرات المرسلة من الناتو والولايات المتحدة الأمريكية.
خلاصة القول: الحديث عن الحرب أمر مستبعد تمامًا والتصريحات المتصاعدة ما هى إلا رسائل تريد كل دولة أن توصل هدفًا أنها فاعلًا أصيلًا في النظام الدولي حيث روسيا والتي تسعى لاستعادة أمجادها السوفيتة، وأمريكا والتي ترغب في الحفاظ على زعامتها العالمية فالحرب استخدام لنمط التهديد، فأوكرانيا ساحة صراع لمجموعة من الأجندات المتمثلة في الأجندة الروسية بأهدافها والأجندة الأمريكية بأهدافها، وأجندة الاتحاد الأوروبي بمساعيه، وأجندة حلف الأطلني من جهة أخرى نايهك عن الأهداف التي تنشدها أوكرانيا.