تحت قيادة إبراهيم رئيسي.. ربما تدخل إيران وتركيا مرحلة جديدة من العلاقات الثنائية
تكتسب العلاقات الإيرانية – التركية أهمية خاصة للمنطقة العربية نظرًا لاشتراكهما مع الدول العربية في منطقة الشرق الأوسط من جهة جغرافية وقرب الجوار ومن جهة أخرى فإن أي تأثيرات تحدث بين تلك الدولتين من شأنها أن تؤثر على أمن واستقرار المنطقة؛ وانطلاقًا من ذلك تتجاوز طبيعة العلاقات بين إيران وتركيا كونها دولتين غير عربيتين بقدر كونها محركتان في قضايا الشرق الأوسط.
وبشكل عام لم تسر العلاقات بين إيران وتركيا على وتيرة واحدة بل تراوحت ما بين الصداقة والعداوة وفد نشر موقع Atlantic Council وهو مؤسسة بحثية أمريكية دراسة حول طبيعة العلاقات الإيرانية التركية في ظل حكم الرئيس الإيراني “إبراهيم رئيسي” بعنوان “تحت قيادة إبراهيم رئيسي.. ربما تدخل إيران وتركيا مرحلة جديدة من العلاقات الثنائية” وهو ما سيتم مناقشته في هذا التقرير كالتالي:
رؤية عامة
اتسمت العلاقات بين إيران وتركيا بأنماط متكررة من الصداقة والعداوة في العقدين الماضيين. ورُغم أولويات السياسة الخارجية المتباينة والمصالح المتضاربة ، تمكنت القوتان الإقليميتان من تجزئة علاقاتهما من خلال معالجة القضايا الجيوسياسية والاقتصادية بمعزل عن بعضها البعض، ومع سيطرة إبراهيم رئيسي على السلطة في إيران ، من المتوقع أن تستمر استراتيجية التقسيم هذه في تحديد الاتجاه المستقبلي للعلاقات الثنائية.
حدث أنه في 15 نوفمبر 2021، التقى وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو برئيسي ونظيره الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان في طهران حيث ناقشا العلاقات الاقتصادية والمخاوف بشأن حدودهما المشتركة، والتطورات الجارية في المنطقة، وفي مؤتمر صحفي مشترك مع أمير عبد اللهيان، تحدث وزير الخارجية التركي عن استعداد البلدين للعمل على “خارطة طريق لتعاون شامل طويل الأمد بناء على الاقتراح الإيراني”.
وعقب ذلك بأسبوعين في 29 نوفمبر 2021، التقى رئيسا إيران وتركيا لأول مرة على هامش القمة الخامسة عشرة لمنظمة التعاون الاقتصادي التي عقدت في تركمانستان؛ ووقع البلدان خلال الاجتماع مذكرة حول التحسين الشامل للعلاقات الثنائية واتفقا على عقد الاجتماع السابع لمجلس التعاون رفيع المستوى خلال زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان المقبلة إلى طهران.
مع صعود رئيسي في إيران، بعثت الآمال بفتح فصل جديد في العلاقات بين إيران وتركيا؛ وذلك نظرًا لسياسة “الجيران أولاً” للرئيس الجديد، والتي تهدف إلى تخفيف التوترات بين إيران والدول المجاورة لها مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وفي غضون ذلك، يُنظر إلى الرئيس أردوغان أيضًا على أنه منخرط في إعادة الضبط مع مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وبينما إيران وتركيا يطوران روابط قوية، فإن الحقائق التي تحدد الاتجاه المستقبلي وديناميكيات العلاقات الثنائية أكثر تعقيدًا بكثير.
العلاقات التركية الإيرانية على مر السنين
بشكل عام، يمكن تقسيم العلاقات بين إيران وتركيا خلال العقدين الماضيين إلى أربع مراحل رئيسية وتكون المرحلة الأولى (2001-2010) ، وخلالها نمت صداقة طهران وأنقرة بشكل أقوى مع عدد من التطورات مثل الحرب الأمريكية في أفغانستان ، ودور تركيا الوسيط في الملف النووي الإيراني ، وحادثة أسطول المساعدات مافي مرمرة عام 2010 – وفرت قوة الدفع من أجل أن يتحاذى الثنائي معًا بشكل واضح، بينما في المرحلة الثانية (2011-2015) ، تم استبدال أنماط العلاقات الثنائية الودية بفترة من التنافس الجيوسياسي المكثف ، ويرجع ذلك في الغالب إلى الانتفاضات العربية عام 2011 والحرب الأهلية السورية التي تلت ذلك. في حين المرحلة الثالثة (2016-2017) ، أظهرت العلاقات بوادر تحسن نتيجة معارضة إيران لمحاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا عام 2016 ، والإدانة المتبادلة لموافقة حكومة إقليم كردستان العراق على استفتاء مثير للجدل على الاستقلال في عام 2017 ، و تشكيل عملية أستانا للسلام في سوريا، وخلال المرحلة الرابعة والتي بدءً من (2018 إلى الوقت الحاضر) ، تأرجحت العلاقات بين البلدين بين التعاون والصراع ، ويرجع ذلك أساسًا إلى التوترات حول سوريا والعراق وجنوب القوقاز.
فلا تزال سوريا موضع خلاف حيث أن مصير شمال غرب محافظة إدلب غير مؤكد إذ عززت الهجمات العسكرية التركية في إدلب منذ أكتوبر 2017 أنماط المنافسة بين إيران وتركيا؛ نظرًا لاشتباك الميليشيات المدعومة من إيران مع القوات المدعومة من أنقرة في أواخر فبراير ومارس 2020 في محافظة إدلب.
بالإضافة إلى ذلك، لا يزال شمال العراق مركزًا للتنافس الجيوسياسي الهائل بين الجهات الخارجية وبالأخص في سنجار ، تستخدم إيران وكلائها الشيعة لترسيخ وجودهم العسكري ، في حين تسعى تركيا إلى إخراج حزب العمال الكردستاني -وهو المعترف به كمنظمة إرهابية من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وتركيا- والميليشيات المدعومة من إيران من المناطق المتنازع عليها المنطقة.
وفي جنوب القوقاز تغير الوضع الراهن لصالح تركيا وأذربيجان بسبب حرب كاراباخ الثانية في عام 2020 ، ويُنظر إلى إيران وتركيا على أنهما تتنافسان على بصمة اقتصادية وجيوسياسية أكبر؛ وكنتيجة مباشرة للصراع بين أذربيجان وأرمينيا في عام 2020 ، أصبح لدى إيران مجال محدود بشكل متزايد للمناورة الجيوسياسية شمال حدودها ، بينما اكتسبت تركيا ممرًا بريًا يربط بين أذربيجان وناختشيفان على حساب المصالح الإقليمية لإيران.
ورُغم الوضع المتقلب في مناطق الصراع الثلاث المذكورة أعلاه ، لا تزال استراتيجية التجزئة مناسبة حيث يمكن وصف الوضع الحالي بين طهران وأنقرة بأنه شكل من أشكال التعاون الخلافي ، حيث تعمل القضايا الاقتصادية والمنافسات الجيوسياسية كمبدأ إرشادي يمنع الانتشار السلبي لخلافات معينة في مجالات التعاون الثنائي.
بينما في مجال العلاقات الاقتصادية بين إيران وتركيا، تظل الحقيقة أن استراتيجية التجزئة ساعدت البلدين على تطوير المعاملات ؛ ولذلك فمن المرجح أن استمرارية هذه الاستراتيجية ونجاحها لم تصمد بعد لمجرد أن إيران وتركيا تمكنا من العمل على أساس مبدأ التجزئة في العلاقات الثنائية، فإن هذا لا يعني بالضرورة أن قائمة الخلافات حول الغنائم الإقليمية ستكون قصيرة.
استراتيجية التجزئة
سيعتمد نجاح استراتيجية التقسيم على نتيجة الانفراج بين إيران وتركيا والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية حيث عقدت أربع جولات من المحادثات في بغداد منذ أبريل 2021 لنزع فتيل التوترات التي اندلعت لأول مرة في يناير 2016، عندما هاجم محتجون إيرانيون البعثات الدبلوماسية السعودية في طهران وفي أحدث مؤشر على التقارب بين تركيا والإمارات، التقى أردوغان وولي العهد الإماراتي الشيخ محمد بن زايد في أنقرة في 29 نوفمبر 2021 ووقعا عدة اتفاقيات تعاون واستثمار.
وهناك عامل يضيف نوعًا من التعقيد إلى العلاقات التركية الإيرانية هو قرار إدارة جو بايدن بتقليل البصمة العسكرية للولايات المتحدة في المنطقة فبالنظر إلى أن الولايات المتحدة قد عادت إلى سياسة “الموازنة الخارجية” وأن الشرق الأوسط وشمال إفريقيا غائبان عن قوة تتمتع بقدرات صنع النظام ، فإن احتمالية اختراق تركيا وإيران لمناطق الصراع ستزداد.
في حين أنه قد يكون هناك الكثير من الاختلافات الجيوسياسية بين إيران وتركيا ، فمن المتوقع أن يحافظ كلاهما على استراتيجية التجزئة الخاصة بهما بحيث لا تضر الاختلافات في المصالح على المستوى الإقليمي بشكل لا يمكن إصلاحه بجوهر العلاقات الثنائية.
خلاصة القول: ترتبط العلاقات الإيرانية التركية ارتباطًا وثيقًا بالتأثير على المنطقة العربية للتقارب الجغرافي ولم تكن العلاقات بين إيران وتركيا على نفس الخط بل تراوحت بين التقدم والتراجع عبر أربعة أطوار حيث ظلت القضايا العربية محركًا في العلاقات الإيرانية – التركية كالعراق وسوريا وأمن دول الخليج العربي ولذلك فالدولتان تعتمدان على مبدأ استراتيجية التجزئة في علاقاتها الثناية القائم على فكرة التعاون الغير صريح اقتصاديًا وجيوسياسيًا.