الجزائر وفرنسا.. هل تكون المشاورات السياسية بداية لمرحلة انفراج العلاقات؟
انطلقت أعمال الدورة السابعة للمشاورات السياسية الجزائرية الفرنسية بالجزائر العاصمة على مستوى الأمينين العامين لوزارتي خارجية البلدين، وذلك على مدار يومي 30 و31 يناير برئاسة شكيب رشيد قايد أمين عام وزارة الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج، وفرانسوا دولاتر، أمين عام وزارة أوروبا والشؤون الخارجية من الجانب الفرنسي؛ وتأتي هذا المشاورات للنظر في التطور العام ومستوى الشراكة الثنائية بين البلدين إلى جانب التطرق إلى المسائل الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، وتكون اتصالًا لمكالمة هاتفية بين الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون ونظيره الفرنسى إيمانويل ماكرون بحثا فيها آفاق انعقاد اللجنة القطاعية العليا المشتركة بين الحكومتين.
دلالات تقارب حذر
تعكس هذه المشاورات والتي سبقتها الاتصال الهاتفي بين الرئيسين عودة العلاقات تدريجيًا بين البلدين؛ حيث أنه خلال الاتصال الهاتفي ناقشا الرئيسان العلاقات الثنائية، كما جدد الرئيس الفرنسي الدعوة لنظيره الجزائري لـ”حضور القمة الأفريقية الأوروبية التي تحتضنها العاصمة البلجيكية بروكسل، ويرتبط بذلك مؤشر احتمالية زيارة رئيس الوزراء الفرنسي للجزائر جان كاستيكس التي ألغتها الجزائر أبريل 2021، كما قررت الجزائر إعادة سفيرها إلى فرنسا بعد 3 أشهر من سحبه وذلك مطلع يناير؛ إثر تصريحات للرئيس الفرنسي أثارت غضب الجزائر .
علاقات متأرجحة
العلاقات بين الجزائر وفرنسا ليست مستقرة أو جيدة إلى حد كبير فهى متأرجحة ما بين ذلك وذاك حيث علاقات إيجابية تارة وعلاقات متوترة تارة أخرى حيث:
أولًا- العلاقات المتوترة والتي تعد ثقوفًا في هيكل العلاقات بين البلدين وتتمثل في:
- التصريحات التي أدلى بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والتي أثارت غضبًا جزائريًا على المستويين الرسمي والشعبي والتي فيها السلطات الجزائرية بـ”كن الضغينة لفرنسا”، فيما اتهمت الجزائر ماكرون بـ”التدخل في شؤونها الداخلية”، والتي على إثرها سحبت الجزائر سفيرها من فرنسا اعتراضًا على التصريحات، حيث قالت الرئاسة الجزائرية : “إن تصريحات الرئيس ماكرون تحمل مساسا “غير مقبول” بذكرى شهداء فترة الاستعمار، مشيرة إلى أن جرائم فرنسا الاستعمارية بالبلاد لا تعد ولا تحصى، وتعتبر إبادة للشعب الجزائري”.
وقد كشفت مصادر إعلامية جزائرية عن تعليمات وجهها الرئيس الجزائري بـ”وقع الاتصالات الدبلوماسية بين البلدين وإلغاء الزيارات المتبادلة إلا ما تعلق منها بالاجتماعات الدولية”، ولكن اعتبر في الوقت ذاته بأن انتهاج بلاده “سياسة الندية” مع فرنسا “لا يعني استفزاز باريس”.
في المقابل، اقترح وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان ما أسماه “شراكة طموحة مع الجزائر لتجاوز جروح الذاكرة واستعادة الثقة”، واصفاً ما يحدث بـ”سوء الفهم الذي يحدث من حين لآخر”.
- وفي السياق التأرجح في مسيرة العلاقات قرار وقررت فرنسا فتح أرشيفها المتعلق بالقضايا القانونية وتحقيقات الشرطة في الجزائر خلال حرب الأخيرة ضد الاستعمار الفرنسي؛ حيث اطلاع وزارة الثقافة الفرنسية على كل المحفوظات العامة التي تم إنشاؤها في إطار القضايا المتعلقة بالأحداث التي وقعت خلال الحرب الجزائرية بين الأول من نوفمبر 1954 و31 ديسمبر 1966.
وهي الخطوة التي انقسم إزاءها المراقبون في الجزائر، بين من اعتبرها “عربون تهدئة مع الجزائر”، فيما عده آخرون “ورقة ابتزاز” فرنسي للجزائر لـ”كشف أسرار قد لا ترقى للطرف الجزائري”.
وكان ذلك بعد نحو شهر من زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، أعلن خلالها عن رغبة باريس في استئناف العلاقات الدبلوماسية مع الجزائر، وتعزيز الثقة بين البلدين في كنف السيادة الكاملة لكل بلد.
وأشاد وزير الخارجية الفرنسي على العلاقات التاريخية التي تربط بلاده مع الجزائر، وأشار إلى ذلك بالقول: “الجزائر وفرنسا لديهما روابط عميقة تنشطها العلاقات الإنسانية بين البلدين”.
كما كشف لودريان عن جانب من مباحثاته مع الرئيس الجزائري، قائلا: “خلال حديثي مع الرئيس الجزائي ركزنا على تعاون تترجمه انطلاقة حوار فعلي بيننا كشركاء في ملفات تتعلق بأمن البلدين”، مشيرًا إلى: “التحديات الأمنية التي تواجه البلدين”، مشددًا على أن “الجزائر وفرنسا تواجهان تحديات كبيرة إقليميًا ودوليًا بخصوص الإرهاب في الساحل والهجرة غير الشرعية والقضايا الاقتصادية” فضلًا على ذلك مناقشة الأزمات الإقليمية حيث الملف المالي، حيث أكد أن: “الجزائر تلعب دورا مهماً في ملف المصالحة في دولة مالي”.
- وفي سياق سلسة من التوترات فهناك تاريخ من العلاقات والأزمات التي وقفت في المسار الإيجابي تتمثل في التالي:
- في عام 1995 ألغى الرئيس “الأمين زروال” اجتماعًا كان مخططًا له مع الرئيس جاك شيراك”، وتستمر التوترات بسبب القضايا السياسية المحلية، كما أن الجزائر تعتقد أن باريس تريد القتال على الجانب الجزائري وتحدي جوانب اتفاقات إيفان والاتفاقية الثنائية لعام 1968 والتي تمنح المهاجرين الجزائريين لفرنسا حقوقًا تفضيلية لإعادة التوطين.
- وسياق متصل للأزمات خلال عام 2021 فإنها تتمثل في:
- أزمة “ستورا”
اتفق الرئيسان الجزائري عبد المجيد تبون والفرنسي إيمانويل ماكرون مطلع العام على إنشاء لجنة مشتركة لبحث إشكالات ملف الذاكرة، كُلف به عن الجانب الفرنسي المؤرخ البارز بنجامين ستورا، وبذلك بدأ التوتر حيث رفضت الجزائر في فبراير 2021 لتقرير ستورا الذي وصفته بـ”غير الموضوعي والمنحاز”، وانتقدت عدم “اعتراف فرنسا رسميًا بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي اقترفتها خلال احتلالها للجزائر”، وفق ما جاء على لسان مسؤولين جزائريين،.
- أزمة “كاستيكس”: ألغت الجزائر زيارة رئيس الوزراء الفرنسي “جان كاستيكس“، والتي كانت مقررة في أبريل 2021 وذلك ردًا تقرير ستورا، وأيضًا لأسباب مرتبطة بخلافات الذاكرة، وكذا لرفض باريس تسليم الجزائر مطلوبين لديها، وكذا الأموال المهربة في البنوك الفرنسية من قبل أركان النظام السابق.
- أزمة “عدد التأشيرات”: حدث في نهاية سبتمبر العام الماضي أزمة سُميت بأزمة التأشيرات والتي دفعت الجزائر للاحتجاج، وتكمن في قرار الجزائر تخفيض التأشيرات الممنوحة للجزائريين إلى النصف ، مع منحها لمواطني المغرب وتونس مبررة بذلك برفض هذه الدول إصدار تصاريح قنصلية لاستعادة مواطنيها المتواجدين في فرنسا بشكل غير قانوني.
- أزمة “رقم المهاجرين”: أعلنت فرنسا عن توجها لترحيل نحو 8 آلاف جزائري يقيمون بطرق غير قانونية على أراضيها، ود الرئيس “تبون” على ذلك بأنه”كذبة القرن”، وكشف عن تقديم باريس للجزائر 94 ملفاً فقط لجزائريين مقيمين بطريقة غير شرعية على الأراضي الفرنسية، متهمًا نظيره الفرنسي بـ”استغلال ورقة التأشيرات في حملته الانتخابية.
- أزمة “ماكرون”: وصل التصعيد بين البلدين لمستويات عالية في أكتوبر 2021 عقب تصريحات مثيرة للرئيس الفرنسي أثارت غضباً جزائريًا.
- أزمة “الحركى”: استمرار للتصعيد عقب إقدام الرئيس الفرنسي على تقديم اعتذار من “الحركى” وهم خونة الثورة التحريرية الجزائرية الذين عملوا مع الجيش الفرنسي حيث قدمت الحكومة الفرنسية مشروع قانون أمام البرلمان الفرنسي لتعويضهم والاعتراف بدورهم فيما يسمى بـ”حرب الجزائر”.
ثانيًا- العلاقات الإيجابية:
نشر موقع وزارة الخارجية الفرنسية مؤشرات إيجابية لتطور العلاقات بين البلدين تمثلت في علاقات سياسية واقتصادية ودبلوماسية علمية وثقافية، حيث بالنسبة إلى العلاقات السياسية والاقتصادية فقبل عام 2021 وازدياد حدة التوترات فإن الزيارة قام بها رئيس فرنسا إلى الجزائر في أواخر 2017 عكست الرغبة في توطيد هذه العلاقة وحملت 3 رسائل أساسية وهي، الإرادة المشتركة على المضي قدمًا يدًا واحدة في قضية الذاكرة وتسليم رفات الجزائريين المحفوظة في متحف الإنسان في فرنسا، والدعوة إلى فتح الاقتصاد الجزائري بالتزامن مع دعم الاستثمارات المتبادلة من خلال إنشاء صندوق مشترك، والرغبة في إقامة علاقة تلبي تطلعات جيل الشباب وتعزز التعليم العالي والتدريب المهني.
أما بالنسبة إلى العلاقات الدبلوماسية فقد كان هناك 4 زيارات رسمية خلال عام 2020 حيث زيارات لوزراء الداخلية والخارجية، وفي عام 2019 كان هناك 3 زيارات رسمية لوزيرة العدل الفرنسية ووزير الخارجية، وفي عام 2018، كان هناك 7 زيارات رسمية إلى الجزائر، وفي عام 2017 كان هناك 12 زيارة وهى الأكبر والعام الذي كانت فيه العلاقات على نمط عال من القوة.
هل تتجه العلاقات للانفراج؟
في الحقيقة إن المشاروات التي أجريت منذ الأمس تعكس التقارب بين البلدين وحالة انفتاح العلاقات وذلك بعد حالة التأزم الشديدة التي شهدها عام 2021 ولكن هذا ليس حتميًا للقول بأن العلاقات تتحول للحالة الأكثر متانة؛ نظرًا لأن هناك تاريخ استعماري لا يغفر لفرنسا ولا يجعل الجزائر قادرة على أن تتخطى هذا الأمر ولكن بشكل عام فرنسا لا تريد خسارة الجزائر لأنها ستكون هى المتأثرة من ذلك القرار.
خلاصة القول: كان العام 2021 شوكة في مسار العلاقات الجزائرية الفرنسية فهو عام التصعيد القوي ويقابله عام 2017 والتي كانت فيه العلاقات في أفضل حالها ولكن بشكل العام العلاقات الجزائرية الفرنسية متأرجحة ما بين ذلك وذاك ولا يمكن القول بأن هذه المشاورات والمباحثات بين الرئيسين انتقال وتخطي للتاريخ التوتر، ولكن بالطبع هذا التقارب قائم على المصالح في المقام الأول؛ ففرنسا تريد الحفاظ على مصالحها الاقتصادية مع الجزائر حيث بلغت قيمة الواردات الفرنسية من السلع الجزائرية 4،19 مليار يورو في عام 2019 مسجّلة ارتفاعًا بنسبة 1 % في سنة واحدة، وتتألف 95 % من الواردات الفرنسية من المحروقات أي النفط الخام والغاز الطبيعي والوقود، وتتبدّل قيمتها كثيرًا وفق سعر برميل النفط وذلك طبقًا لإحصاءات موقع وزراة الخارجية الفرنسية، وبشكل عام لن تصل العلاقات بين البلدين إلى مرحلة القوة ولا ستكون في مرحلة العداوة دائمًا؛ لأن العلاقات الدولية تقوم على مبدأ المصالح، ولكنها ستكون علاقات عادية متباينة من حين لآخر.