سوريا.. “إدلب” ساحة ملتهبة
نفذّت طائرات مروحية تابعة للتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية عملية إنزال جوي في مدينة إدلب شمال غرب سوريا قرب الحدود مع تركيا وهى ليست المرة الأولى ولكنها الأكبر وقد أعقبها اشتباكات عنيفة.
وقد كشف البنتاغون في بيان له أن: “العملية جاءت لمكافحة الإرهاب في تلك المنطقة”، مؤكدًا اعتقال عناصر إرهابية متطرفة”، وفي هذا السياق يناقش التقرير التالي تطورات الأوضاع في إدلب كالتالي:
حيثيات العملية
لقد كشفت بعض الصحف الأمريكية كصحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية وصحيفة “وول ستريت جورنال” وذلك نقلًا عن مسؤولين أميركيين، أن هدف العملية كان استهداف شخصية كبيرة من تنظيم القاعدة في إدلب، وذلك أعقاب تصريحات المرصد السوري لحقوق الإنسان، عن: ” أن مروحيات تابعة للتحالف نفّذت أكبر عملية إنزال حتى الآن، قرب مخيمات “أطمة” شمال سوريا.
واعتقلت مطلوبين إرهابيين لم تتضح هوياتهم بعد، موضحًا أن الاشتباكات دامت لساعات ولا تزال مستمرة إلى الآن، مؤكدًا أن: “عملية الإنزال قرب أطمة هي الأكبر للتحالف منذ العملية التي نفذتها القوات الخاصة الأميركية في إدلب وأدت إلى مقتل زعيم تنظيم داعش أبو بكر البغدادي في 27 أكتوبر2019، كما أن منطقة أطمة تحتوي العديد من مخيمات النازحين يتخذ منها الإرهابيون مقرًا لهم.
وفي وقت سابق كان الجيش الأميركي قد أعلن في 23 أكتوبر مقتل القيادي البارز في تنظيم القاعدة عبد الحميد المطر، في غارة شنتها في شمال سوريا، حيث أن المتحدث باسم القيادة المركزية للجيش الأمريكي “جون ريغسبي”.
وقد أكد في بيان أن: “القاعدة لا تزال تشكل تهديدًا للولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها، كما أن التنظيم يستخدم سوريا كإنطلاقة لإعادة تشكيل نفسه والتنسيق مع أذرعه الخارجية، واتصالًا بذلك تجدر الإشارة إلى أن هيئة تحرير الشام تسيطر على ما يقرب من نصف مساحة إدلب، وذلك بجانب جماعات وفصائل أخرى كفصيل “حراس الدين” والمرتبط بالقاعدة.
الجماعات الجهادية في إدلب
تحتل إدلب أهمية كبرى في أنها معقل لفصائل المعارضة المسلحة فهى تضم حوالي 40 فصيلًا مسلحًا وأقوى هذه الجماعات جبهة النصرة وهو تحالف سابق لتنظيم القاعدة وهو الآن تحت لواء “تحالف هيئة تحرير الشام”، وإلى جانب ذلك جيش البادية والملاحم وهما فصيلان انشقا عن هيئة تحرير الشام عام 2017 وذلك بعد انفصالها عن تنظيم القاعدة، وبالإضافة إلى ذلك الحزب التركستاني الإسلامي وهو جماعة موالية لتنظيم القاعدة أيضًا، نشأ في الأصل في منطقة شينجيانغ شمال غرب الصين ولكنها كان لها وجود في سوريا.
وقد قاتل الحزب مع الأطراف الجهادية والمعارضة، بجانب ذلك تنظيم “داعش” والذي كان له حضور واضح في إدلب وقد استطاع التنظيم السيطرة على مناطق من “هيئة تحرير الشام” ، ومن الفصائل الموجودة أيضًا فصيل حركة أحرار الشام، والتي قد استولت هيئة تحرير الشام على قواعدها في منطقة إدلب، علاوة على ذلك حركة “نور الدين زنكي”، وحركة “جيش الأحرار، فيلق الشام، جيش العزة والذي قد تأسس أوائل عام 2012.
وتعد هذه الجماعة الإرهابية واحدة من أقوى الجماعات الموجودة في إدلب، إضافة إلى ذلك تنظيم “حراس الدين” وهو جماعة متمردة ترتبط بتنظيم القاعدة ، وجماعة أجناد القوقاز، ألوية الفتح، جماعة أنصار الدين، وكتائب الإمام البخاري، وأيضًا يوجد الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا وقد تأسس عام 2017 واتخذ من من محافظات إدلب وشمال حماة ويتألف من عدة فصائل وهى: الجبهة الشامية، لواء شهداء بدر، أحرار الشرقية، وأحرار الشام.
لماذا الصراع في إدلب؟
رُغم أن إدلب مدينة صغيرة إلا أنها محور الصراع بين قوى إقليمية ودولية كتركيا وإيران وروسيا والولايات المتحدة فلكل دولة منهم لها مصالح خاصة في المحافظة فهى منطقة حيوية تقع على قرب من الحدود التركية، وبها طريق بري يربط كل من الأردن وسوريا بتركيا، كما أنها منطقة حيوية جغرافيًا نظرًا لموقعها على البحر المتوسط وفيما يلي بيان دوافع الصراع بين هذه الدول في إدلب كالتالي:
1-تركيا: تنتشر القوات التركية في إدلب على شكل نقاط مراقبة ؛ وذلك تنفيذًا لاتفاق خفض التصعيد، بينما تسيطر روسيا، وهي الحليف الأكبر لدمشق، على المجال الجوي، وقد طلبت تركيا في وقت سابق من روسيا الضغط على نظام “بشار الأسد” لوقف الهجوم تخوفًا من حركة نازحين إليها، كما أن تركيا لديها مخاوف من استغلال الأكراد السوريين التطورات لبسط نفوذهم عند سقوط إدلب.
ولذا تعد تركيا داعمًا كبيرًا لفصائل المعارضة ، إلى جانب ذلك فأنه في حالة دخول إدلب تحت سيطرة النظام وروسيا مع غياب تركي قد تتعرض المكتسبات التي جنتها تركيا من عمليات نبع السلام وغصن الزيتون ودرع الفرات للخطر، ولهذا تستمر تركيا في التواجد في إدلب لضمان مصالحها ومنع السيناريوهات المحتملة المتوقعة.
2-روسيا: لروسيا مصالح اقتصادية كبيرة حيث ميناؤها البحري في طرطوس والذي يعد المنفذ الوحيد لروسيا في البحر المتوسط ، وكذلك قاعدة حميميم الجوية، التي تم إنشاؤها حديثًا في الشمال الغربي، وهي القاعدة الروسية الوحيدة في الشرق الأوسط، وبالإضافة إلى ذلك أقر البرلمان الروسي اتفاقية مفتوحة تسمح لروسيا بتحريك البضائع والأفراد داخل وخارج سوريا بدون تدخل من السلطات السورية.
وليُعلن بذلك عن اتفاقية سرية كانت سارية لمدة عام، وأيضًا وجود قوات روسية خاصة وآلاف الروس العاملين لصالح شركات الأسلحة، وكانت روسيا قد أعلنت على لسان وزير خارجيتها سيرغي لافروف أن مهمتها الرئيسية في سوريا الآن “تدمير جبهة النصرة”.
3-إيران: وتعد داعمًا أساسيًا إلى جانب روسيا لنظام “بشار الأسد “، فتبحث عن نصر آخر لها بعد هزائم متتالية يتكبدها حلفاؤها الحوثيون في اليمن، كما أنها تحاول امتصاص غضب المواطنين في الداخل بسبب الأوضاع الاقتصادية ومحاولة إثبات أنها لم تنفق أموالها في سوريا دون فائدة.
كما أن الوجود الإيراني في سوريا يعد منافسًا للوجود الروسي فهى استطاعت أن يكون لها وجود اقتصادي وعقاري وهذا يرتبط بهدفها الأول في سياساتها الخارجية وهو نشر أيديولوجيتها فهى اتخذت من الجانب الاقتصادي غطاءً، حيث أنشأت الجمعيات وعمليات التشيع وشراء عقارات يمكن فيها إجراء التدريبات للقواعد العسكرية لمقاتلي الميليشيات القادمين من العراق وباكستان ولبنان وأفغانستان.
4-الولايات المتحدة: هدف الولايات المتحدة الحد من نفوذ إيران في سوريا والذي تعتبره أكبر تحدي لها في سوريا وبالتالي يمثل خطرًا على الوجود الأمريكي والمصالح الأمريكية، وأيضًا الوجود الأمريكي يخلق حالة من التوزان الروسي المتواجد على شواطيء البحر المتوسط ، كما يضمن هذا الوجود لها مكاسبها في العراق وبالتالي استمرار التواصل مع حلفائها في العراق كما يسهل عليها محاربة تنظيم داعش في مراكزه في العراق.
سيناريو محتمل
تواجه إدلب مجموعة من التحديات تتمثل في الغارات التي تشنها الولايات المتحدة من جهة وسيطرة الجماعات المسلحة من جهة أخرى والصراع بين القوى الإقليمية والدولية وهذا يهدد الأفراد والدليل على ذلك وجود ملايين النازحين فهذه الغارة تؤدي إلى مزيد من النازحين وبالتالي ضغط اقتصادي أكبر على تركيا.
وبالتالي فإن الولايات المتحدة في غارتها لم تكن جادة في محاربة الإرهاب الدولي بل هي تعمل على محاربة تنظيم القاعدة التي يشكل هاجسًا لها منذ أحداث 11 سبتمبر 2001، وبالتالي من المتوقع زيادة تصعيدات حيث مخاوف روسية وتركية من سيطرة التدخل الأمريكي فبهذه الغارات الولايات المتحدة تمارس ضغوطًا على روسيا والحكومة السورية.
خلاصة القول: الوضع في إدلب معقد حيث أنه مشهد يتداخل فيه عوامل داخلية وإقليمية ودولية وبالتالي ستكون إدلب دائمًا مرهونة بالتوازنات الدولية بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا من جهة وتوازنات إقليمية حيث تركيا وإيران من جهة أخرى، وبالتالي ستكون إدلب مكان الصراع الدائم في سوريا ما لم تستطيع الحكومة السورية بسط سيطرتها.