برعاية أممية.. مباحثات ليبية في تونس لإقرار قاعدة دستورية للانتخابات
بعد قرابة 3 أسابيع من طرح مبادرة تتمثل في اختيار 12 عضوًا من مجلسي النواب وما يعرف بـ"الأعلى للدولة"، لا يزال التفاعل حول المبادرة الأممية سيد الموقف بليبيا، خاصة بعد الكشف عن موعد عقد أول الاجتماعات بشأنها.
فالمبعوثة الأممية إلى ليبيا ستيفاني ويليامز، اقترحت في 3 مارس/آذار الجاري، مبادرة تتمثل في اختيار 12 عضوًا من مجلسي النواب وما يعرف بـ"الأعلى للدولة"، لتشكيل لجنة تجتمع لمدة 15 يومًا؛ لإرساء قاعدة دستورية جديدة لليبيا، تجرى على أساسها الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي تعذرت إقامتها في 24 ديسمبر/كانون الأول الماضي.
إلا أنه بعد أسابيع من طرحها و"هرولة" ما يعرف بـ"الأعلى للدولة"، لموافقته عليها، ومع "صمت" البرلمان الليبي حتى اللحظة عن التفاعل معها بشكل رسمي، أعلنت ويليامز، إجراء محادثات مشتركة بين المجلسين هذا الأسبوع في تونس، بهدف التوصل إلى صياغة وإقرار قاعدة دستورية توافقية، تجرى على أساسها الانتخابات.
الإعلان الدستوري الليبي
إعلان ويليامز وضع الكثير من التساؤلات حول إمكانية مشاركة البرلمان فيها، خاصة أن 93 نائبًا أبدوا في خطاب للبعثة الأممية والسفارات الدبلوماسية في ليبيا اعتراضهم عليها، واصفين إياها بـ"المسار الموازي".
ورغم تلك التساؤلات حول مشاركة البرلمان، إلا أنها لم تكن الشغل الشاغل لليبيين والمراقبين للأوضاع، وخاصة أن مجلس النواب يؤيد أية خطوات من شأنها حلحلة الأزمة بليبيا؛ بل إن ما "يؤرق" الجميع هو آلية إلزام ما يعرف بـ"الأعلى للدولة" بنتائج تلك المباحثات، بالإضافة إلى بعض "التشكيكات" في أن تقود إلى انفراجة محتملة.
وفي شهر فبراير الماضي، تم الموافقة على الإعلان الدستوري بأغلبية مطلقة.
وكان الإعلان ينص على تشكيل لجنة من 24 عضوا يمثلون المناطق الجغرافية الرئيسية الثلاث في البلاد ويتم ترشيحهم "مناصفة" بين البرلمان والمجلس الأعلى للدولة.
وانطلقت أعمال جلسة مجلس النواب، المخصصة لاختيار رئيس حكومة جديد بحضور 132 عضوا.
وفي 7 فبراير، قال مجلس النواب الليبي، ومقره شرق البلاد، إن الانتخابات لن تُجرى هذا العام، وإنه سيختار رئيس وزراء جديدًا مؤقتًا.
وصوّت المجلس لصالح اعتماد خريطة طريق سياسية يعمل عليها منذ انهيار عملية الانتخابات التي كانت مقررة في ديسمبر الماضي، بسبب خلافات حول قواعد التصويت والأسس الدستورية.
وذلك يعني أن ليبيا تتجه نحو انقسام جديد بين إدارتين متنافستين متحاربتين أو إلى مرحلة أخرى من المفاوضات حيث تعيد النخبة السياسية والعسكرية تشكيل تحالفاتها للاحتفاظ بالسلطة.
ومع ذلك، فإن الخلافات بشأن شرعية الحكومة وكيف ومتى يجب إجراء الانتخابات تهدد بتقويض السلام الهش الصامد في ليبيا منذ انهيار هجوم قوات شرق البلاد على طرابلس في صيف عام 2020.
أزمة حقيقية
وحول سر توقيت عقد المباحثات، قال المحلل السياسي نفسه، إن ويليامز تواجه أزمة حقيقية في استمرارها مبعوثة أممية لليبيا، وهو ما بدا واضحًا في حالة عدم التوافق عليها في مجلس الأمن، مشيرًا إلى أنها تسارع الخطى للخروج بنتائج حقيقية قبل مطلع شهر إبريل/نيسان المقبل.
وبحسب المحلل الليبي، فإن نتائج الاجتماعات المرتقبة لن تكون بديلا عن مسار الحكومة الجديدة وتمكينها من أداء مهامها، مشيرًا إلى أن أن النقاشات تدور بالكامل حول العملية الدستورية، وأن مسألة تشكيل حكومة جديدة هو مسألة سيادية ليبية.
وأكد حرص وزارة الدفاع الليبية على التعاون الإيجابي مع دول الجوار والشقيقة؛ لضمان استقرار ليبيا ومكافحة التهديدات الإقليمية والدولية كالإرهاب والجريمة المنظمة والاتجار بالبشر والهجرة غير القانونية.
وفي 23 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وقعت اللجنة العسكرية الليبية المشتركة (5+5) اتفاقًا للوقف الفوري لإطلاق النار.
ونص الاتفاق على إخلاء جميع خطوط التماس من الوحدات العسكرية والمجموعات المسلحة بإعادتها إلى معسكراتها، بالتزامن مع خروج جميع المرتزقة والمقاتلين الأجانب من الأراضي الليبية برا وبحرا وجوا في مدة أقصاها ثلاثة أشهر.
وكذلك تجميد العمل بالاتفاقيات العسكرية الخاصة بالتدريب في الداخل الليبي، وخروج أطقم التدريب إلى حين تسلم الحكومة الجديدة الموحدة لأعمالها.
كما نص على تشكيل قوة عسكرية محدودة العدد من العسكريين النظاميين تحت غرفة يتم تشكيلها من قبل اللجنة تعمل كقوة تساهم في الحد من الخروقات المتوقع حدوثها، على أن توفر الموارد اللازمة لتشغيلها من كل الأطراف والجهات.
إعلان ويليامز وضع الكثير من التساؤلات حول إمكانية مشاركة البرلمان فيها، خاصة أن 93 نائبًا أبدوا في خطاب للبعثة الأممية والسفارات الدبلوماسية في ليبيا اعتراضهم عليها، واصفين إياها بـ"المسار الموازي".
ورغم تلك التساؤلات حول مشاركة البرلمان، إلا أنها لم تكن الشغل الشاغل لليبيين والمراقبين للأوضاع، وخاصة أن مجلس النواب يؤيد أية خطوات من شأنها حلحلة الأزمة بليبيا؛ بل إن ما "يؤرق" الجميع هو آلية إلزام ما يعرف بـ"الأعلى للدولة" بنتائج تلك المباحثات، بالإضافة إلى بعض "التشكيكات" في أن تقود إلى انفراجة محتملة.
موعد اللقاء الصعب
كثفت المنظمات الإقليمية والدولية والدول المعنية تحركاتها لمنع انزلاق ليبيا إلى صراع جديد، يقطع الطريق على تسلم الحكومة الجديدة عملها، وبدء صفحة جديدة تلملم جراح البلد المضطرب منذ 2011.
ويجري رئيس الحكومة السابق عبد الحميد الدبيبة، قد محادثات مباشرة مع رئيس الحكومة الجديد فتحي باشأغا، لحل الأزمة السياسية في البلاد".
والدبيبة وباشاغا أبديا ردود فعل إيجابية، مضيفة أن الشيء الجيد هو أن الجميع مستعد للمشاركة في حوار بنّاء.
وفي وقت سابق كان هناك مباحثات مهمة قادتها ويليامز، أدت لاتفاق بين الدبيبة وباشأغا لعقد لقاء مباشر لبحث الأزمة.
وقاد السفير الأمريكي لدى ليبيا، ريتشارد نورلاند، دفة مباحثات شملت الاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي وبعض الدول العربية، فضلا عن مباحثات مع أطراف داخل ليبيا لمنع تصاعد الموقف في البلاد الغارقة في الفوضى منذ 2011.
وحث جميع الأطراف المشاركة في المباحثات الجهات التشريعية على إنجاز قوانين الانتخابات الجديدة دون تأخير.
دلالة التوقيت
ووفق المحلل السياسي الليبي إبراهيم الفيتوري، فالأزمة الأوكرانية تسببت في انشغال القوى الدولية الفاعلة عن ليبيا، وهو ما أثار مخاوف الليبيين من استغلال أطراف بعينها الفرصة لتنفيذ ما يحلو لها داخل البلاد.
وما يحدث في ليبيا لا يقل أهمية لأمن بعض الدول مما يحدث في أوكرانيا، لأن تداعيات انزلاق ليبيا للفوضى سيتردد صداه في كل المنطقة وإفريقيا.
ومَن يصعّدون الخلافات بأن الأزمة الروسية الأوكرانية تلقي بظلالها على ليبيا، فيما يخص أمن وأسعار السلع والتموين، فإذا أضيف لذلك انزلاق البلد لأزمة سياسية جديدة قد يهددها بحالة الفشل الكامل، وتعود لسنة 2014 حين اختفت المواد الغذائية والسيولة من البنوك.
ويقول الباروني لموقع "سكاي نيوز عربية" بخصوص التحرك الدولي الآن إنه "بالتأكيد في صالح ليبيا لتثبيت السلام وقطع الطريق على من يريدون زعزعة الاستقرار"، لافتا إلى أن تواصل واشنطن مع باشاغا أخيرا ينبئ عن إلى أين تتجه الدفة الدولية الآن.
فترات انتقالية
مرت ليبيا بعدة فترات انتقالية ظاهرية خلال عشر سنوات من الفوضى العنيفة بعد انتفاضة 2011 التي دعمها حلف شمال الأطلسي ضد معمر القذافي. وسُمح للعديد من القادة السياسيين بالبقاء في مناصبهم طوال العملية.
وتتألف هيئة أخرى، المجلس الأعلى للدولة، من أعضاء برلمان انتقالي سابق يعود إلى عام 2012، وتم إنشاء المجلس من خلال اتفاق سياسي عام 2015 يستهدف إنهاء الحرب الأهلية.
كما اختيرت الإدارة الانتقالية الحالية، حكومة الوحدة الوطنية، من خلال عملية دعمتها الأمم المتحدة في 2020 و2021 كان من المستهدف أن تنتهي بانتخابات لاستبدال جميع المؤسسات السياسية الليبية.