د.حسام ﮔصّاي يكتب: عدو الأديان (فلسفة الدين عند فولتير)
فرانسوا ماري آروويه أو المعروف باسم "فولتير" كاتب وفيلسوف فرنسي عاش في عصر التنوير (1778 - 1694) وذاع صيته بسبب سخريته الفلسفية الظريفة ودفاعه عن الحريات المدنية خاصة حرية العقيدة، كان من أكبر المدافعين عن الحرية ومن أكبر أعداء التطرف الديني، ويعده المؤرخون من أهم منظّري الثورة الفرنسية ورمزا لعهد التنوير الأوروبي.
كان مدافعًا صريحًا عن الإصلاح الاجتماعي على الرغم من وجود قوانين الرقابة الصارمة والعقوبات القاسية التي كان يتم تطبيقها على كل من يقوم بخرق هذه القوانين، وباعتباره ممن برعوا في فن المجادلة والمناظرة الهجائية، فقد كان دائمًا ما يحسن استغلال أعماله لانتقاد دوغما الكنيسة الكاثوليكية والمؤسسات الاجتماعية الفرنسية الموجودة في عصره.
قام فولتير بدراسة التاريخ؛ خاصة تاريخ الشعوب التي أسهمت في بناء الحضارة حتى الوقت الذي كان يعيش فيه، وعمل على دراسة الفلسفة خاصةً الفلسفة الميتافيزيقية ذلك الفرع من الفلسفة الذي كان يتعامل مع الأمور بعيدة المنال والتي لا يمكن إثباتها بطريقة مباشرة، كيفية الحياة وماهيتها، ووجود الله أو عدم وجوده، وما يشابه ذلك من موضوعات.
قام فولتير بتحليل الكتاب المقدس في محاولة لاكتشاف مدى صحة أفكاره في العصر الذي كانا يعيشان فيه وانعكست آراءه النقدية في إيمانه بوجوب فصل الكنيسة عن الدولة وكذلك بحرية العقيدة، كان كحال فلاسفة التنوير كان مؤمنا بالله ولكنه غير مؤمن بالأنبياء، لأنه يعتقد أن "الله لا يحتاج للأنبياء لكونه داخل كل قلب وداخل كل فكر".
وقد عد فولتير نفسه مؤمنًا بمذهب الربوبية، فقد كان لا يعتقد في أن الإيمان المطلق بالله يحتاج إلى الاستناد على أي نص ديني محدد أو فردي أو على أي تعاليم تأتي عن طريق الوحي، وفي حقيقة الأمر، كان تركيز فولتير ينصب على فكرة أن الكون قائم على العقل واحترام الطبيعة؛ وهي الفكرة التي عكست الرأي المعاصر له والذي كان يعتقد في وحدة الوجود، وقد نالت هذه الفكرة حظًا وافرًا من الرواج بين الناس خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر وكتب لها الاستمرار في الوجود في شكل من أشكال الربوبية المعروفة في عصرنا الحالي باسم "وحدة الوجود" من منظور فولتير.
كتب فولتير متسائلاً: "ما الإيمان؟" فهل هو أن نؤمن بما نستطيع أن نراه واضحًا أمام أعيننا؟ لا، فمن الواضح تمامًا لعقلي إنه من الضروري وجود كيان خالد رفيع المنزلة عاقل ذكي، فالأمر عندي لا علاقة له بالإيمان، ولكنه مرتبط بالعقل" تماماً.
النصوص الدينية المسيحية
وفيما يتعلق بالنصوص الدينية المسيحية، يعتبر فولتير الكتاب المقدس بأنه أولاً مرجع قانوني و/أو أخلاقي عفا عليه الزمن، وثانيًا: هو نوع من أنواع الاستعارة اللغوية، ولكنها استعارة تحمل في طياتها القدرة على أن تعلمنا دروسًا مفيدة، وثالثًا، هو عمل من صنع الإنسان، هذه المعتقدات قد أكسبته سوء السمعة في أوساط المنتمين إلى الكنيسة الكاثوليكية واعتبروه مصدراً للإزعاج، لأن أفكاره كانت معروفة للجميع وفي كل البلاد، لكنها بالوقت نفسه أكسبته شهرة واسعة وكبيرة في مجال فلسفة الدين.
وفي نقده للديانات السماوية الثلاث، بدرجة أقل للإسلام، كاد أن ينطبق عليه وصف "عدو الأديان" من خلال الفلسفة الدينية التي حض على تعرّيتها بنوع من السف والتشيؤ بالقدر الذي قد يناسب "فكرة الإلحاد" وخاصة وأنه أبرز رواد التنوير الأوروبي المتلازم للتحرر العقدي والمدني من كل القيود.