د. رائد العزاوي يكتب: كيف يمكن استعادة الهوية الوطنية العراقية؟
يمر العراق بأزمة سياسية تكاد أن تذهب البلاد إلى طريق مجهول، فالخلافات السياسية وصلت إلى حد تلويح بعض القوى السياسية إلى استخدام الشارع، او مطالبة قوى خارجية للتوسط لتقريب وجهات النظر بين الفقراء السياسين.
كل هذا والشارع العراقي وصل الى حالة من الثقة ان هناك بعض الاشخاص المتصدين للعمل السياسي ، لم يعد يهمهم العراق ولا مصلحة حتى ناخبيهم ، وكل هذا بسبب غياب الهوية الوطنية لدى هذا البعض الذي تماهى مع مشاريع متعددة منها ما هو قومي او ديني او عشائري او حزبي ، ولاخطر من هو يناغم المشاريع الاقليمية.
لقد غابت الهوية الوطنية عن بعض السياسين في العراق، للكثير من الأسباب، أهمها غلبة النزعة الدينية والقومية والقبلية "العشائرية" للفرد والجماعة، وتنوع واختلاف الانتماءات الدينية "الطائفية، والانقلابات العسكرية والصراعات المريرة والدموية بين الأحزاب القومية والأممية والأسلامية والميليشيات التابعة لبعض منها إضافة إلى نشوء مافيات وعصابات الجريمة المنظمة.
ولم يقتصر الأمر على العوامل الداخلية وفقط، بل تعدى لأخرى خارجية، تمثلت بالأطماع والمخططات والمصالح الإقليمية والدولية المتناحرة على إطالة مدة هذه الأوضاع الاستثنائية التي سادتها مؤامرات استمرار الانقسامات والتشرذم بسبب موقع العراق الاستراتيجي وامتلاكه لثروات هائلة طبيعية وبشرية وحضارية، حولته إلى ساحة حروب وتصفية حسابات على مدي قرون وعهود.
وعلى الرغم من غياب الهوية الوطنية عن البعض كما قلنا، إلا أن الأغلبية الوطنية والمواطن الوطني هو من يحمل (العراق) في قلبه وفكره بغض النظر عن تنوع وتعدد أطيافه، والذي يشمل كل "طبقات وشرائح المجتمع، ناهيك عن الأرض والجغرافية والتاريخ وبالتأكيد "الحاضر والمستقبل"، أساسها استقلال القرار السياسي، والسيادة والهوية الوطنية، التي لم تتبلور أو تترسخ بعد في أذهان بعض العراقيين بسبب الحروب وعدم الاستقرار لعقود طويلة "منذ تأسيس الدولة العراقية في العام ١٩٢١"، والصراعات والقتل والتهجير لمكوناته السكانية الأصيلة وتدمير آثاره الحضارية.
حالة عدم الاستقرار التي بمجموعها مفاصل مهمة تحفز "حركة اجتماعية" إيجابية، حيث سيتم احتوائها بفعل الصراع الطبقي "العامل الاقتصادي" وهو ما يجري الآن "بين الفقراء والطبقة السياسية الفاسدة "الطفيلية-الثرية" القابضة على السلطة التي تكونت بعد الأحتلال عام ٢٠٠٣، لذلك عانينا بمرارة وسنشهد ظهور صراعات محتدمة بين فئات وشرائح المكون "الديني او الطائفي او العرقي" فيما بينها أو على انفراد.
ومن أمثلة الصراعات، الصراع الطائفي "التكفيري!" الذي أفضى الى حالات الاقتتال بين المسلمين أنفسهم، ولم يعد جديداً، والصراع بين أبناء الطائفة الواحدة "سني-سني" و "شيعي-شعي"، بسبب تمركز الثروات بيد اقلية صغيرة جدا من الأغنياء "طبقة طفيلية متوحشة" غير منتجة من "الهمج!"، وبقاء الأغلبية الفقيرة التي تعاني من البطالة والجوع والمرض والتخلف وسوء الخدمات.
الصراعات المتجددة
ولا ننسى الصراعات المتجددة، "قديم-جديد" بين أبناء القومية الواحدة "البرجوازية الوطنية والاقطاع" وبين غالبية الشعب العرقي الذي يطمح إلى الاستقلال من جهة وتحسين وضعه الاجتماعي من جهة أخرى، وهذا ما نشاهده الآن كما في العقود الأخيرة في إقليم كردستان العراق بين الأحزاب المهيمنة على السلطة والثروات من جهة والشرائح الكادحة والفقيرة من الشعب الكوردي.
ولهذه الأسباب وغيرها ولأهمية الانتماء للوطن ومباديء الثوابت الوطنية والرغبة لدى الجميع بالعيش والتمتع بمستلزمات حياة حرة كريمة في بلد مستقر آمن من ناحية، وتحت ظل نظام عادل وبمؤسسات مدنية تتغلب على كل "الانتماءات الفرعية!" آنفة الذكر، من ناحية، والتوزيع العادل للثروة وخلق آفاق التطور "الاجتماعي-التربوي-العلمي-المعرفي-التكنولوجي" نحو الازدهار الاقتصادي من ناحية أخرى، يعد أفضل السبل للوصول إلى قناعة راسخة بالجامع الوطني الديمقراطي المتعدد الانتماءات الدينية والمذهبية والعرقية والفكرية.
وفي ظل الظروف "الذاتية" الناضجة الآن، مع توفر العوامل والمحفزات "الإقليمية والدولية الضاغطة"، نكرر وباستمرار دائمًا مقولة: "أننا بحاجة ماسة إلى إحداث ثورة اجتماعية علمية سلمية لبناء مؤسسات "دولة المواطنة الحقيقية".
إذا حققنا هذه الأسباب ووفرنا الظروف المعيشية السبقة، يمكننا فعلاً تحقيق السلم المجتمعي بمحاربة كل مظاهر التسلح خارج سلطة الدولة، وحل الميليشيات، وفصل الدين عن السياسة، وربما عن المؤسسات المهنية المستقلة "مؤسسات الدولة!".