مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

د. مصدق العلي يكتب: حديث في الاقتصاد العراقي

نشر
الأمصار

أثناء بحثي في اوراقي القديمة التي كنت اعدها للنقاش مع بعض من تسنموا مناصب في وزارات الطاقة والتخطيط، عثرتُ على نقاشات  كتبتها عام 2012 ولم ترى طريقها الى القراء او الى مخططات الوزارات، و لازالت موضوعاتها حديث الشارع ولم تُحل بعد 10 سنوات، لذا وبحلول اليوبيل البرونزي لكتابة هذه النقاشات اضعها بين يديك عزيزي القارئ.
النفط والاقتصاد

تعد الطاقة وبمصادرها المتنوعة محركا اساسيا للتجاذبات الدولية على خارطة العالم الثالث ونذكر بالخصوص النفط. النفط ذلك السائل الاسود المخضر الذي يتحول بدوره الى محرك لمفاصل مختلفة من قطاعات المجتمع، فمن التدفئة الى النقل ومرورا بتحوله الى صيغ اخرى من الطاقة وبالخصوص الطاقة الكهربائية، وبذلك يعد مصدر ربحي للدول المصدرة له وخاصة العراق فهو عمليا يعد مصدر هائل للدخل وبدون خسائر تذكر.
لكن اعتبار النفط مصدر رئيسيا للدخل وبالذات بالنسبة للدول التي في مقدرتها ان تجد مصادر موازية للدخل كالعراق، يعد هذا الامر على المستوى المنظور مؤثرا على الاقتصاد بشكل سلبي ويخلق مشاكل قد تكون صعبة الاصلاح على المستوى الاستراتيجي، وكذلك امثلية استخدام النفط على المستوى المحلي قد يكون لها اثر اكثر بكثير على الاقتصاد الوطني. 

اما عن تأثير الادمان النفطي في تخطيط الموازنات المالية في الدولة العراقية و في تحذير للسيد نائب محافظ البنك المركزي مظهر محمد صالح الذي ادلى به لوكالة العراق الإخبارية، حذر من اعتماد العراق على النفط كمصدر رئيس للدخل الوطني، واكد ان التنوع في مصادر الدخل تعطي المنعة للاقتصاد العراقي من التذبذبات الاقتصادية المرتبطة بتذبذب اسعار النفط  بالدرجة الاساس، ومضاربات البورصة بالدرجة الثانية. ان النفط كمصدر دخل للحكومة العراقية يشكل جانبا من القوه للعملة العراقية كون غطاءها المعتمد عمليا على الاحتياطي النفطي والصادرات النفطية يتيح لها الاستمرار على الرغم من الكم الهائل من النقد الورقي الذي يسري الان في الاسواق العراقية، مقللا من تأثير النقص المتراكم في كمية الغطاء بالعملات الصعبة والمعادن الثمينة. 

لكن عدم التخطيط لتنويع مصادر الدخل الان في وجود واستمرارية هذا المصدر المهم سيشكل خطرا مستقبليا على الأجيال القادمة. لذا فان الاتكالية على ما يوفره النفط من دخل والتي جعلته ربما المصدر الاوحد تؤدي الى الاضرار الخطير في التخطيط والتنفيذ للبنى الأمنية العراقية كالأمن الغذائي والامن الاقتصادي جاعلة الشعب العراقي بدون اي حماية ازاءالتأثيرات والتغيرات السياسية في المحيط الاقليمي وحتى التغيرات الطفيفة في الداخل العراقي.

الكهرباء والاقتصاد

إن النقص الحاصل في تجهيز الطاقة الكهربائية وهو الوضع الشاغل للمواطن العراقي على مدى عقود، ادى الى اللجوء الى الحلول البديلة وهي التجهيز البديل للطاقة الكهربائية بواسطة المولدات الشخصية او المولدات الاستثمارية، والمتزامن مع الاستيراد المستمر لااجهزة واطئة الاستهلاك للطاقة وذات قابلية تحمل للرداءة في التجهيز الكهربائي لكنها رديئة النوعية ايضا.

من ناحية استهلاك الوقود فيقدر قيمة ما يستهلك من وقود الكاز "السولار" لمولدات الطاقة الخاصة (الاستثمارية) في المناطق السكنية بحوالي 68 مليون دولار على الاقل في الشهر الواحد. اي ما يعادل 800 مليون دولار في السنة وهذا ينعكس على المواطن حيث انه يدفع مالايقل عن ثلاث اضعاف هذا المبلغ اي مايعادل مليارين ونصف المليار دولار. اما بالنسبه للمولدات المنزلية او الشخصية فيقدر قيمة ما تستهلكه من وقود لمبالغ قد تصل الى 14 مليون دولار يوميا اي مايعادل 5 مليارات دولار سنويا.

بالاضافة الى كلفة التقادم السريع للاجهزة الكهربائية الناتج عن سوء التجهيز للطاقة الذي يشكل في أحسن الاحوال 10% من قيمة الاجهزة وكذلك الصيانة المستمرة لاسلاك نقل الطاقة و"الجوزه" الخ. 

ومن الجدير بالذكر ان قطاعا سوقياً جديد قد أُستُحدِث واضيف الى قطاعات الاسواق الاستهلاكية  في العراق ويتمحور هذا السوق حول توفير المولدات وقطع الغيار ومستلزمات نقل الطاقة (الاسلاك والقواطع الكهربائية الخ) وتوفير الوقود اللازم مما فتح فرص عمل جديدة. 

لكن لايمكننا ان نفرح كثيرا بخلق هكذا سوق كون مايترتب على هذا السوق من اذى الكبير جدا للاقتصاد العام للبلد والمواطن واستهلاك للموارد المالية بشكل مباشر ( بسبب استيراد قطع الغيار). وايضا وما يترتب على عدم توفر الطاقة المستقرة ثانيا من تلف للمواد والسلع المعتمدة على ضروف الخزن الخاصة (من غذاء ودواء) مما يضاعف سعرها لان المُورٍد لايستورد كمية كبيرة  منها خوفا من التلف الذي يحصل عنده مؤديا الى قلة العرض في السوق فلا يقل سعرها. يعني ان ملف الكهرباء هو احد اسباب ارتفاع سعر المواد الغذائية وبعض الادوية.

تخفيض العملة والاقتصاد

وكوننا تحدثنا عن البنك المركزي فمن الجدير بالذكر وعلى عكس الاعتقاد الاقتصادي السائد ان تخفيض سعر صرف العملة العراقية نسبة للدولار يشكل مصدر قوه للمنتجات المحلية الصناعية منها والزراعية، لكن الواقع العملي لا يؤيد ذلك. حيث ان العراق يعتمد على الاستيراد بشكل شبه تام ومع انخفاض قيمة الدولار (والمتبينة من ازدياد اسعار النفط) فان الاستيراد بالنسبه للعراق والذي يتم بالدولار ستتضاعف اعبائه نتيجة انخفاض العملة و سيشكل ثقلا مضاعفا يثقل كاهل الطبقة الوسطى والفقيرة من المجتمع بشكل خاص والتنمية الاقتصادية بشكل عام.

الوضع الأمني والاقتصاد
ويجب ان لا ننسى انعكاس الوضع الامني بشكل مباشر على الاقتصاد العراقي. فالحاجة الى زيادة القوات الامنية بكافة تشكيلاتها والمتناسب بشكل طردي مع التغير في المناخات السياسية الاقليمية ادى الى ارتفاع اسعار اليد العاملة العراقية مما يفسح المجال للتفكير بشكل جدي باستخدام العمالة الأجنبية لتقليل الكلفة الاقتصادية التعبوية للمشاريع الصغيرة والمتوسطة، بل ان الامر أصبح واقعا ملموسا وفي ازدياد مضطرد. ان التأثيرات الإيجابي الوحيد لهذا الامر سيظهر على مستوى الخمس سنوات القادمة في الثبات التقريبي في سعر الخدمات بالنسبة للمواطن لكنه سيشكل عبئ في المستقبل حيث ان العمالة الوافدة تقدر مصاريفها بثلث مصاريف مايوفره سوق العمل المحلي.

خاتمة التحديات
 

الاعتماد على النفط والجباية كشكل اساسي للميزانية العراقية لن يكون حلا على المدى الطويل، فخلال ال 60 سنة القادمة سيضمحل المنتج عالميا مقابل الاعتماد على الطاقة البديلة, لكن على المدى المتوسط سوف تظهر مشاكل اضمحلال المهارات في المجتمع والقضاء التام على النتاج الحرفي الوطني الذي يعد من الضمانات للمجتمع في عصر مابعد النفط ناهيك عن النقد المُصدر الى الخارج الذي باستمرار استنزافه سيزيد مشكلة التضخم.