عبد الشكور عامر يكتب : سفينة نوح ودعوة الرئيس للحوار
رأينا أنه عبر التاريخ الإنساني والحضاري والسياسي أن لكل تجربة سياسية نتائج إيجابية فى بعض جوانبها وسلبية فى جوانب أخرى ، ومن كل التجارب السياسية التي خاضها أرباب السياسة من شخصيات عامة وكتل وأحزاب سياسية تعلمنا ان لا صداقة دائمة ولا عداوة دائمة فى عالم السياسة الملئ بالمفاجأت ، منها ما هو سار ومنها ماهو محزن ومضحك فى ذات الوقت ، ومن المسلم به فى قواعد اللعبة السياسية أن لا عداء مطلق ولا صداقة مطلقة ، فالمعايير والقيم التي وضعت من أجل السياسة تختلف تماماً عن كل القيم والمعايير الحياتية الأخرى واعتقد بأنه لا خلاف بيننا فى هذا المبدأ من واقع التجارب السياسية التاريخى فى كل العصور والأزمان ومهما اختلفت الأيديولوجيات.
ولذلك فإن كل المنغمسون فى الحياة السياسية سواء كانوا أحزاباً او جماعات أو أفراد فإنهم مختلفون ، حتى افراد الحزب الواحد وأعضاء الجماعة الواحدة ، تجمعهم الكتلة وتفرقهم بعض الرؤى والمفاهيم والآراء ، ومهما كانت درجة الخلاف يلجؤون إلى الحوار فى نهاية المطاف ، شريطة أن يكون الحوار حواراً حقيقيا ، وأن يتصف بالواقعية الإحترام المتبادل بين أطرافه .
وكما تابع الملايين عبر شاشات الفضائيات حول العالم والشعب المصري خاصة وتابعت ، فإن السيد رئيس الجمهورية قد دعا خلال إفطار الأسرة المصرية يوم الثلاثاء الماضي بصورة عاجلة ورسمية إلى حوار سياسي مجتمعي شامل ، يشمل كل القوى السياسية والحزبية في مصر مهما كانت توجهاتهم وأفكارهم .
وأراها من حيث المبدأ دعوة بناءة وإيجابية وتدل على حرص الرئيس على لم الشمل السياسي ونبذ أسباب الفرقة خاصة فى ظل الظروف العالمية والمحلية.
فخلال سنوات ما بعد الثلاثين من يونيو ونظراً لحساسية المشهد ، والمطلب الملح خلال تلك الفترة ، فهو أهمية وضرورة إعادة بناء مؤسسات الدولة ، وماتلاها من عملية الإصلاح الإقتصادي الشامل ، فقد كانت الدولة لا ترى ولا تسمع سوى السعي قُدماً فى تحقيق أهدافها التنموية والإقتصادية للخروج من بوتقة أزماتها التى وضعتها فيها وفرضتها عليها الفترة التي أعقبت ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 .
ومع ذلك فإن الرئيس ومؤسسات الدولة ترى أن الحوار ضروري ، والتنوع والإتفاق والإختلاف بين شركاء الوطن لا غبار عليه ، فهو واقع ملموس فى اغلب القضايا الوطنية خاصة بعد ثورة الثلاثين من يونيو ، لذلك فإن دعوة الرئيس للحوار جاءت فى وقتها ، وهى دعوة مثمرة و خطوة جيدة.
ولا يجب أن تتحول دعوة الحوار إلى مجرد الإستمتاع بجلسات الدائرة المستديرة وتناول مالذ وطاب من الأطعمة والمشروبات ، أو مجرد توصيات أو إلقاء أوامر من أحد أطراف الحوار على الطرف الآخر ، بهدف التعميم وإفشال الهدف الأساسي من الدعوة للحوار ، فهنا سيتحول الأمر إلى مجرد “ندوة سياسية ” تلقيها السلطة الحاكمة على معارضيها ، أو خطبة ثورية تطن بها المعارضة أذن الدولة ليل نهار ، وبعدها يعود المتحاورون إلى مضاجعهم ليهنؤابنوم وسبات عميق ، وكأن شيئاً لم يكن !
وأعتقد أن الحوار الناجح إذا ما أردنا أن تثمر دعوة الرئيس فى جمع اللحمة الوطنية وإستيعاب احلام وطموحات الشباب ، يقوم على عدة أسس واعمدة وشروط وخطوات لا يمكن تجاهلها ، ويجب الإتفاق عليها والإلتزام بها قبل الشروع فى الحوار الذى دعا إليه الرئيس :
أولا: أن تقدم الدولة حسن النية من خلال خطوات عملية على أنها ترغب في حوار جاد حقيقي يسهم في تغيير سياسي حقيقي على الأرض، ويضمن مشاركة سياسية حقيقية من خلال الأحزاب القائمة والتي سيتم التصريح لها بالعمل لاحقاً .
ثانياً : هذا الحوار يجب أن يساعد في عملية انتقال ديمقراطي جادة فى مصر تحت مظلة قانونية ودستورية تضمن عدم ملاحقة كل من يخوض غمار العمل السياسي ولو فى صفوف المعارضة .
ثالثاً : الإفراج عن سجناء الرأي وكل من لم يتورط في أعمال العنف ضد مؤسسات الدولة ، فالدعوة الجادة للحوار تحتاج إلى إثبات حسن النوايا فى الدعوة للحوار من خلال مقدمات جادة ، ومن هذه الخطوات العملية والجادة على سبيل المثال لا الحصر ، إخلاء سبيل آلاف السجناء الذين يستحقون الحرية ، والذين تورطوا بحسن نية ، والذين ضاعت أعمارهم خلف أسوار مظلمة ، وهم لا يدرون فيما تم سجنهم ، غير أنه تم التغيير بهم تحت دعوات وشعارات الوطنية ونشر الدين وتحقيق العدالة الإجتماعية والحرية .
لقد كنت من أول الداعين للحوار الوطني فى حوار تلفزيوني استمر قرابة الثلاث ساعات على الهواء مباشرة ، مع الإعلامي الراحل وائل الإيراشي عليه رحمة الله بتاريخ 15 /10 عام 2014 وتعرضت وقتها لحملة شرسة من الهجوم والتخوين من كلا الطرفين بسبب سياسة الإستقطاب و الإقصاء التى سادت المشهد السياسي فى تلك الفترة والتي مارستها جميع الأطراف بلا إستثناء .
ومع ذلك فإني أدعم وأؤيد دعوة الرئيس للحوار الوطني الشامل حرصاً على مستقبل هذا الوطن، ودعما ودفعاً لعجلة التنمية والإستقرار فى الإتجاه الصحيح دون إستباق للنتائج أو إقصاء لأي طرف مهما كانت ايديولوجيته ، هذه الدعوة التي أراها سفينة نوح لنا جميعاً .