مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

عمرو عبد المنعم يكتب: اشتقت إلي أمي

نشر
الأمصار

نامت أمي قريرة العين، نامت نومتها الأخيرة وتخففت روحها من أحمال الدنيا وهمومها، وهي امرأة علمتها الحياة الصلابة فلم أعتد من عينيها الدموع، كنّا أصدقاء ورحلتنا طويلة.
مشاهد كثيرة تباغتني ولكن بين أحبها لنفسي تلك الصباحات التي كنا نذهب فيها سويًا للمدرسة، وكانت أمّي معلمة ثم وكيلة تربية وتعليم، أتذكر منذ أن أمسكت بيدي الصغيرتين إلى حضانة آمون الخاصة بحلمية الزيتون ، مرورًا بكل المدارس التي رافقتني فيها صديقتي ومعلمتي "هدي محمد السيد يوسف"  .
وضعتها في التراب، وجلست بجانبها وحدي بعد أن غادر محارمها إلي خارج القبر، وَيْلَكَ أيها القبر فماذا ضممت؟، أيتها الجدران ماذا تحوين؟ إنها السيدة هدى وكانت نورًا يسري علي الأرض وبين الضلوع. 
أتذكر أنني عندما كنت أجلس بين يديها في شقتها التي اخترتها لكي تكون بجواري في عامها الأخير، كنت أرفض الحديث عن الموت ، كانت كثيرا ما تقول لي استعد وافتح القبر، و كان هذا السؤال يشغل تفكيري في حياتها رحمها الله، كيف سأتجاوز هذه المرحلة ؟ وكان لنفسي جوابا كالمسكن المؤقت يقول لي : لا تدري مَن قبل مَن ، فلعلك تسبق أنت . وشاء الله أن  تسبق هي ، ليُطل السؤال من جديد : كيف سأتجاوز ؟ وهذه المرة لا مفر من الإجابة !.  
كيف سأتجاوز ؟
أتجاوز الكثير من الحزن والدموع، وأكون علي يقين أن هذه نهاية كل حي، ولكن لا زالت هدي تعيش في داخلي وفي كياني  وفي النفس لا تزال غصة، لا زال في النفس شوق ولهفة إليها، لا زال في النفس حظ نفس أن لا تخسر أحدا أبدا .
طيب الله ثراك يا أمي .. 
يعز علي فراقك .. وان يأتي العيد وانت لست معنا ..  يقتلنا الشوق إليك .. 
عزاؤنا أنك ذهبت لرب رحيم .. في العشر الأولى من رمضان من عام ١٤٤٣ هـ
كنت نعم الابنة البار بأمها وأبيها فقد توفيت جدتي عندنا في شقتنا بعين شمس  . 
ثم كنت نعم الزوجة الحنون  علي زوجها في  أيام مرض أبي  . 
ثم نعم  الأم لولدها وبناتها . 
ونعم الأخت لشقيقاتها  وصديقاتها وكل من يعرفها. 
دُفنت يا أمي في مكان طاهر بجانب الصحابي الجليل عقبة بن نافع الجهني  ليصلك مداه ..
يؤنسك عملك الصالح .. وكتاب الله العظيم  الذي كنت تقرئينه منذ صغرك .... 
قال رسولنا الكريم قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله وملائكته وأهل السموات والأرضين، حتى النملة في جحرها، وحتى الحوت؛ ليصلون على معلم الناس الخير) وقد كنت معلمة واستاذة بل وخير معلمة ، أوقفنا ضابط شرطة يومًا بسيارته علي الطريق بعد ان فرمل امامها  وقال لها ابلة هدى تأمرينني بأي شيء "انا الواد فلان بمدرسة الزهراء" ، كنت أرى الرحمات بين يديك عندما تدخلين الفصل وأزهو بين رفاقي أنني ابن الأبلة هدى. 
كانت الجميلات هن من يصحبن هدى، وهن أبلة عزيزة و مني وابلة فتحية وابلة جميلة ، وكنت بالتالي اعرف هؤلاء الجميلات روحا وخلقا منك وإليك . 
مجلسك موحش اليوم يفتقدك ..  سريرك يكسوه الحزن.. كرسيك  للصلاة قد ودع رفيقته.. قلوبنا كلنا فارغة لولا أن ربط الله علينا..
لقد رحلت عزيزة النفس الصابرة المحتسبة .. وسبقتنا إلى دار الحق 
رحمة الله عليك يا أمي وعطر تربة ضمتك في جوفها 
فيا قبر الحبيب وددت أنني
حملت ولو على عيني ثراكا
سقاك الغيث هتانـــــــاً وإلا
فحسبك من دموعي ما سقاكا
ولا زال السلام عليك مني
يرف مع النسيم على ذراكـــا..
الملتقى الجنة بإذن الله  يا امي .