العميد يعرب صخر يكتب: الانتخابات النيابية اللبنانية.. لن تقدم بل سوف تؤخر
تستحوذ محطة ١٥ أيار ٢٠٢٢ في لبنان على اهتمام دولي واقليمي أكثر منه محلي، نظرا" لما تمثله من مفصل تغييري وجودي مهم قد يأخذ لبنان نحو التحرر من التبعية الإيرانية أو قد يرسخ هذه التبعية، وبأفضل الأحوال قد يحافظ على ستاتيكو قائم تهيمن فيه فصائل إيران في لبنان لأربع سنوات قادمة.. فقط هذه هي محورية الانتخابات وخطورة استتباعاتها التي سأتكلم عنها وأترك الباقي لأنه أشكال وتفاصيل، وهي نتائج وسطحيات سأهملها وأخوض في أسبابها متناولا" عدة عوامل هي الأساس في تمظهر النتائج… حيث سأركز فيها على المآلات الخطرة لإمكانية فوز محور إيران بالانتخابات في لبنان.
السنوات الأربع التي خلت بظل قانون انتخابي أعوج، استحوذت فيها الممانعة أو أحلاف إيران وسوريا على الأكثرية في المجلس النيابي بعملية ديمقراطية في الشكل إنما بمضمون ترهيبي و بممارسة التفافية على الدستور والقوانين، وسط حالة تخلي ومراهقة سياسية وتخبط وعدم رؤية وتخطيط من قبل الطرف المناهض، تيار الوطنيين والسياديين المؤمنين بلبنان العربي الانفتاحي الحداثي الليبرالي الحر والبعيد عن التقوقع والانغلاق والأيرنة.
هذه السنوات وما قبلها هيأت لفريق ما يسمى المقاومة وتوابعه الإمساك بمفاصل السلطة، وتتهيأ الآن باستغلال ذلك للتحكم في العملية الانتخابية وضمان فوزها أو الحفاظ على مكتسباتها القائمة إن لم 'يتح لها أكثر، معتمدة" على شعبوية خادعة وإنفاق وإسراف انتخابي غير شرعي، وتحريف وتزوير وترهيب واعتماد كل الطرق الالتفافية إذا تهدد فوزها.
لقد أخذ الممانعون المستحكمون بالسلطة في لبنان، الدرس مما جرى في الانتخابات البرلمانية العراقية التي أسفرت عن تراجع أشباههم من حشود واحزاب وموالي إيران، ولن يكرروا فشلهم هنا في لبنان كما هناك في العراق، كيفما تسنى لهم ومهما استطاعوا إليه سبيلا.
الإنشغال الدولي في أوروبا
من جانب آخر؛ الإنشغال الدولي في أوروبا (روسيا - اوكرانيا) والإقليمي بالنزاعات المتنقلة في اليمن والعراق وسوريا، ومفاوضات فيينا، وأزمات الطاقة.. وغيرها كلها أمور تقلل من شأن الالتفات نحو لبنان وأزماته، مما يتيح لمحور إيران الانخراط بكل قوته في ساحة الانتخابات.
هناك عامل آخر مهم للغاية، وهو الضائقة الإقتصادية الإجتماعية الشديدة الوطأة على اللبنانيين، مع ما يرافقها من فقر مدقع وبؤس وعوز وانسداد الأفق أمامهم بأمل التغيير نحو الأفضل. هذه الأرضية لا شك سيقتنصها هذا المحور الذي سبب ضياع مدخرات الناس واستباح الحدود والمرافق للتهريب والاتجار بالمخدرات لحيازة كتل نقدية ضخمة.. سيستغلها لضخ الرشى والمال الانتخابي لشراء الذمم وكسب الأصوات… {وللأسف هذه الأموال المسروقة من هذا المواطن تشتري صوته لدى من سرقه}.
كذلك؛ إن ما رافق تشتت القوى الوطنية والسيادية (١٤ اذار) وتباعدها، وانسحاب سعد الحريري عن الساحة السياسية والعملية الانتخابية، بالإضافة إلى تشرذم قوى التغيير وعدم قدرتها على التوحد وسيطرة عقدة الأنا وتبوء التسلقيين والوصوليين في الثورة… شكل عاملا" مساعدا" دافعا" لمحور إيران.
أخيرا"؛ إن ظاهرة الفتاوى والبدع والعقائدية والمذهبية وثقافة الجهل..كانت ولا تزال السلاح غير الشرعي الرديف لسوق الناس بعواطفهم لا بعقولهم، بعقائديتهم لا بمواطنيتهم، مشكلين طوائف عابرة لأوطانهم على أوطانهم وليس لها لخدمة أوطان أعداء هم عنها غرباء وهم لها وقود.
والجدير ذكره، أن اللبناني أمام واقع أن ينتخب الذي سرق وأجرم وأفسد وهجر ودمر وطن.. وبكل صفاقة ووقاحة يتقدم ممثلا" عن الشعب، أو ينتخب لبنان الوعد الجميل والأمل المرتجى… وإن لم يجد الناخب هذا الثاني فحرام عليه الأول، وإلا فحلال عليه الشقاء…هكذا هي بكل بساطة.. أنظر أيها اللبناني قبل أن تقترع إلى العراق وسوريا واليمن وإيران، وقس على ذلك.
إذا"؛ الانتخابات النيابية اللبنانية في هذا الجو ليست محطة عابرة متجددة كل أربع سنوات، بل هي مفصل وجودي يضعنا على مفترق طرق: اما الحفاظ على لبنان الأبيض لبنان الأمة الحضارة والتألق والإشراق والإبداع والحرية والرقي.. وإما لبنان الأسود الظلامي البائس المرذول على قارعة الأمم.
…ويبقى الرهان على اللبناني الأصيل الديموقراطي الليبرالي الحداثي الانفتاحي الحر.. المؤمن بخصوصيته الفريدة وبهويته العربية، البعيد عن الأعداء وما أكثرهم هذه الأيام.