أمريكا والإمارات.. وفد "نجوم السياسة" يبرز عمق العلاقات بين البلدين
أراد الرئيس الأمريكي جو بايدن، مواصلة تعزيز الشراكة بين أمريكا ودولة الإمارات، ورؤية إرث الشراكة في الروابط العميقة التي تربط بين البلدين.
لم يكن الشرق الأوسط يحظى بأولوية لدى إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، التي انصب اهتمامها الأساسي على معالجة التحدي الصيني، ثم الأزمة في أوكرانيا، لكن تاشبينار قال لـ"رويترز": "هناك محاولة لإعادة الأمور إلى مسارها مع الشرق الأوسط".
لذلك قام بايدن بإرسال وفد كبير رفيع المستوى يضم كل نجوم السياسة الأمريكية إلى دولة الإمارات، وضم الوفد الأمريكي: كامالا هاريس نائبة الرئيس الأمريكي التي ترأس الوفد، ووزير الخارجية أنتوني بلينكن، والدفاع لويد أوستن، كما يضم الوفد الذي يعد واحدا من أرفع الوفود الأمريكية التي ترسل بتكليف مباشر من الرئيس بايدن في مهمة خارجية، مدير وكالة المخابرات المركزية بيل بيرنز، والمبعوث الرئاسي الخاص للمناخ جون كيري، كذلك يضم الوفد القائم بالأعمال في السفارة الأمريكية في أبوظبي شون ميرفي، ومستشار الأمن القومي هاريس فيل جوردون، ومنسق مجلس الأمن القومي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بريت ماكغورك، وكبير مديري مجلس الأمن القومي باربرا ليف في منطقة الشرق الأوسط وشمال إ هوفريقيا.
وأثناء وجودهم تقدموا بواجب العزاء فى وفاة الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية، وقاموا بتهنائة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان بانتخابه رئيسا لدولة الإمارات.
الأمن والازدهار
قالت هاريس إن دولة الإمارات "صديق وشريك"، مضيفة "نحن موجودون هنا كوفد ... لإعادة تأكيد التزامنا المشترك بالأمن والازدهار في هذه المنطقة، وأيضا كيف استفاد الشعب الأمريكي من هذه العلاقة فيما يتعلق بالأمن والازدهار".
تعزيز العلاقات
وقال عمر تاشبينار الخبير السياسي لدى معهد بروكينجز، إن "هذه دفعة كبيرة بسحر الجاذبية من جانب إدارة بايدن" لتعزيز العلاقات.
كما يقول مسؤولون أمريكيون بارزون لـ"رويترز" إن تشكيل الوفد يعكس رغبة واشنطن في إظهار التزامها تجاه المنطقة.
وأضاف مسؤولون تحدثوا لـ"رويترز" أن هاريس ستؤكد عزم الولايات المتحدة تعميق العلاقات مع المنطقة في مجالات تتراوح من الأمن والمناخ إلى الطاقة والتجارة.
ويمثل تشكيل الوفد الأمريكي وحجمه إشارة بالغة ستكون ذات مغزى لدى الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ودولة الإمارات العربية المتحدة".
تم إحراز تقدم لكن يتعين بذل المزيد. والإمارات تريد علاقات أوثق ومحددة بوضوح أكبر مع الولايات المتحدة".
توتر العلاقة بين البلدين
كانت العلاقة بين الإمارات والولايات المتحدّة متقدّمة، وذلك منذ أكثر من عام من الآن، تحديداً في فترة رئاسة الرئيس السابق للولايات المتحدة دونالد ترامب.
وقد بلغ مستوى قوى العلاقات في اعلان الولايات المتحدة عن صفقة أسلحة ضخمة بقيمة 23 مليار دولار من شأنها أن تشهد حصول الإمارات على طائرة مقاتلة متطورة من طراز F-35، والتي تعد إسرائيل الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي حصلت عليها.
وشهدت العلاقات بين البلدين تراجعاً ملحوظاً في الفترة الأخيرة، فقد أعربت الإمارات عن عدم ارتياحها لما تعتبره التزام واشنطن المتراجع لأمن شركاء الولايات المتحدة في المنطقة، حيث لم يتم الانتهاء من صفقة F-35 بعد ، حيث ورد أن الإمارات تظهر إحباطاً بسبب الوتيرة البطيئة والظروف المتعلقة بالبيع.
ورغم أن الإمارات ودول خليج عربية أخرى تعتمد في العادة على المظلة العسكرية الأمريكية للحماية، إلا أن تلك الدول لديها مخاوف من أن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن قد قلّصت من التزامها حيال المنطقة خاصة بعد انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان وتركيزها المتزايد على مواجهة الصين. فالخلافات كانت قد زادت بشأن الحرب في اليمن وسياسة واشنطن تجاه إيران وشروط أمريكا لتنفيذ صفقات مبيعات السلاح، ثم تفاقم الأمر بعد عدم دعم الإمارات لقرار صاغته الولايات المتحدة لإدانة الغزو الروسي لأوكرانيا بامتناعها عن التصويت، وهو ما أظهر أن واشنطن لا يجب أن تعتبر دعم الإمارات أمرا مسلماً به.
كانت الإمارات تضغط مؤخراً على الولايات المتحدة لتصنيف المتمردين الحوثيين في اليمن كمنظمة إرهابية أجنبية – وهو تصنيف قدمه ترامب ولكن بايدن ألغاه. حتى الآن ، امتنع البيت الأبيض عن القيام بذلك ، وفرض بدلاً من ذلك عقوبات مستهدفة على شبكة تمويل الحوثيين.
في الوقت الذي أبدت فيه موسكو حساسية أعلى تجاه هذه المسألة، فقد أصدر مجلس الأمن الدولي في فبراير/شباط الماضي بدعم من دولة الإمارات، قراراً يوسّع الحظر على إيصال الأسلحة إلى اليمن ليشمل جميع الحوثيين المتحالفين مع إيران، بعدما كان مقتصراً على أفراد وشركات محدّدة. فسر دبلوماسيون تصويت روسيا المقرّبة من إيران الداعمة للحوثيين، لصالح قرار فرض حظر سلاح شامل على الحوثيين، بأنه “ثمرة اتفاق” بين موسكو وأبو ظبي هدفت الأخيرة عبره إلى ضمان امتناع الإمارات عن التصويت في مجلس الأمن ضد الغزو الروسي لأوكرانيا.
اختبار ضغط
والتعبير الأوضح لما تمرّ به العلاقة بين البلدين كشف عنه سفير الإمارات بالولايات المتحدة، يوسف العتيبة، ففي 3 مارس/آذار 2022، صرح “أن العلاقات الإماراتية الأمريكية تمر باختبار ضغط”، مضيفاً أن بلاده منفتحة على الانخراط في أنشطة دفاعية مع جميع الشركات والدول، لكنها قلقة حيال واشنطن.
جاء هذا التصريح في توقيت كانت تحثّ فيه واشنطن الخطى لتوسيع تحالفاتها في مواجهة روسيا لا سيما الدول النفطية وخاصة تلك التي تجمعها بها علاقات شراكة استراتيجية كالمملكة العربية السعودية والإمارات. مع ذلك لم تتخلَّ أبو ظبي عن ما يمكن تسميته التمييز بين الموقف من الولايات المتحدة وبين إدارة بايدن إذ صرّح العتيبة إلى أن العلاقة بين البلدين “مبنية على الثقة.”
والإمارات تمتلك البدائل اللازمة من خلال مروحة علاقاتها الخارجية بالصين وروسيا بوصفهما قوّتين دوليتين يحسب لهما الحساب، في حين سعت أبو ظبي خلال هذا الشهر إلى عقد لقاءات قمّة إقليمية، فقد التقى ولي عهدها الشيخ محمد بن زايد في شرم الشيخ بالرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، ورئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، في حين شهدت العقبة الأردنية لقاءً جمع العاهل الاردني الملك عبدالله الثاني، وولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ورئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، ولعل تكثيف اللقاءات يعكس قدرة الإمارات على التحرّك بمعزل عن الحضور الأمريكي، وإمكانية أن تحافظ أبو ظبي على علاقاتها الدولية والإقليمية حتى وإن مرّت علاقتها بواشنطن بفترة “اختبار ضغط” مبنية على طبيعة تعاطي إدارة بايدن مع المصالح الخليجية وتجاهل مطالبات الإمارات والسعودية الأمنية والدفاعية.
العلاقات الأمريكية الإماراتية
منذ تأسيس دولة الإمارات العربية المتحدة تمتعت الدولة بعلاقة قوية مع الولايات المتحدة، ولا يزال هذا هو الحال، بغض النظر عن التوترات الحالية مع إدارة الرئيس جوزيف بايدن في البيت الأبيض.
وكانت الولايات المتحدة من أوائل الدول التي اعترفت بالإمارات فور إنشائها في ديسمبر/كانون الأول 1971. وتم إرسال السفير ويليام ستولتزفوس (William Stoltzfus) كسفير فوق العادة ومفوض إلى دولة الإمارات بعد ثلاثة أشهر للتحضير لافتتاح سفارة الولايات المتحدة في عام 1974.
شهدت العلاقة صعودًا وهبوطًا، لكن التوترات الحالية، في معظمها، متجذرة في التحول الاستراتيجي للولايات المتحدة مع سياسة “الشرق المحوري” الخارجية، التي اتبعتها إدارة الرئيس السابق باراك أوباما.
هذا المحور لمواجهة الصعود المحتمل للصين لتصبح أكبر اقتصاد في العالم أمرًا مطلوبًا – بالنسبة للعديد من المسؤولين الأمريكيين ومحللي السياسة – بعيدًا عن الشرق الأوسط، جنبًا إلى جنب مع الجهود المبذولة لتقليل التكاليف والأعباء الأمريكية المتصورة المرتبطة بهذا الوجود الأمني الكبير.
وسرعان ما تُرجم ذلك التحول شرقًا إلى سياسات أمريكية عامة وسياسات خارجية، بما في ذلك السماح بالتكسير الهيدروليكي [لاستخراج النفط الصخري]، وذلك لتحقيق الاستقلال في مجال الطاقة، وإدخال تدابير تقشفية لميزانيات وزارة الدفاع لدرجة أن مقالًا في مجلة ذا اتلانتيك وصف الرئيس أوباما بأنه “رئيس التقشف“.