استمرارًا لخلافات باشاغا والدبيبة.. مخاوف من تجدد الصراع الليبي
أعادت الأحداث التي وقعت في طرابلس خلال الأيام القليلة الماضية، المخاوف من تجدد القتال في البلاد وتقويض اتفاق وقف إطلاق النار الهش، وسط خلافات بشأن الحكومة الجديدة التي كلفها مجلس النواب في الشرق خلفاً للحكومة المنتهية ولايتها في طرابلس.
الهدف من دخول باشاغا إلى طرابلس
وقعت الاشتباكات على إثر دخول رئيس الوزراء المكلف من مجلس النواب، فتحي باشاغا، العاصمة طرابلس فجر الثلاثاء الماضي بمعية كتيبة مسلحة، وهو ما رفضته الكتائب الأخرى الموالية أو الداعمة لرئيس الوزراء المنتهية ولايته عبدالحميد الدبيبة، حيث انتهت الأحداث باتفاق على خروج باشاغا والقوات التابعة له.
وقد أعلن باشاغا على إثرها، أن حكومته ستبدأ العمل من مدينة سرت الساحلية على بعد 450 كيلومتراً شرق طرابلس، وهذه ليست المحاولة الأولى لباشاغا لدخول العاصمة، فقد سبقتها محاولتان من قبل.
وتأتي أهمية هذه المرة، أنها على وقع اجتماعات اللجنة الدستورية الجارية في القاهرة التي تستضيف ممثلين عن مجلس النواب في الشرق والمجلس الأعلى للدولة في الغرب التي تجري برعاية أممية بهدف التوصل إلى اتفاق حول إطار دستوري جديد وجدول زمني للانتخابات التي تعتقد كل الأطراف أنها الحل الذي يمكن أن يخرج ليبيا من حالة الانسداد السياسي، ومن ثم الحيلولة دون تجدد القتال الذي مزق البلاد ويهدد تجدده بتحولها إلى دولة فاشلة.
ويبدو أن باشاغا لم يكن يريد دخول طرابلس بالفعل، وإلا قد دخل بقوات أكبر، ولكنه ربما أرد من هذه الخطوة تحقيق أمرين: أولاً، إحراج حكومة طرابلس؛ فالدبيبة يتحجج بالانتخابات بينما لا يبدو أنه قادر على إجرائها في ظل استمرار الخلافات، وهذا يضعف شرعيته، ويظهره بمظهر المتمسك بالسلطة، وخاصة أنه فشل من قبل، ولا يبدو أن حكومته قادرة على إجراء الانتخابات من دون التوصل لاتفاق في القاهرة.
ثانياً، التأكيد على دوره المحوري وسط قلق من محاولات بعض الأطراف إقصاءه في محادثات القاهرة؛ ومن ثم فهو بهذه الخطوة يؤكد أنه رقم صعب وقد تعزز موقعه بعد اختيار مجلس النواب له، ومن ثم فإن أي حل لا يأخذ كل هذا في الاعتبار لن يكتب له النجاح.
وأهدر رئيس الحكومة المكلفة من مجلس النواب فتحي باشاغا، فرصة حشد الدعم الداخلي والدولي لتوليه رئاسة الوزراء، بعد محاولتين لاقتحام العاصمة طرابلس بالقوة.
وبالرغم من تأكيده بأنه توجه لطرابلس في سيارتين مدنيتين وبلا حراسات، فإن محاولة الدخول كانت ضربة معنوية وسياسية له ولمشروعه.
ولم يلبث رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة أن نزل إلى موقع الاشتباكات، بعد مغادرة باشاغا المكان، مُوجها رسالة إلى الرأي العام الداخلي والخارجي، مفادها أنه هو الأقوى على الأرض.
وتعززت تلك الرسالة بنفي ما قاله الناطق باسم حكومة باشاغا من أن عمداء بلديات طرابلس الكبرى رحبوا بهذه الحكومة.
أما الضربة المعنوية الأخرى لصورة الحكومة البديلة، فأتت من اضطرار باشاغا للعمل من مدينة سرت (شمال الوسط) وهي ليست مؤهلة ولا مجهزة للقيام بهذا الدور. لا بل إن الدساتير الليبية لم تعترف سوى بطرابلس عاصمة للبلد وللحكومة التي تُديره.
وأدى تبادل إطلاق النار بين الميليشيات المسلحة الموالية للطرفين في وسط المدينة والميناء، إلى إلحاق أضرار بالمباني، واحترقت سيارات، قبل أن يُعلن باشاغا ووزراؤه، بعد ساعات من القتال، أنهم غادروا طرابلس «للحفاظ على أمن المواطنين».
انقطاع العنف عن ليبيا منذ عامين
هذا العنف لم تشهد العاصمة الليبية مثيلا له منذ عامين، فقد تحسن الوضع الأمني بشكل ملحوظ، منذ التوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار في العام 2020 بين القوات المتنافسة في الشرق والغرب، والتي أحدثت حالة خطرة من الاستقطاب، منذ سقوط نظام معمر القذافي (1969-2011).
وكان هدف باشاغا من التوجه إلى العاصمة طرابلس، برفقة عدد من وزرائه، الاستعداد لمباشرة أعمال حكومته من هناك.
ويُعتبر إخفاقه في الوصول إلى ذلك الهدف دليلا على أنه انطلق من معطيات خاطئة ومُضللة، وأنه خسر المعركة العسكرية سلفا وعلى الصعيد الدبلوماسي لم يستطع الاستنجاد بدعم خارجي، إذ اكتفت القوى الدولية والإقليمية وبعثة الأمم المتحدة، بالدعوة إلى الانضباط وتغليب منطق الحوار على لغة السلاح.
وفي السياق حضت البعثات الأوروبية المعتمدة لدى ليبيا جميع الأطراف على «التصرف بمسؤولية والدخول في حوار فعلي لإيجاد طريقة توافقية يمكن من خلالها المضي قدما نحو الانتخابات» مؤكدة في هذا الإطار دعمها المحادثات الدستورية الجارية في القاهرة، برعاية الأمم المتحدة.
وفي معلومات مصادر مطلعة على اجتماعات القاهرة أن المستشارة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة ستيفاني وليامز ساعية لإيجاد توافق على قانون الانتخابات، لا سيما في شأن معايير أهلية رئيس الجمهورية المقبل، فإذا ما تحقق هذا التوافق يمكن إجراء الانتخابات بحلول نهاية العام. لكن هناك سباقا على كسب الوقت، إذ من المقرر أن تنتهي، في 22 حزيران/يونيو المقبل، خريطة الطريق لمنتدى الحوار السياسي الليبي، التي أُنشئت بموجبها المؤسسات المؤقتة القائمة في طرابلس، وهي حكومة الوحدة الوطنية والمجلس الرئاسي.
وتبنى مجلس الأمن الدولي، في جانبه أواخر نيسان/ابريل، بالإجماع قرارا قدمته بريطانيا لتمديد مهمة بعثة الأمم المتحدة السياسية في ليبيا لمدة ثلاثة أشهر فقط، بعدما رفضت روسيا التي تتمتع بحق النقض، منح أي فترة أطول ما لم تتم تسمية مبعوث جديد للأمم المتحدة إلى ليبيا، خلفا للسلوفاكي يان كوبتش. أما اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان بليبيا، فطالبت في جانبها، جميع أطراف النزاع والأطراف والكيانات السياسية في طرابلس بـ«ضبط النفس والوقف الفوري لأي تصعيد مسلح».
وشددت اللجنة على ضرورة التزام جميع الأطراف بحماية السكان المدنيين، وضمان أمنهم وسلامتهم. وتوجهت اللجنة بدعوة إلى لجنة العقوبات الدولية بمجلس الأمن الدولي لتطبيق قرارات المجلس رقم 2174 ورقم 2259 من أجل «ملاحقة كل من يخطط أو يوجه أو يرتكب أفعالاً تنتهك القانون الدولي أو حقوق الإنسان في ليبيا» وكذلك حظر السفر وتجميد أموال الأفراد والكيانات الذين يقومون بأعمال أو يدعمون أعمالا تهدد السلام أو الاستقرار أو الأمن في ليبيا، أو تعرقل أو تقوض عملية الانتقال السياسي في البلد.
في غضون ذلك يسعى الدبيبة، المُسيطر أمنيا على العاصمة، إلى الاحتفاظ برئاسة الوزراء، مؤكدا أنه لن يُسلم السلطة إلا لحكومة مُنبثقة من صندوق الاقتراع، لذا اعتُبرت المهمة الأساسية لحكومته، لدى تشكيلها، مُقتصرة على تنظيم انتخابات تشريعية ورئاسية، كانت مقررة للرابع والعشرين من كانون الأول/ديسمبر الماضي.
وأرجئت الانتخابات إلى أجل غير مسمى، بسبب الخلافات بين الفرقاء السياسيين، لا سيما على القانون الانتخابي، فيما كان المجتمع الدولي يعلّق آمالا كبيرة على ذلك الاستحقاق الانتخابي لتحقيق الاستقرار.
فشل محاولة الانقلاب
ويعكس فشل محاولة الانقلاب التي نفذها باشاغا مدى الانقسامات بين الفصائل في إقليم طرابلس، فهذه المجموعات المسلحة التي اتحدت في 2019-2020 لصد هجوم قوات اللواء خليفة حفتر على طرابلس، تتمزق اليوم. ومن أجل فرض نفسه على رأس الحكومة، تحالف باشاغا، مع غريميه السابقين في الشرق، وهما رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، والقائد العسكري للمنطقة الشرقية خليفة حفتر وأبناؤه.
أما في طرابلس، فأبرم اتفاقًا مع الميليشيات، بما في ذلك كتيبة «النواصي» وهي إحدى الجماعات الرئيسة في العاصمة وخارجيًا، كان هذا التحالف المناهض للدبيبة، مدعومًا مباشرة أو مُداورة، من دول بينها مصر وفرنسا وروسيا.
ومع استمرار حالة الجمود في المواقف الدولية والإقليمية تجاه الملف الليبي، برزت في الفترة الأخيرة تحركات دبلوماسية لدول الجوار، شملت مصر والجزائر بالإضافة للمغرب، غايتها تغيير المواقف الدولية المتباينة تجاه ليبيا، وخاصة في ظل الانشغال الدولي بالحرب في أوكرانيا.