مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

د.رائد العزاوي يكتب.. العراق وفرص العودة كقوى إقليمة متعددة التحالفات

نشر
الأمصار

يلقى العراق دعمًا دوليًا في ظل تحديات سياسية وأمنية واقتصادية، خصوصًا مع تعثر واضح في مسألة تشكيل حكومة جديدة بعد انتهاء انتخابات 2021، ومع تقرير البعثة الأممية التي أظهرت بشكل واضح أن هناك أزمة ثقة بين جميع القوى السياسية، بينما  كان هناك جهود بُذلت من قبل حكومة مصطفى الكاظمي من أجل تعزيز الحوار الإقليمي، وإبعاد العراق عن التجاذبات الإقليمية والدولية، وفتح جملة من الأبواب لإنهاء الخلافات بين الخليج وإيران وحل الأزمة السورية بما يضمن حقوق الشعب السوري في تقرير مصيره ووحدة أرضيها.
على الجانب الآخر تشكلت علاقة متميزة بين العراق مصر والأردن خصوصًا في السنوات الثلاث الماضية، فتاريخيًا منذ تأسيس الحضارة العراقية القديمة والتي ارتبطت بحضارة مصر القديمة، ربطت مصر والأردن والعراق علاقات تجارية واقتصادية قوية تدعمها قوة العلاقات السياسة بين البلدان الثلاث ويشكل الحديث عن العلاقات العراقية – الأردنية – المصرية بعد عام ۲۰٠٣، امتدادًا لتلك العلاقة التي بدأت مع تأسيس كل الدول، فضلًا عن  الصلات والعلاقات الاجتماعية والاقتصادية والدينية والثقافية بين شعوب بلدان الثلاثة  تضرب بجذورها في أعماق التاريخ. 
وعلى مدى عقود طويلة نموذج للعلاقة المتوازنة والدائمة محورًا أساسيًا وفاعلًا في محيطهما الإقليمي والعربي على حد سواء، ومع بداية تشكيل النظام الإقليمي العربي في عشرينيات القرن الماضي وحتى يومنا هذا، شهدت العلاقات العراقية العربية تقلبات وانعطافات كبيرة بدءًا من تأسيس الدولة العراقية عام ١٩٢١ إلى الوقت الحاضر، ولعل العلاقات العراقية الأردنية والمصرية إحدى تلك العلاقات التي شهدت خلال مسيرتها الطويلة أحداثًا وتطورات مؤثرة، ألقت بظلالها على طبيعة العلاقات بينهم. 
معركة مشتركة لمواجهة داعش ..مشاريع متعددة ومخاطر متساوية  
ظلت مصر والأردن وعلى مدى سنوات طويلة، تدعم قيام حل سياسي للإشكالية التي عاشها العراق، ما بعد عام 2003 وعلى أرض القاهرة عُقد أول وآخر اجتماع ضم كل القوى السياسية العراقية في 2005 وقدمت ورقة لحل الأزمى السياسية في العراق كانت الأهم والأكثر وضوح لحل إشكالية إدارة الدولة العراقية. 
بينما كانت عمان محلًا ومكانًا لكل القيادات السياسية العراقية، وظلت كما هي سياسة الأردن على مسافة واحدة من جميع السياسين العراقين، وكان الأردن قيادة وشعب الناصح الأمين لكل الفقراء العراقين.
وجاءت حرب العراقين ضد تنظيم داعش الإرهابي، لتضع المسؤولية التاريخية أمام الجميع ليقفوا مع شعب العراق، فقدمت مصر والأردن كل ما يمكن من مساعدة لمواجهة هذا الخطر، وتحدث جلالة الملك عبدالله عن ضرورة توحيد العراقيين لمواجهة التحديات والمخاطر، مع وضع إمكانيات وقدرات الأردن لمساندة العراقيين في حربهم ضد داعش .
وفي قمة شرم الشيخ 2015 أعلنها الرئيس عبدالفتاح السيسي بشكل واضح "أن العراقيين يواجهون بشجاعة اليوم أخطر تنظيم إرهابي في العالم"، وقد ساند المصريون أشقائهم في هذه المواجهة حتى تم التحرير بدماء رجالات العراق. 
قمم بحجم العراق ومصر والأردن . 
شكلت فكرة مشروع "الشام الجديد" خريطة جيوسياسية جديدة لمنقطة الشام ككل، بعد أن وسّع مشروع الشام الجديد رقعة مساحة الشام الجغرافية؛ كي تشمل دولة بحجم مصر، بالإضافة إلى أن هناك ترابطًا سياسيًا وأمنيًا بين تلك الدول في ظل التحديات التي تواجه معًا، وفي مقدمتها مجابهة الإرهاب، فالدول الثلاث لها باع طويل في محاربة التطرف الفكري، والعنف المسلح ومخاطر متعددة الإشكال، كما أن المشروع يربط مصر بدول الشام جغرافيًا قبل أن يكون ربطًا اقتصاديًا عبر شبه جزيرة سيناء، التي تشهد حاليًا تنمية شاملة، وهو ما يعكس تأثير ذلك المشروع على خرائط القوى والنفوذ بمنطقة الشرق الأوسط، إضافة إلى قدرات العراق وحاجته إلى توسيع تجارته عبر أسواق غير السوق الإيراني والسوق التركي، اللذين يميلان لصالحهما أكثر من العراق.
وكان السيد مصطفى الكاظمي أطلق تعبير "الشام الجديد"، لأول مرة خلال زيارته للولايات المتحدة، وقال حينها لصحيفة "واشنطن بوست" الأميركي إنه يعتزم الدخول في مشروع استراتيجي يحمل هذا الاسم، موضحًا أنه مشروع اقتصادي على النسق الأوروبي، يجمع القاهرة ببغداد، وانضمت إليه عمان، لتكوين تكتل إقليمي قادر على مواجهة التحديات.
وعقدت أهم قمة ثلاثية في أواخر أغسطس/ أب ٢٠٢٠، بالعاصمة الأردنية عمان بين الرئيس عبدالفتاح السيسي، والملك عبدالله الثاني ملك الأردن، ورئيس وزراء العراق السيد مصطفى الكاظمي.
وكانت تلك القمة بداية لتوقيع اتفاقيات تتعلق بالطاقة والربط الكهربائي والبنية الأساسية والغذاء، فضلًا عن التشاور والتنسيق بشأن مستجدات الأوضاع السياسية والأمنية في المنطقة، وجهود مكافحة الإرهاب.

تناول الزعماء الثلاثة أوجه تعزيز مجالات التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري، وذلك بهدف تأسيس مرحلة قادمة من التكامل الاستراتيجي بين الدول الثلاث، قائمة على الأهداف التنموية المشتركة، وتضافر الجهود لمواجهة التحديات التي تهدد الاستقرار والأمن في المنطقة.  
وتناولت القمة مستجدات الأوضاع في سوريا وليبيا واليمن، إذ أكد القادة الثلاث تكثيف التنسيق المتبادل خلال الفترة المقبلة في هذا الإطار للتوصل إلى تسوية سياسية شاملة في إطار الحفاظ على وحدة واستقلال الدول العربية وسلامتها الإقليمية، بما يسهم في إنهاء المعاناة الإنسانية الهائلة التي مرت بها هذه الشعوب خلال السنوات الماضية.

قمة بغداد

وفي 24 يونيوـ حزيران  2021 عقدت القمة التي وصفها مراقبون بـ"الاستثنائية" بحضور رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، والملك عبدالله الثاني وهذه القمة شهدت خطاب مهم جدًا للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي الذي رسم بشكل واضح كيف يمكن أن يستفيد العراقيون من قدرات وإمكانيات المحيط العربي، وإعادة بناء قدراته في مجالات البنى التحتية ودعم، بينمت كما أكد الملك عبدالله الثاني على أهمية إقامة شراكات متعددة للعراق تساعده على الخروج من أزمته وإعادة بناء المدن التي دمرها الإرهاب وإقامة منطقة تجارية مشتركة على الحدود بين البلدين، مع فتح كل الفرص لرجال الأعمال العراقيين وتأمين التوريدات التي يحتاجها السوق العراقي. 
كان "الكاظمي" منذ توليه السلطة يعمل بشكل حثيث إلى النأي بالعراق عن المحاور الإقليمية، وما أضفى المصداقية على سياسته بالنسبة إلى معظم دول المنطقة هو ما عُرف عنه من اعتدال وبراغماتية وعدم ميل للإيديولوجيات الطائفية، فضلًا عن كونه أقل خضوعًا للتأثير الإيراني من أسلافه. في غضون ذلك، بنى سياسته الإقليمية على حقائق صعبة. فالعراق اليوم دولة هشّة تقع بين ثلاث دول إقليمية متخاصمة، وهي إيران وتركيا والسعودية. يعتقد الكاظمي أن العراق يستطيع، من خلال السعي استباقيًا إلى تخفيف حدة الخلافات بين هذه القوى، أن يضطلع بدور أكثر إيجابية في المنطقة بدلًا من أن يكون مجرد ساحة لمعارك الدول المجاورة.

نائ السيد الكاظمي عن الترشيح في الانتخابات التي جرت في اكتوبر 2022 ، وقدم  نفسه في موقع الطرف المحايد وعمل بذلك على ضمان حرية التصويت ونزاهته. وعمل إلى جذب الانتباه إلى نجاحاته في السياسة الخارجية، بالإضافة إلى نجاحات متعددة في رفع الاحتياطي النقدي وجذب الاستثمارت وزيادة مظلة الضمان الجماعي ، كما حققت حكومة الكاظمي زيادة في إنتاج الطاقة الكهربائية وارتفعت صادرات العراق النفطية، لكن ظلت هذه الحكومة تعاني من الصراعات الداخلية الحزبية التي وضعت الكثير من العراقيل في طريق هذه الحكومة. 
شكل العلاقة المستقبلية بين الدول الثلاث والخليج العربي

الفترة المقبلة ستشهد مزيدًا من التعاون الاقتصادي، خصوصًا في إطار التقارب بوجهات النظر فيما يتعلق بالربط الكهربائي بين مصر والأردن والعراق، وهو من الملفات ذات الأهمية الكبرى، وكذلك التعاون فيما يتعلق بملف تحول مصر لمركز إقليمي للطاقة واستقبال الغاز المصرى فى الأردن وهذا سيؤدي إلى مزيد من التقارب أيضًا، كما أن توجهات مصر الاقتصادية تؤكد النظرة المستقبلية لصانعي القرار الاقتصادي في مصر، للتوجه نحو الاقتصاديات الكبرى.
وعلى صعيد آخر، عمل رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، على ترسيخ حرص بغداد على توطيد العمل العربي والإقليمي المشترك وليكون للملكة العربية السعودية الدور الأهم في مساعدة العراق على ضمان استقراره واستقرار المنطقة ورفاه شعوبها، وبناء التنمية المستدامة للشعوب المحبّة للسلام، واستمرار دعم العراق لجهود التوصل الى تقارب ( سعودي – إيراني ) وإيراني أمريكي.
وفي النهاية فإن أمام صانع القرار في العراق فرصة اللعب على عامل الاقتصاد وهو اللاعب الأكبر في المنطقة العربية خلال الفترة المقبلة، وهو ما يترتب عليه إنشاء السوق الشرق أوسطي والذي سيدار بواسطة القوى الإقليمية، والعراق ومصر والأردن أحد أهم محاور هذا السوق.

د. رائد العزاوي-- رئيس مركز الأمصار للدراسات الاستراتيجية