المفاوضات بين الحوثيين والحكومة الشرعية.. سنوات من الفرص الضائعة
تستمر موائد المفاوضات بين الحوثيين والحكومة الشرعية قائمة منذ أشهر الحرب الأولى وإلى الآن، والتي لم تقدم نتائج ملحوظة في الحرب إلى تاريخه.
الهدنة الإنسانية
نجد أن المفاوضات بين الحوثيين والحكومة الشرعية بدأت من أشهر الحرب الأولى، وكانت أول المحاولات الجادة في الـ 12 من مايو (أيار) 2015، أي بعد شهرين من بداية الحرب، عندما أعلنت السعودية هدنة إنسانية لمدة خمسة أيام، وحققت تلك الهدنة الهدف منها إلى حد كبير بعد رسو عدد من السفن في أربعة موانئ يمنية (الحديدة وعدن والمكلا والمخا)، إضافة إلى 18 قاطرة دخلت منفذ الوديعة تحمل مواد غذائية وطبية، إلا أن استمرار الحوثيين في الهجوم على تعز والضالع ومأرب والحدود السعودية أيضاً، عجل بعودة الاقتتال السابق مع انقضاء اليوم الخامس.
مفاوضات جينيف
واستؤنفت المفاوضات بين الحوثيين والحكومة الشرعية عبر مفاوضات مباشرة بين الحكومة الشرعية وميليشيات الحوثي في جنيف، واستدعى ذلك سعياً إلى وقف إطلاق النار، لكن سرعان ما انهارت المحاولة بعد أن اشترط الحوثي التحاور مع السعودية بشكل مباشر، في حين اشترطت الشرعية أن يكون قرار مجلس الأمن رقم (2216) مرجعاً أساساً للمفاوضات، وهو ما رفضه الطرفان لتنتهي المحاولة قبل بدايتها.
تبادل الأسرى
وقبل نهاية عام الحرب الأول في ديسمبر (كانون الأول) بالتحديد، حدثت المفاوضات بين الحوثيين والحكومة الشرعية، عندما أعلن الحوثي قبول دعوة أممية جديدة بهدنة شاملة تبدأ خلال أيام، وإرسال وفد إلى بيل السويسرية للجلوس إلى الطاولة قبالة الشرعية، سعى فيها الطرفان إلى وضع حد للحرب، إلا أن أقصى ما حققته من مكاسب كان تبادلاً للأسرى، لتنهار المفاوضات على وقع الخروقات.
مفاوضات سلطنة عُمان (2015 و2016)
سعت سلطنة عُمان، منذ تصاعد المواجهات العسكرية في اليمن، إلى التوسط من أجل حل الأزمة، واستضافت مفاوضات غير معلنة في مايو 2015 بين مسئولين أمريكيين ووفد "حوثي" لمناقشة سُبل الوصول إلى حل بين أطراف الصراع اليمني، تمهيدًا لحدوث المفاوضات بين الحوثيين والحكومة الشرعية.
كما استضافت مسقط، في نوفمبر 2016، محادثات أخرى بين "الحوثيين" ووزير الخارجية الأمريكي السابق "جون كيري"، لحثهم على وقف إطلاق النار، والانخراط في مفاوضات جديدة. أيضًا أشار عدد من التقارير الإعلامية، في يناير 2018، إلى استضافة عُمان مباحثات سرية بين قيادات "حوثية" ودبلوماسيين أمريكيين وروسيين وبريطانيين، للبحث عن مخرج للأزمة اليمنية، بيد أن كل تلك المساعي فشلت بسبب مراوغات "الحوثيين".
مفاوضات الكويت
احتضنت الكويت أولى محاولات العام الجديد التي تخلف الحوثي عن حضورها في البداية بحجة عدم التزام الطرف الآخر بالهدنة، إلا أن انتظار وفد الشرعية لثلاثة أيام كان كافياً لإقناع الميليشيات بصعود الطائرة الأممية التي كانت تنتظرهم في مطار صنعاء.
وعقب ثلاثة أشهر من جلسات الحوار التي اكتنفها تكتم إعلامي بغية إنضاج تسوية هادئة، إلا أن إحدى المرجعيات الثلاث (قرار مجلس الأمن رقم 2216) كان سبباً رئيساً في عدم التوصل إلى اتفاق، إذ دعا الطرف الحوثي المشترك ووفد علي عبدالله صالح إلى إعادة ترتيب نقاط القرار الخمس، وهي التوقف عن اتخاذ أي إجراء عسكري، وسحب جميع القوات العسكرية التي دخلت صنعاء في العام 2014 (قوات الحوثي)، والالتزام بالمبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني كمرجعيات لأي خطوة سياسية، إضافة إلى الانخراط في عملية سياسية يرعاها مجلس التعاون الخليجي بعقد مفاوضات في الرياض، فضلاً عن خطوات أخرى متعلقة بحظر التعامل مع علي عبدالله صالح وأطراف وكيانات أخرى تتبع الطرفين المتحالفين حينها.
وشدد المبعوث الأممي إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد على أن الاجراءات الأحادية التي اتخذتها الميليشيات في اليمن تعرّض التقدم المحرز في مشاورات الكويت للخطر، مشيرا إلى أن اتفاق الحوثيين والمخلوع صالح خرق واضح للمبادرة الخليجية والدستور اليمني، كما يخالف القرار الأممي 2216، حيث كان إعلان الميليشيات الانقلابية في اليمن تشكيل مجلس سياسي لإدارة البلاد هو بمثابة نسف للعملية السياسية، والمشاورات الجارية في الكويت، واعتبر وزير الخارجية اليمني عبدالملك المخلافي أن الحوثيين قاموا بانقلاب جديد، مطالبا المجتمع الدولي بإدانته.
مباحثات جنيف (سبتمبر 2018)
كان من المفترض عقد جولة أخرى من المفاوضات بين الحكومة الشرعية اليمنية وميليشيا "الحوثيين" في جنيف، برعاية الأمم المتحدة، خلال الأسبوع الأول من سبتمبر 2018، بيد أن المبعوث الدولي لليمن "مارتن غريفيث"، أعلن فشل هذه المباحثات قبل أن تبدأ، بسبب عدم حضور وفد "الحوثيين"، وهو ما كان متوقعًا، لأن "الحوثيين" اعتادوا ذلك، وإن كانوا قد تحججوا هذه المرة بعدم موافقة دول التحالف العربي على شروطهم بنقل وفدهم إلى جنيف بطائرة خاصة دون تعرضها للتفتيش، ومنح ممثليه ضمانات للعودة إلى صنعاء، بالإضافة إلى نقل جرحى من عناصر الميليشيا إلى سلطنة عُمان. واتهم وزير الخارجية اليمني "خالد اليماني" "الحوثيين" بتخريب مفاوضات جنيف، قائلا إن "هذا الأمر يحدث في كل مرة".
ستوكهولم
على وقع الزحف السريع والثابت للقوات اليمنية المشتركة نحو مدينة الحديدة ومينائها الكبير (ثاني أهم ميناء في اليمن بعد ميناء عدن) وتوالي الهزائم الحوثية على امتداد الساحل الغربي للبلاد، وبعد أن بدا أن القوات المشتركة على مرمى حجر من المدينة الاستراتيجية، كان الحوثيون أمام خيارات مرة أحلاها تسليم المدينة التي تدر عليهم موانئها مليارات الريالات يومياً.
وبحسب كل المعطيات فالحوثي هو من طلب التهدئة وسعى إلى السلام هذه المرة بعد أن كان على وشك الغرق في مياه الساحل الغربي للبلاد، ليعلن مبعوث الأمم المتحدة استعدادهم للتفاوض، منتهزاً الفرصة للضغط على القوات الحكومية والتحالف العربي بوقف الهجوم والجلوس إلى طاولة المفاوضات في ستوكهولم.
وبالفعل استجابت الشرعية ورحب التحالف العربي عبر بيان بالمحادثات، لتنطلق برعاية أممية في مدينة ستوكهولم السويدية، يوم السادس من ديسمبر (كانون الأول)، وأسفرت عن توصل الحكومة الشرعية والحوثيين إلى اتفاق يقضي بانسحاب الميليشيات من مدينة الحديدة وموانئها الثلاثة (الحديدة والصليف ورأس عيسى)، ووقف إطلاق النار وإطلاق سجناء من الجانبين، والتوصل إلى تفاهم مشترك حول محافظة تعز (وسط البلاد) يهدف إلى فتح ممرات إنسانية عبرها وإدخال المساعدات إليها، إضافة إلى تجميد جبهة الحديدة التي كان سقط جزء كبير منها في يد الحكومة الشرعية التي سيطرت على مرافقها الأساس مثل المطار ومركز المدينة، إلا أنها انسحبت كجزء من عملية وقف إطلاق النار في مقابل وقوع الميناء تحت الرقابة الأممية لعدم استخدامه من الحوثيين لدواع عسكرية، وهي الخطوة التي وصفها رئيس الوزراء اليمني معين عبدالملك بعد ثلاث سنوات من تلك اللحظة بـ "الفاشلة"، نتيجة فشل ضبط التهريب بحسب ما تصرح به السلطات اليمنية وينفيه الحوثيون.
ومع ذلك لم يتم تنفيذ "اتفاق ستوكهولم"، إذ رفض الحوثيون الانسحاب، وعندما انتشرت قوة الأمم المتحدة في الحديدة تعرضت إلى إطلاق النار ونجح الحوثيون في تعزيز وجودهم خلال فترة المفاوضات وأعادوا تنظيم خطوط معاركهم في المناطق التي بدت على وشك الانهيار قبل تدخل مبعوث الأمم المتحدة.
ووفقاً لخبراء عسكريين فقد أنقذ "اتفاق ستوكهولم" الحوثيين الذين شرعوا بعد ذلك في شن حملة عسكرية للاستيلاء على محافظة مأرب الغنية بالموارد.
هدنة كورونا
في أبريل (نيسان) 2020 بلغت حال التفشي الوبائي لفيروس كورونا ذروته التي ضربت العالم، ودعت الأمم المتحدة المتحاربين حول العالم إلى مراعاة الظرف الصحي وعدم مفاقمة الأوضاع الإنسانية، داعية إياهم إلى وقف الاقتتال وإعلان هدنة بشكل مؤقت، وهو الأمر الذي استجاب له تحالف دعم الشرعية في اليمن عندما أعلن المتحدث باسمه العميد تركي المالكي في التاسع من أبريل وقف القتال من طرف واحد مدة أسبوعين.
وعرض المالكي تمديد الهدنة في حال التزام الطرف الآخر بها، وهو ما تم فعلاً عندما تم تمديدها بعد ذلك لمدة شهر، على الرغم من ادعاء التحالف أن الحوثي لم يبد التزاماً كاملاً، إلا أنه ينوي "وقف إطلاق النار من طرف واحد"، وهو ما لم يعلق عليه الحوثيون في حينه.
مفاوضات الأردن
أضحت تعز؛ ولأول مرة، في نطاق الاهتمام الدولي الجاد، والذي أنتج بدوره تحركات مكثفة أممية وأمريكية مشتركة، في جعل تعز بندا رئيسيا في الهدنة المعلنة أمميا مطلع أبريل (2022)، والتي أفضت إلى وضع مدينة تعز على طاولة المباحثات الجارية في العاصمة الأردنية؛ عمان، التي بدأت في (25 مايو 2022).
وبالتزامن مع بدء المشاورات بشأن الطرقات المغلقة الخاصة بتعز، أصدر مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن، هانس جروندبرج، بيانا دعا فيه الحكومة والحوثيين إلى تمديد الهدنة، باعتبارها "نافذة لكسر دوامة العنف"، وطريقا لبناء "حل سلمي للنزاع في اليمن". وبنى جروندبرج تفاؤله بتطويل زمن الهدنة، إلى المعطيات الراهنة، المتمثلة باستمرار الرحلات الجوية من وإلى مطار صنعاء، وانطلاق المشاورات بشأن منافذ مدينة تعز.
البيان الأممي، اعتبر المفاوضات الجارية في العاصمة الأردنية، فرصة للتوصل إلى اتفاق يسهل "حرية التنقل ويؤدي إلى تحسين ظروف المدنيين، ويضمن لهم الوصول الآمن إلى أماكن عملهم والمستشفيات واستعادة حرية التجارة الحيوية". وكان من الواضح أن اللغة الأممية عن المتعلقة بتعز، بدت أكثر تفاؤلا، بالنظر إلى أن هذه المفاوضات حول تعز، هي الأولى منذ سبع سنوات.
مع ذلك، فإن المفاوضات بشأن تعز، لا تزال نتائجها غامضة، فمستوى الثقة بين طرفي التفاوض؛ وفدي الحكومة والحوثي، لا تزال منعدمة، خصوصا من قبل الحكومة بالحوثي، وهو ما ظهر من خلال لغة التحذير الذي نصحت به الحكومة وفدها المفاوض، حيث أكدت عليه رفض سياسة التجزئة في ملف تعز، والتمسك برفع الحصار كاملا دون شروط وبشكل عاجل.
قال رئيس لجنة الحكومة اليمنية في المفاوضات مع الحوثيين بالأردن عبد الكريم شيبان، الجمعة، إن هناك "تعنتاً واضحاً ومماطلة وعدم جدية وعدم استجابة" من الحوثيين لرفع المعاناة عن أبناء تعز.
وحذر شيبان في تصريحات صحافية من أنه إذا لم يستجب الحوثيون لفتح الطرقات التي تربط تعز ببقية المحافظات مساء الجمعة "فسنضطر إلى التوقف عن النقاش والحوار".
وأضاف أن جماعة الحوثي "لم تستجب للتصور الذي قدمناه بفتح جميع الطرقات في تعز"، مشيراً إلى أن الجماعة اقترحت فتح ممر جبلي قديم.