مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

أدهم إبراهيم يكتب: الإطار التنسيقي والتحالف الثلاثي أسباب الخلاف.. ولمن ننحاز؟

نشر
الأمصار

كثر الحديث في الأشهر الأخيرة عن الانسداد السياسي في العراق إثر الانتخابات المبكرة التي جاءت بعد انتفاضة تشرين المجيدة.
إذ برزت جهتان للتصدي للعملية السياسية للسنوات الأربع القادمة.

الأولى: الإطار التنسيقي الذي يوصف بأنه مدعوم من إيران لكونه يتبنى مشروع الولي الفقيه وبالتالي الهيمنة الإيرانية على مقدرات العراق.

والثانية. التحالف الثلاثي بقيادة السيد مقتدى الصدر الذي فاز بالأغلبية في الانتخابات الأخيرة. والذي يدعو إلى حكومة الأغلبية الوطنية.
 يقول السياسي المقرب من "التيار الصدري"، مناف الموسوي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه "من الخطأ اعتبار الخلافات الحالية محصورة بتشكيل الحكومة، بل القضية ترتبط بمشروع أو رؤية الصدريين عموماً للمشهد العراقي".

ويوضح أن هذه الرؤية ترتكز على "فك التبعية للخارج، وتحرير مؤسسات الدولة، وبناء جيش قوي وفاعل، وإجراء إصلاحات حقيقية في مختلف المجالات، خاصة المتعلقة بحياة المواطنين".

ونحن هنا لا نريد أن نروج لجهة دون أخرى فكلاهما اشتركا بالعملية السياسية على وفق مايسمى بالنظام الديموقراطي الجديد، ولكننا بالتأكيد سننحاز إلى الجانب الذي يضع العراق أولا، والدفاع عن استقلاله الناجز أمام أطماع الدول المجاورة سواء الخليجية أم الإيرانية أو التركية ناهيك عن التدخلات الأمريكية.

وفي هذا المقال سنبين الجانب السياسي للخلاف موضوع البحث، إذ إننا غير معنيين بالتوجهات الدينية أو الفقهية لهذا الجانب أو ذاك، ألا بقدر تعلق الظامر بالوطنية العراقية والاستقلال السياسي للعراق أرضا وشعبا.

أن الصراعات الحاصلة في المنطقة منذ عشرات السنين أو أكثر هي نزاعات سياسية خالصة غلفت باطر دينية وفقهية لكسب التأييد للمشاريع الإقليمية والدولية المطروحة، وكلنا نعلم أن الجانب الديني له سطوة على عقل وسلوك مواطني المنطقة.

ولعل أهم خلاف سياسي برز بوجهه الديني، وخصوصًا في العراق، هو ذاك الذي يتبنى المرجعية الدينية في النجف الأشرف وما يقابله، أو بالضد منه مشروع الولي الفقيه في طهران.

المرجعية الدينية في النجف الأشرف هي منصب ديني يرجع إليه الناس لمعرفة الأحكام الشرعية للحوادث المستجدة في حياتهم.
وقد تأسست في العراق على أرجح الآراء عام 448 هجريًا  "1056م" . وهناك من يعيدها إلى عام 329 هجريا "941 م" .

أما حوزة قُم الإيرانية  فلم تتأسس إلا عام 1356هجريًا "1937م"  لأغراض أغلبها سياسية.

وبعد الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 أعلن الخميني تطبيق نظرية ولاية الفقيه.
وأثار هذا المشروع الكثير من الجدل وردود الفعل المتفاوتة ما بين القبول أو الرفض.

وبالرغم من أن نظرية ولاية الفقيه قديمة.

 إلا أن الخميني في مشروعه الجديد استند إلى فكر الإخوان المسلمين في مصر الذي أسسه حسن البنا والذي يدعو إلى الحاكمية لله، والتي تعني أن يتولى الفقيه شؤون الناس في عامة أمورهم سواء الفقهية أو الدنيوية، لتكتسب بذلك طابعًا سياسيًا شموليًا.
وهنا تم ربط الجانب السياسي مع الديني في موضوع الاختلاف بين مرجعية النجف ومرجعية قم، فبالنسبة لإيران الشخص الأول من الناحية السياسية والدينية هو الولي الفقيه، وبالتالي فهو الحاكم السياسي الفعلي.
في حين أن المرجعية الدينية بحوزة النجف الأشرف لا يتعدى واجبها النصح والإرشاد في الجانب الديني .

أن الخلاف بين المرجعية الدينية في النجف الأشرف، وولاية الفقيه في طهران أصبح واقع حال لايمكن التغاضي عنه حيث تسبب في زيادة النفوذ الإيراني في العراق.

ويرى الباحث العراقي علاء حميد أن الصراع السياسي الصامت بين المرجعيتين يؤكد أن الاختلاف العميق قد كشف عن نظرة الطرفين للسلطة، إذ عملت مرجعية النجف الدينية على خلق مسافة تبعدها عن السلطة لكي تحافظ على دورها الروحي، وتمارس استقلاليتها فيما يخص الأمور التي تتصرف فيها، بعكس المرجعية التي تعتقد بولاية الفقيه، فإنها تريد الحضور في السلطة حتى تتولى إدارتها، ويكون لها التصرف بالشؤون العامة والخاصة".

أن مشروع ولاية الفقيه ومارافقه من نظرية تصدير الثورة الإيرانية قد الحق الضرر البالغ بالعراق وبالمنطقة العربية منذ أمد بعيد.
وأن الاحتلال الأمريكي الإيراني المزدوج للعراق قد منح إيران الولاية للتدخل في الشؤون الداخلية للعراق ، وقد عملت على تشكيل ميليشيات مسلحة تدين بالولاء المطلق للولي الفقيه وتنفذ سياسة إيران في العراق.
مما دعى كثير من الانتهازيين والطامعين بالسلطة من كل الطوائف والقوميات إلى محاباة إيران والتقرب إليها لاستجداء المناصب الحكومية لعظم تأثير إيران في السياسة العامة العراقية.

وقد نشرت الفضائية الألمانية DW مقالا بينت فيه أن جدلا شديدا وغضبا متصاعدا يسود الشارع العراقي وداخل الأوساط السياسية وكذلك على مواقع التواصل الاجتماعي، على خلفية نشر صحيفة نيوريورك تايمز وموقع ذي انترسبت الأمريكيين وثائق، هي جزء من أرشيف الاستخبارات الإيرانية السرية تم تسريبها، كشفت عن النفوذ الإيراني المتزايد في العراق.

الوثائق الجديدة سكبت المزيد من الزيت على النيران المشتعلة أصلا في العراق بسبب التدخلات الإيرانية في البلاد. فقد أكدت أكثر من 700 صفحة من تقارير، كتبت بين 2014 و2015 من قبل وزارة الاستخبارات والأمن الوطني (إطلاعات)، حجم التدخلات الإيرانية السافرة في العراق.

وتؤكد الفضائية الإلمانية أنه بحسب هذه التسريبات تكون البلاد قد سقطت تماما في قبضة النظام الإيراني وليصبح معظم المسؤولين العراقيين مجرد متلقين للأوامر من دولة أخرى أي إيران.

أن هذه التدخلات السافرة في شؤون العراق الداخلية قد دفعت بالمحتجين العراقيين في انتفاضة تشرين عام 2019 ومابعدها باحراق العديد من القنصليات الإيرانية في العراق، مع إضرام النار في صور بعض قادة إيران .

وعند ظهور نتائج الانتخابات الأخيرة، بانت الانقسامات بين صفوف السياسيين.
فمنهم من يدين بالولاء لإيران ليس من باب الانتماء السياسي أو العقائدي، إذ إن كثيرًا منهم لم يكن يؤمن بمشروع الولي الفقيه، وإنما لضمان مصالحهم الشخصية والحفاظ على سلطتهم ومواقعهم القيادية متمرسين خلف ميليشيات مسلحة.

وهناك من خالف التدخل الإيراني السافر، ودعى إلى الاستقلال الناجز
للعراق.

ونحن لسنا ضد إيران نظاما وشعبا وإنما ضد عدم التكافؤ في العلاقات العراقية الإيرانية حتى أصبح العراق أشبه بمحافظة من محافظات النظام الإيراني، ويأتمر كثير من القادة السياسيين فيه بأوامر الولي الفقيه.

وبناء عليه فإننا لسنا مع الإطار التنسقي ولا مع التحالف الثلاثي في انقسامهما الآخذ بالتوسع، إلا بمقدار ضمان المصلحة الوطنية العراقية والانحياز إلى الشعب العراقي وتطلعاته في حكم نفسه بنفسه وصرف موارده وخيراته على أبناء الشعب وانتشاله من حالة البؤس والفقر نتيجة الخضوع للإملاءات الخارجية ومصادرة حقوقه وحقوق أجياله ومستقبله تحت لافتات دينية مخادعة ومضللة هدفها الاستحواذ على مقدرات هذا الشعب المغلوب على أمره وحقوقه المشروعة.
وعلى جميع الأطراف الأخذ بنظر الاعتبار مصلحة الشعب العراقي واستقلاله الناجز بعيدا عن التدخلات الأجنبية من أي طرف كان ، وبعكسه فإن العملية السياسية ذاهبة إلى الانهيار، ولن ينفع معها حل مجلس النواب ولا التهديد بالميليشيات المسلحة. 

وستكون الكلمة الأخيرة لهذا الشعب الصامد
الذي يستحق نظاما سياسيا قائما على العدل والمساواة، والاستقلال الناجز ..