"المصالحة الوطنية" في ليبيا بين التحديات والآمال لتوحيد الصفوف وسلامة البلاد
دشن رئيس المجلس الرئاسي الليبي، محمد المنفي، اليوم الخميس، المرحلة الأولى من مبادرة المصالحة الوطنية الشاملة، للإسراع إلى إنهاء الفترة الانتقالية والسعي إلى إجراء الانتخابات.
وقال المنفي، "عقدنا العزم على تدشين هذه المبادرة الجادة في مصالحة وطنية شاملة لكافة أطياف الشعب ونطلق رؤيتنا لتحقيق المصالحة الوطنية تنفيذا للعدالة وصون الحريات".
وأشار إلى أن الوقت قد آن، لأن يتسامى ويتصالح الليبيين بعد معاناة الفرقة، وآن لكل ليبي وليبية أن يعيش في استقرار.
ودعا المجلس الرئاسي لعرض مشروع المصالحة في أقرب وقت، مشددا على أهمية إنجاز هذه المصالح دون تأجيل أو تأخير.
ومن جانبه طالب رئيس مجلس النواب الليبي المستشار عقيلة صالح الليبيين بالتنازل لبعضهم لضمان سلامة البلاد.
وقال صالح: "نتطلع في هذه المرحلة التاريخية إلى السمو فوق الخلافات ونبذ المشاحنات والصراعات التي عطلت مسيرة الحياة وأفسدت العلاقات وحالت دون توحيد المواقف والصفوف وضيعت المقدرات"، مؤكدا أنه يجب على "الجميع التنازل لضمان سلامة البلاد".
وأضاف: "نتطلع نحو إنجاز مصالحة وطنية حقيقية تضمن تحقيق الأمن والأمان وتطوي ماضي الصراعات لنمضي بخطوات ثابتة نحو دولة القانون والمؤسسات، لا إقصاء لأحد، وللكل حقوق وواجبات وفق دستور يرتضيه الليبيون".
وأكد أن المصالحة الوطنية "ستسهم في إحلال الألفة مكان الفرقة، واستئصال داء النزاع وحقن الدماء وإعادة النازحين والمهجرين إلى قراهم بين أهليهم وذويهم، وطوي ماضي الثارات والاقتتال".
وأشار إلى أن "المصالحة ركن أساسي في بناء الوطن، وضمان استقراره ونهضته، ولنا العبر والدروس في شعوب شقت طريقها عبر المصالحة الوطنية، وطوت صفحات الظلم والاستبداد".
وطالب صالح الجميع بدعم "تلك الغاية النبيلة بمختلف الوسائل وعبر جبر الضرر، واستعادة الوئام والسلام، وتجاوز العنف والعبث، وترسيخ معاني الأخوة والمساواة وقيم التسامح".
مشروع وطني
يعد إطلاق مشروع للمصالحة الوطنية في ليبيا وتشكيل مفوضية وطنية عليا، أحد أهم ما كلف به المجلس الرئاسي الليبي من قبل ملتقى الحوار السياسي الليبي المنعقد في جنيف بين أطراف النزاع الليبي، والذي رعته الأمم المتحدة وانبثق عنه المجلس الرئاسي كسلطة ليبية في 5 فبراير/شباط 2021.
وفي هذا السياق صرح رئيس الرئاسي الليبي قائلًا "عزمنا من خلال هذه الرؤية على تجنيب شعبنا ويلات الحروب وما تخلفه من فقد وأسى وتهجير وتشريد وحرمان، ولا يتأتى ذلك إلا بإنفاذ القانون وتحقيق العدالة وتكريس حقوق المواطن وكرامته وصون حرياته".
وعن تفاصيل المشروع، قال عبدالله اللافي إنه "تم الانتهاء من مرحلة تأسيس مشروع المصالحة الوطنية".
وأضاف أن "المصالحة الصحيحة لا تنتهي بالتوقيع على مشروع أو اتفاق، بل هي مشروع وطني مستمر يعالج أخطاء الماضي ويحصّن المجتمع من الوقوع في براثن النزاع ويؤسس لقيام دولة القانون".
وتابع: "المجلس الرئاسي عقد العزم منذ اللحظة الأولى على التأسيس الصحيح لمشروع المصالحة الوطنية، مستهدفا به بلدا موحدا ومجتمعا متماسكا ودولة قوية".
وأكد أن مجلسه "فضّل العمل بعيدا عن الأضواء للتأسيس لمشروع المصالحة مستعينا بعدد من الخبراء في مختلف المجالات، إضافة إلى مشاركة أصحاب الأفكار والمبادرات في تناول المشروع من مختلف جوانبه".
الأزمة الليبية
تشهد ليبيا أزمة سياسية تفاقمت مؤخرا بعد إصرار عبدالحميد الدبيبة رئيس حكومة الوحدة الوطنية السابقة، على رفض قرار برلمان البلاد بإقالته وتكليف فتحي باشاغا على رأس الحكومة الجديدة، التي تمارس عملها بالفعل من مدينة سرت الساحلية.
ويتوقع المحللون السياسيون أن الأمور ستزداد تعقيدا لمجموعة من الأسبابوهي:
أولا: بعد اقل من أربعة اسابيع لن تكون لجميع الهيئات التنفيذية التى خرجت من منتدى حوار جنيف للأمم المتحدة شرعية. قرب انقضاء مدة خريطة الطريق التى كان قد أقرها ملتقى الحوار الوطنى الليبى والذى أسفر عن تشكيل المجلس الرئاسى الليبى واختيار الدبيبة رئيسا للحكومة كمرحلة انتقالية، يعنى نظريا عدم تمتع حكومته بالشرعية بنهاية يونيو، لاسيما فى ظل عدم وضوح مستقبل عقد الانتخابات الرئاسية والتشريعية. ذات الأمر بالنسبة للمجلس الرئاسى الليبى الذى لن يكون شرعيا من الناحية الفنية. هذا الوضع ينذر بخلق المزيد من عدم الاستقرار وتفاقم الصدام بين حكومتى الدبيبة وباشاغا.
ثانيا: يعتبر وصول رئيس الحكومة المكلف من البرلمان، فتحى باشاغا، الى طرابلس وتعزيز وضعيته فى العاصمة وممارسة مهام عمله من داخلها وإجبار الدبيبة وحكومته على الخروج من السلطة دون إراقة الدماء، هو السبيل الوحيد أمامه لفرض الأمر الواقع وانتزاع الاعتراف الدولى بحكومته. لكن، ورغم المساعى المتواصلة لتحقيق ذلك فإن باشاغا لم ينجح فى مهمة الدخول لطرابلس. فى اخر محاولة قام بها أجبرته الاشتباكات بين الميليشيات على الخروج من العاصمة سريعا.
هذا الوضع يعزز من احتمالات التصعيد بين الطرفين فى مرحلة ما بعد انقضاء شرعية حكومة الدبيبة فى نهاية شهر يونيو الحالي. من ناحية هناك ميل للدول الغربية لإبقاء الوضع الراهن على ما هو عليه كونه يخدم مصالحها، فضلا عن اهتمامها حاليا بأزمة أوكرانيا على حساب الملفات الإقليمية، وأخذا فى الاعتبار أن الدبيبة هو من يسيطر بالفعل على مجريات الأمور لاسيما الموارد المالية وموازنة الدولة بالتنسيق مع محافظ البنك المركزي. من ناحية اخرى، سيسعى باشاغا لمواصلة مساعيه للدخول إلى طرابلس، خاصة ان حكومته موجودة بالفعل فى إقليمى الشرق والجنوب.
الأمم المتحدة والأزمة الليبية
من جهتها، تعمل مستشارة سكرتير عام الأمم المتحدة، ستيفانى ويليامز، بدعم من الدول الغربية على طرح أفكار ومسارات موازية تتجاوز كلتا الحكومتين الليبيتين، ومنها على سبيل المثال إعادة هيكلة ملتقى الحوار الوطنى الليبى لتشكيل حكومة جديدة مصغرة للإشراف على الانتخابات. بهذا الخصوص، ترى العديد من الأطراف الليبية عدم رجاحة هذا الطرح باعتباره سيزيد الأمور تعقيدا بإنتاج حكومة ثالثة جديدة ستكون أيضا منقوصة الشرعية طالما لم تحظ بثقة البرلمان الليبى بمجلسيه (مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة).
وأعلنت المستشارة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا ستيفاني وليامز اليوم اجتماعا بين رئيس مجلس النواب الليبي ورئيس المجلس الأعلى للدولة، في جنيف الأسبوع المقبل في محاولة لإيجاد اتفاق حول إطار دستوري لإجراء انتخابات.
وكتبت وليامز في تغريدة "يسرني التأكيد على قبول رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، ورئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، دعوتي للاجتماع في مقر الأمم المتحدة بجنيف، في 28 و29 حزيران/يونيو" على أن تُناقش في الاجتماع مسودة الإطار الدستوري بشأن الانتخابات.
يأتي هذا الاجتماع بعد إعلان بعثة الأمم المتحدة الاثنين فشل الأطراف الليبية في الاتفاق على الإطار الدستوري المنظم للانتخابات، داعية إلى اجتماع جديد خلال 10 أيام لحسم النقاط الخلافية.
واختتمت الأطراف الليبية الأحد ممثلة في لجنة مشتركة من مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، مباحثاتها المتعلقة بالمسار الدستوري في العاصمة المصرية التي استمرت اسبوعا، وكان يتوقع إعلان التوصل لاتفاق نهائي في الجولة الثالثة والأخيرة من محادثات القاهرة.
وعلى الرغم من التوافق بشأن الكثير من النقاط في القاهرة، إلا أن الخلافات ظلت قائمة بشأن التدابير المنظمة للمرحلة الانتقالية المؤدية إلى الانتخابات.