كيف أصبح حكم إلغاء حق الإجهاض إلى معركة في السياسة الأمريكية؟
تباينت ردود الفعل في الولايات المتحدة وخارجها، حول القرار التاريخي الذي اتخذته المحكمة الأميركية العليا صباح الجمعة، بإلغاء حق الإجهاض الذي وضع قبل قرابة 50 عامًا.
وفي حكم صدر بتأييد ستة مقابل رفض ثلاثة أعضاء، أيدت المحكمة بأغلبيتها المحافظة قانونا صدر في ولاية مسيسيبي ودعمه الجمهوريون وتم بموجبه حظر الإجهاض بعد 15 أسبوعا من الحمل.
وجاء التصويت بتأييد خمسة مقابل رفض أربعة لإبطال حكم قضية رو ضد وايد إذ كتب كبير القضاة جون روبرتس بشكل مستقل إنه يدعم تأييد القانون الصادر في ولاية مسيسيبي لكنه لا يؤيد الخطوة الإضافية التي تلغي السابقة القانونية كليا.
وجاء في حيثيات الحكم عن إلغاء حق الإجهاض الصادر أن الحكم الصادر عام 1973 في قضية (رو ضد وايد) وسمح بالإجهاض قبل أن يتمكن الجنين من الحياة خارج الرحم، بين 24 و28 أسبوعا من الحمل، كان خاطئا لأن الدستور الأمريكي لا يأتي بالتحديد على ذكر حقوق الإجهاض.
ومنذ صدور قرار المحكمة العليا الأمريكية في قضية (رو ضد وايد) الذي اعترف بحق المرأة في الإجهاض في جميع أنحاء البلاد في عام 1973، أصبحت القضية واحدة من أوضح الخطوط الفاصلة في السياسة الأمريكية مع دعم السياسيين الديمقراطيين بشدة حق النساء في الإجهاض واصطفاف المشرعين الجمهوريين في معارضته.
ويمنح حكم المحكمة المثير للجدل والمتوقع للولايات الفردية سلطة وضع قوانين الإجهاض الخاصة بها دون القلق من التعارض مع الدولة، التي سمحت بالإجهاض لما يقرب من نصف قرن، خلال الثلثين الأولين من الحمل.
ما الذي تغير؟
كان الإجهاض عند الطلب مشروعا في أربع ولايات في أوائل السبعينيات من القرن الماضي، بينما سمحت به 14 ولاية أخرى في بعض الظروف.
وبينما عارضت الكنيسة الكاثوليكية الإجهاض، كانت الكنيسة المعمدانية الجنوبية، وهي أكبر طائفة إنجيلية، تقول على المستوى الرسمي إنه يجب السماح به في كثير من الظروف. ولم يكن أي من الحزبين ينظر إلى الإجهاض على أنه قضية حاسمة.
الناخبون كذلك لم يكونوا ينظرون إلى القضية من منظور حزبي. فقد وجد استطلاع للرأي العام أجرته هيئة المسح الاجتماعي عام 1977 أن 39 بالمئة من الجمهوريين قالوا إنه يجب السماح بالإجهاض لأي سبب من الأسباب مقارنة بنسبة 35 بالمئة من الديمقراطيين.
في السنوات اللاحقة، بدأ نشطاء محافظون مثل فيليس شلافلي في طرح هذه القضية باعتبارها تهديدا للقيم التقليدية وقاموا بحشد دعم الكنائس الإنجيلية التي أظهرت اهتماما على غير العادة بالسياسة بعد سلسلة من الأحكام القضائية التي قيدت إقامة الصلوات في الأماكن العامة.
صورت هذه المجموعات الإجهاض على أنه تهديد لنسيج الأسرة جنبا إلى جنب مع التطورات الاجتماعية الأوسع مثل حقوق المثليين وارتفاع معدلات الطلاق وعمل النساء خارج المنازل. وقالت ماري زيجلر المؤرخة القانونية في جامعة كاليفورنيا ديفيز إن الإجهاض أصبح بالنسبة للقساوسة وراعية الكنائس قضية دالة على المخاوف بشأن مجتمع آخذ في التحرر.
وفي عام 1980، أصدرت الكنيسة المعمدانية الجنوبية قرارا يعارض الإجهاض في ارتداد عن موقفها السابق.
كما منح فوز الجمهوري رونالد ريجان بالرئاسة في نفس العام معارضي الإجهاض مناصرا قويا لقضيتهم في البيت الأبيض.
الرئيس الأمريكي
وندد الرئيس جو بايدن بحكم إلغاء حق الإجهاض ووصفه بأنه يتبنى "نهجا متطرفا وخطيرا".
وقال بايدن في البيت الأبيض حول إلغاء حق الإجهاض: "هذا يوم حزين للمحكمة وللبلاد.. لقد فعلت المحكمة ما لم تفعله من قبل.. استلبت بصورة معلنة حقا دستوريا وهو حق أساسي لكثير من الأميركيين".
وأضاف الرئيس الديمقراطي حول إلغاء حق الإجهاض أن تمكين الولايات من حظر الإجهاض يجعل الولايات المتحدة خارج الصف بين الدول المتقدمة فيما يتعلق بحماية الحقوق الإنجابية.
وحث بايدن الكونجرس على إصدار قانون يحمي الحق في الإجهاض، لكنه اقتراح غير مرجح نظرا لوجود انقسامات حزبية إزاءه.
وقال بايدن إن إدارته ستحمي حق النساء في الحصول على الأدوية التي وافقت عليها إدارة الأغذية والعقاقير الأميركية بما في ذلك حبوب منع الحمل والإجهاض باستخدام الأدوية، مع محاربة مساعي فرض قيود على سفر النساء إلى دول أخرى لإجراء عمليات الإجهاض.
وزير العدل
وقال وزير العدل الأميركي ميريك جارلاند بعد حكم المحكمة العليا بشأن الإجهاض إن وزارة العدل ستستخدم كل الوسائل التي تحت تصرفها لحماية الحرية الإنجابية، وإن الوكالات الاتحادية قد تستمر في تقديم خدمات الصحة الإنجابية إلى أقصى حد يسمح به القانون الاتحادي.
وقال جارلاند في بيان: "هذا القرار يوجه ضربة قاصمة للحرية الإنجابية في الولايات المتحدة. سيكون له تأثير مباشر لا رجعة له على حياة الناس في جميع أنحاء البلاد.. سيكون تأثيره غير متناسب إلى حد كبير في ظل الأعباء الكبرى التي يتحملها الأشخاص من غير أصحاب البشرة البيضاء وذوو الموارد المالية المحدودة".
أما وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، فأكد أن البنتاغون "يفحص" قرار المحكمة بشأن الإجهاض، وسيضمن الوصول إلى الرعاية الصحية الإنجابية على النحو المسموح به بموجب القانون الاتحادي.
ترامب يرحب: الرب فعل ذلك
ومن ناحية أخرى، احتفل عدد من الجمهوريين، وعلى رأسهم الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، بالقرار، واعتبروه انتصارا للعادات والتقاليد والحقوق الدستورية.
وقال ترامب لمحطة فوكس نيوز: "الرب هو الذي اتخذ القرار".
وأضاف الرئيس الأميركي السابق: "هذا القرار يعيد السلطة إلى الولايات، وهي السلطة التي تنتمي لهم دائما".
ترامب وبنس
مايك بنس: الحياة انتصرت
أما نائب الرئيس السابق مايك بنس، فقد علق على القرار بقوله: "اليوم انتصرت الحياة".
وكتب بنس على تويتر: "بإلغاء تشريع قرار الإجهاض، أعطت المحكمة العليا للولايات المتحدة الشعب الأميركي بداية جديدة للحياة وأنا أشيد بالقضاة لشجاعتهم في قناعاتهم".
وأضاف: "من خلال إعادة سلطة الإجهاض إلى الولايات، فإن هذه المحكمة العليا قد أصلحت خطأ تاريخيا، وأكدت مجددا على حق الشعب الأميركي في حكم نفسه على مستوى الدولة بطريقة تتفق مع قيمهم وتطلعاتهم".
مسؤولو الولايات الجمهورية
وفي بيان رسمي، قال المدعي العام بولاية لويزيانا جيف لاندري: "فلنفرح اليوم إلى جانب الملايين في جميع أنحاء لويزيانا وأميركا، أفرح مع والدتي الراحلة والأطفال الذين لم يولدوا بعد معها في الجنة"
كما أشاد المدعي العام في تكساس كين باكستون بالقرار: "إلغاء القانون السابق ينهي واحدة من أكثر العصور فسادا أخلاقيا وقانونيا في تاريخ الولايات المتحدة".
واحتفلت حاكمة ولاية داكوتا الجنوبية كريستي نويم: "لقد صلينا من أجل هذا اليوم، والآن ها نحن".
وفي ولاية أوكلاهوما، التي تفرض حظرا صارما على الإجهاض في الولايات المتحدة، قال الحاكم كيفين ستيت: "أنا متحمس جدا لأن المحكمة العليا اتخذت هذا القرار الشجاع.. إنني أتطلع إلى بقية البلاد في اتباع نهج أوكلاهوما لحماية الحياة".
ونشرت عضوة الكونجرس الجمهورية مارجوري تايلور غرين مقطع فيديو مع عضو الكونغرس عن ولاية تينيسي تيم بورشيت، معلقة: "نحن نبتهج في كابيتول هيل".