محاولة للتشبث بالأمل..
"اتفاقية اسطنبول" مبادرة لإنقاذ العالم من أزمة الغذاء.. فهل ستتحقق بنودها
يشهد العالم منذ فترة ليست بالقليلة، حالة من الاضطرابات على كافة الأصعدة، وخاصة على الصعيد الاقتصادي؛ وذلك بسبب تداعيات الحرب الروسية - الأوكرانية، التي أثرت بدورها على كافة دول العالم وأصبحت بمثابة أهم عوامل التغيير في العالم أجمع.
وتسببت حرب روسيا وأوكرانيا بأزمات عديدة، يأتي على رأسها أزمة الغذاء التي أصبحت بمثابة قنبلة موقوتة تهدد دول العالم أجمع.
وتفاقمت أزمة الغذاء في العالم بعد اشتعال فتيل الحرب في أوكرانيا؛ حيث يمثل 30٪ من واردات القمح في العالم، وتكدست كمية تزيد على 20 مليون طن في صوامع أوكرانية في الجنوب، منذ بداية الحرب.
وأشارت عدد من التقارير إلى أن الحصار الروسي المفروض على موانئ أوكرانيا على البحر الأسود يقف خلف أزمة الحبوب.
وأفادت دراسة لشركة «أليانز تريد» للتأمين، أن هناك 11 دولة، معظمها في أفريقيا وآسيا والشرق الأوسط، معرضة لاحتمال مرتفع بنشوب توترات اجتماعية، بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية، في حالة عدم حل الأزمة.
وأكد برنامج الأغذية العالمي، في تقرير له، أن نحو 37 مليون شخص وصلوا إلى مرحلة متعثرة من الجوع الشديد؛ بسبب تبعات الحرب.
ومن هذا المُنطلق بدأت الدعوات من عدد كبير من الدول للتوسط بين البلدين المتنازعتين لحل تلك الأزمة التي بدورها تهدد مختلف دول العالم.
وبعد فترة تجاوزت الخمسة أشهر، حملت تركيا بقيادة رئيسها رجب طيب أردوغان، بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة، راية تقريب وجهات النظر بين أوكرانيا وروسيا، فيما عُرف إعلاميًا بـ"اتفاق اسطنبول".
أهداف الاتفاقية
رغبت تركيا ومنظمة الأمم المتحدة، في عدد من الأهداف المعلنة من خلال اتفاقية اسطنبول كالآتي:-
- فك الحصار المفروض على صادرات الحبوب والأسمدة الأوكرانية من موانئ البحر الأسود.
- المساعدة في تخفيف حدة أزمة الأغذية العالمية والتي ازدادت سوءًا بسبب الحرب.
- المساعدة على تجنب المجاعة.
- ضخ المزيد من القمح وزيت دوار الشمس والأسمدة والمنتجات الأخرى في الأسواق العالمية.
- تلبية احتياجات الإغاثة الإنسانية بأسعار رخيصة جزئيًا.
- العودة إلى مستوى ما قبل الحرب، من خلال تصدير خمسة ملايين طن متري من القمح كل شهر.
- تقديم نوع من تسكين الآلام لجنوب العالم الفقير.
وحتى يتم تقديم كافة الضمانات، وقعت الأمم المتحدة مع روسيا مذكرة تفاهم تلزم المنظمة الدولية، بتسهيل وصول الأسمدة والمنتجات الروسية الأخرى إلى الأسواق العالمية بلا عوائق.
وتقرر أن تكون مدة سريان الاتفاق 120 يومًا، حيث تتوقع الأمم المتحدة تجديده إلا إذا انتهت الحرب بحلول ذلك التاريخ، على أن يتم العمل فورًا لتشكيل فرق التفتيش وتعيين العاملين في مركز التنسيق المشترك (جيه.سي.سي) في إسطنبول، والذي سيشرف عليه أعضاء من كل الأطراف الأربعة الموقعة على الاتفاق.
وطلبت الموانئ الأوكرانية عشرة أيام للاستعداد، ولذلك ستمضي أسابيع قلائل قبل أن تتحرك السفن دخولًا وخروجًا، وفقًا لما نصت عليه الاتفاقية التي تم التوقيع عليها والتي نالت إشادة عالمية واسعة.
ويضمن الاتفاق مرورًا آمنًا من وإلى أوديسا وميناءين أوكرانيين آخرين.
وعلى الرغم من أن أوكرانيا قامت بتلغيم المياه القريبة منها في إطار الدفاع عن نفسها فإنه لا حاجة لنزع ألغام؛ لأن مرشدين أوكرانيين سيوجهون السفن إلى قنوات آمنة في المياه الإقليمية الأوكرانية، وستكون هناك كاسحة ألغام تحت التصرف إذا دعت الحاجة، لكن لن يرافق عسكريون السفن.
دور مركز التنسيق المشترك
وبعد ذلك ستبحر السفن التي سيتتبعها مركز التنسيق المشترك في البحر الأسود إلى مضيق البوسفور التركي ومنه إلى الأسواق العالمية.
ويتتبع مركز التنسيق المشترك الذي مقره في إسطنبول المطلة على مضيق البوسفور تحركات جميع السفن وعمليات التفتيش ويقرر ما إذا كانت سفينة على سبيل المثال حادت عن القنوات المتفق عليها في البحر الأسود، أم التزمت بكافة بنود الاتفاقية.
هيكل مركز التنسيق المشترك
من المُقرر أم يتكون مركز التنسيق المشترك من كلًا من:
- مسؤولين من الأمم المتحدة.
- مسؤولين عسكريين من الدول الثلاث المعنية.
ويمثل مركز التنسيق المشترك "القلب النابض للعملية"، والمسئول الأول والأخير عن تنفيذ بنود الاتفاقية بالشروط التي تم الاتفاق عليها.
واستجابة لمخاوف موسكو من قيام السفن بنقل أسلحة إلى أوكرانيا، سيتم تفتيش جميع السفن العائدة في ميناء تركي، ويقوم بالتفتيش فريق من أطراف الاتفاق الأربعة ويشرف عليها مركز التنسيق المشترك.
وهنا نجد سؤال يطرح نفسه.. هل سيكون لهذا الاتفاق نجاح في التقليل من حدة أزمة الغذاء العالمية؟
ينتظر جميع دول العالم بعد التوقيع على هذه الاتفاقية أن ينخفض سعر القمح تدريجيًا، وهذا ما حدث بالفعل؛ حيث تراجعت أسعار القمح عالميًا من قمته البالغة 550 دولارًا إلى قرابة 310 دولارات للطن مساء الجمعة الماضية، وبالتحديد بعد توقيع الاتفاقية مباشرة.
ولكن الأسعار ما تزال أعلى بمقدار 20 دولارًا للطن مقارنة بفترة ما قبل الحرب الروسية الأوكرانية، لكن تشير تقديرات محللي أسواق السلع إلى هبوط الأسعار لمتوسط 270 دولارا لطن القمح بحلول نهاية الأسبوع المقبل، في حالة تنفيذ بنود الاتفاقية.
ويعود الهبوط الكبير في الأسعار المتوقعة نهاية الأسبوع المقبل إلى أن الأسوق ستشهد ضخًا على دفعة واحدة للحبوب والأسمدة، مما سيجعل هناك وفرة في المعروض وفقًا للمطلوب.
ماذا سيحدث في حالة فشل الاتفاقية؟
من المتوقع أن يزداد الوضع سوءًا في حالة فشل اتفاقية اسطنبول، حيث ستسعى الدول للبحث عن الحبوب حتى إذا كانت الأسعار مرتفعة، وبالتالي سيؤثر ذلك على اقتصاد الدول.
أما بالنسبة للدول الغير قادرة على الشراء بأسعار مرتفعة من المتوقع أن تعاني من أزمة حقيقة قد تصل إلى مجاعات في الدول الفقيرة.
وبالنسبة للحبوب المتواجدة حاليًا في أوكرانيا فتتعرض للهلاك، وستصبح غير صالحة للاستهلاك الآدمي، وبالتالي ستفقد أوكرانيا مليارات الدولارت نظير فساد هذه الحبوب.
وبالتالي فإنه من مصلحة كافة الأطراف استكمال الاتفاقية والعمل على انجازها في أسرع وقت؛ حتى لا يتعرض كافة الدول لأزمة كبرى يُصعب التغلب عليها.