مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

أحمد علي يكتب: الكاظمي الثاني الذي يريده الإطار محمد شياع السوداني

نشر
الأمصار

بعد ان ترك السيد مقتدى الصدر كل النوافذ السياسة في العراق مفتوحة عندما قرار انسحابه الأخير من مجلس النواب العراقي وافسح المجال بشكل كامل لخصومه السياسيين الشيعة فيما يعرف بالإطار التنسيقي بالدخول عبر بوابة إعادة تشكيل حكومة عراقية جديدة بنكهة توافقية اعتاد عليها العراق بعد 2003 ضمن كينونة النظام السياسي الذي يؤمن بالعرف السياسي وقيمومته على القوانين والدستور العراقي، قد بدى ان العراق دخل في مرحلة الغموض السياسي وعدم اليقين في القدرة على تشكيل الحكومة الجديدة.
احتاج الإطار التنسيقي أكثر من شهر حتى ينجح في تسمية مرشح لتشكيل الحكومة، والسبب معلوم لدى الكثير كون الإطار يعاني من تشظي كبير في الرؤى السياسية وعدم اتفاق أو إجماع على بنك الأهداف إلا في نقطة واحدة هي الوقوف بوجه السيد مقتدى الصدر وعرقلة جهود تشكيل حكومة الأغلبية الوطنية التي أراد السيد الصدر الإفساح عن هذه التجربة في شكل النظام السياسي كمحاولة أخيرة منها لترميم الفشل المتربع على كل التجارب التوافقية والتي وسمت بمسؤولية القوى الشيعية اكثر من غيرها.
مما لا شك فيه ان السيد مقتدى الصدر فقد السيطرة على المفاوضات السياسية عندما رفع مستوى توقعاته مع خصومه السياسيين لأن النتائج أعطت صورة واضحة إلى أن كتلته فازت ببرلمان بأغلبية فردية. لم يوفق السيد الصدر في إدراك أن التغيير السياسي الذي أراد تنفيذه لا يزال سابقا لأوانه في البنية والتركيبة السياسية العراقية الحالية، ويرى بعض المختصين أن زعيم التيار الصدري لن يحقق تغييرا يذكر من خلال مغادرة البرلمان ما لم يعتقد أنه من خلال إرسال مؤيديه إلى الشارع، يمكنه تنظيم وإنجاز انقلاب. هذا الهدف ليس بهذه البساطة لتحقيقه في العراق هذه الأيام. خصوم مقتدى السياسيين ليسوا ضعفاء بما يكفي للتخلي عن السلطة والسماح له بالسيطرة على البلاد.

حلفاء الصدر " الحلبوسي و البرزاني "
كان لافتاً تصريح السيد محمد الحلبوسي الحليف السني الأسبق للتيار الصدري بعد انسحاب الكتلة الصدرية الذي تناغم مع الزعيم الكردي مسعود البرزاني عندما صرحا بضرورة تشكيل حكومة التوازن، والتوافق، والشراكة , وهذا يعني عودة الزعيم البرزاني و الحلبوسي الى مبدأ التوافق السيء الأثر , وهذا ليس بالغريب على قبولهما بمبدأ التوافق وبالعودة الى الأيام الماضية فان تاريخ(31 كانون الثاني 2022)شهد وصول وفد ضم رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي ورئيس إقليم كوردستان نيجيرفان بارزاني ورئيس تحالف السيادة خميس الخنجر، إلى الحنانة بغية إقناع الزعيم الشيعي الكبير مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري , الذي رفض العرض وغرد في حينها "لا شرقية و لا غربية حكومة أغلبية وطنية" .
يحاول كل من البرزاني والحلبوسي استثمار فرصة حاجة الاطار التنسيقي الشيعي و فرض شروط كبيرة عليه ويبدو أن قوى الإطار تدرك مدى صعوبة تطبيق البعض منها على وجه الخصوص الغاء قانون النفط والغاز الذي اثر بشكل كبير على وضع إقليم كردستان بعد ان جمد عمل بعض الشركات النفطية الأجنبية انصياعاً للقرار، مثل شركتي "شلمبرغير" و"بيكر هيوز" الأميركيتين لخدمات حقول النفط  يصر الزعيم الكردي على وضع ملف إدارة النفط والغاز في الإقليم بيد أربيل ويضغط على الاطار الشيعي لأجل استحصال قرار منهم بهذا الخصوص وهذا يعني أن المحكمة الاتحادية في العراق مجرد ورقة سياسية بيد الإطار التنسيقي الأمر الذي يثير حساسية كبيرة جدا لدى العراقيين الذين يعتبروا أن فائق زيدان قد فارق اللياقة القانونية تماما وأصبح متواجدًا في محافل سياسية لا يجب أن تكون السلطة القضائية حاضرة فيها  وأعتقد لو أن المحكمة رجعت وقامت بإلغاء قرارها فهذا يعني إشعار انذار بهيجان في الشارع يطال المحكمة الاتحادية التي وضعت أغلب قرارتها تحت مجهر مراقبة الجمهور الصدري وغير الصدري الذي يرى أن فائق زيدان ومحكمته الاتحادية هي أحد أذرع الإطار التنسيقي الشيعي .
بينما يضع الحلبوسي مطالب كثيرة لقيادات سنية على طاولة الشروط وأهمها انسحاب كل القوى العسكرية التابعة للحشد الشعبي مع اعلان العفو العام على المعتقلين من أبناء المنطقة الغربية بتهم الإرهاب.
قد تكون هذه الطلبات هي إعلان وفاة الدعاية التي انتهجها الإطار التنسيقي الشيعي ضد خصومه في التحالف الثلاثي من السنة والكرد , و برغم المؤشرات الإيجابية الأولية لتمكن الحلبوسي من تفكيك الهيئة الرئاسية في مجلس النواب وحصر الصلاحيات المطلقة به وحده الذي حققه كشرط لإقامة جلسة ترديد القسم لبدلاء نواب التيار الصدري  والذي عرض الإطار التنسيقي الشيعي إلى حالة حرج كبير جدًا حتى من جماهيره بعد أن انقلبوا على مبدأ المكون الأكبر الذي استخدمه الإطار التنسيقي كمادة دعائية لتهييج الشارع الشيعي ضد التيار الصدري واتهامه بشق التشيع .

شخصيات إطارية مرشحة
إلى حد كبير تبدو أن الشخصيات التي يتم تداوله إطاريًا للوصول إلى منصب رئاسة الوزراء تقدم مادة تثير استياء جمهور التيار الصدري الغاضب في الأساس بعد انسحاب ممثليه من مجلس النواب العراقي  وبنظرة سريعة على الأسماء ندرك كم حماقة بعض الأطراف وجهلها الكبير بما تقوم به وتسهم فيه من استفزاز كبير ضد الصدريين وضد قوى اجتماعية أخرى  فما يتم تداوله على انحصار التنافس بين نوري المالكي مرشح ائتلاف دولة القانون الكتلة التابعة له والسيد محمد شياع السوداني وزير العمل الأسبق ومحافظ ميسان لمدة سنة واحدة.
لا يحض السيد نوري المالكي بتأييد لهذا المنصب إلا من قبل كتلته "ائتلاف دولة القانون" وليس في هذا الكلام أية مبالغة بهذا الصدد؛ لأن الحقيقة يعلمها أغلب المندكين في الشأن السياسي وتحديدا القريبين من كواليس القرار السياسي العراقي للأطراف المؤثرة في تحديد من هم ممثلين السلطة التنفيذية وبالعودة إلى هذه الأطراف لنستعرض أن المرجعية العليا في النجف الأشرف المتمثل في السيد على السيستاني لديها فيتو على عودة المالكي كتب بخط يد المرجع وبعبارة واضحة ( لا عودة للمالكي مرة أخرى) على خلفية الإضرار المدمرة للولاية الثانية التي فاز بها عام 2010 والتي توجها بسقوط ثلث العراق أمام عصابات داعش التكفيرية عام 2014 .
وضع الموقع الرسمي للسيد علي الحسيني السيستاني بيان صادر عن مكتبه حمل عنوان ( المرجعية العليا: لا نؤيد من كان في السلطة في السنوات السابقة لموقع رئاسة الوزراء) بتاريخ 10 سبتمبر 2018 https://www.sistani.org/arabic/statement/26114/
(إنها أي "مرجعية السيد على السيستاني" لا تؤيد رئيس الوزراء القادم إذا اختير من السياسيين الذين كانوا في السلطة في السنوات الماضية بلا فرق بين الحزبيين منهم والمستقلين، لأنّ معظم الشعب لم يعد لديه أمل في أي من هؤلاء في تحقيق ما يصبو إليه من تحسين الأوضاع ومكافحة الفساد، فإن تمّ اختيار وجه جديد يعرف بالكفاءة والنزاهة والشجاعة والحزم والتزم بالنقاط التي طرحت في خطبة الجمعة (١٣/ذي القعدة الموافق ٧/٢٧) كان بالإمكان التواصل معه وتقديم النصح له فيما يتعلق بمصالح البلد والا استمرت المرجعية على نهجها في مقاطعة المسؤولين الحكوميين).
وهذا لوحده كافي لإنهاء آمال وطموحات المالكي ولكن ليست المرجعية وحدها من ترفض عودة السيد المالكي , فايران هي الأخرى ترفض بشدة خيار المالكي وتدرك مدى الخطورة التي يسببها مجرد التفكير فيه وقد أبلغت شخصيات إيرانية رفيعة المستوى قوى الإطار التنسيقي أن خيار ترشيح المالكي مرفوض في طهران  ويتقاسم مع إيران في هذا الرفض الإدارة الأمريكية التي ترى في عودة المالكي خطر يهدد استقرار العراق الذي لا تريده في الفترة الراهنة والتي تطمح فيها الولايات المتحدة إلى مزيد من الاستقرار في العراق والابتعاد عن الفوضى والانفلات الأمني الذي من الممكن أن يؤثر على قدرة العراق في تصدير كمياته من النفط لدول كثيرة يشكل النفط العراقي المورد الأساس لسوق الطاقة فيها كما أن لدى الإدارة الأمريكية طموح في أن تنجح ضغوطها على بغداد لأجل رفع قدرتها في إنتاج النفط بغية المساهمة في سدة النقص الهائل الذي تعاني منه أوربا بسبب العقوبات الروسية ضد القارة العجوز بعد قبول دول الاتحاد الأوربي الخضوع للرغبة الأمريكية في الحرب الدائرة في أوكرانيا.
يعاد طرح اسم الوزير الأسبق محمد شياع السوداني كمرشح تسوية بين قوى الإطار التنسيقة التي فشلت لأكثر من شهر بعد استقالة نواب الكتلة الصدرية في إدراك تشكيل حكومة بسبب حالة الصراع المزمن في ما بينهم على منصب رئاسة الوزراء، ويقدم محمد شياع على انه متفق عليه ضمن قوى الإطار التنسيقي،  وسبق له أن تم ترشيحه عام 2020 بديلاً عن السيد عادل عبدالمهدي ابان احتجاجات تشرين 2019 إلا أن رفض.

الصفقة والصفعة التي صنعت محمد شياع السوداني.
بدأ محمد شياع السوداني تجربته الحقيقة مع المواقع الحكومية التنفيذية عام 21نيسان2009 عندما انتخب محافظاً لميسان خلفاً لعادل مهودر المحافظ الممثل للتيار الصدري عبر قائمة عرفت باسم منتدى الفكر الحسيني، و كان وقتها محمد شياع السوداني عضو في حزب الدعوة / تنظيم العراق .  
على الرغم من قصر فترة عمله كمحافظ لميسان إلا أن هذه الفترة ستكون هي السبب في تشكيل شخصية محمد شياع السوداني كوزير أو سياسي عراقي بعد أن كان مجرد سياسي بسيط في محافظة جنوبية بعيدة عن الأضواء.
يمكن لنا تقسيم شخصية محمد شياع السوداني إلى اثنين الأولى عندما كان محافظ والثانية بعد أصبح وزير حقوق الإنسان فالتجربة الأولى كانت نهج محمد شياع السوداني متوافق مع سياسية حزب الدعوة ضد الصدريين وكان أحد رجالاتهم لا سيما أن مدينة ميسان هي الأخرى تعتبر من أكبر معاقل التيار الصدري إن لم تكن الأهم  لقد طارد الصدريين بقسوة خصوصًا من العاملين في مكتب محافظ ميسان الذي سبقه عادل مهودر وقد أصدر بالتعاون مع محكمة ميسان أوامر قبض بحق أغلب العاملين في مكتب المحافظ وقد اتسمت فترته بالاعتقالات وكان أشبه ما تكون بما قام به الاسبان الكاثوليكيين بعد هزيمة المسلمين في الأندلس بما يعرف محاكم التفتيش السيئة الصيت  بل أن اتهام الصدريين في فترته كان على أشده ومطاردة الأجهزة الأمنية للصدريين بفضل التعاون بينه وبين شخصية من الدعوة عرف بحقده الدفين على التيار الصدري مع رئيس محكمة تمييز ميسان.

غير أن تعثر تشكيل حكومة المالكي الثاني كان سببًا أن تخضع عملية التفاوض بين التيار الصدري و بين الدعوة إلى صفقة تم على إثرها موافقة الدعوة على التنازل عن منصب محافظ ميسان من جديد للتيار الصدري الذي أخاف محمد شياع وجعله يتمرد على قرار الدعوة في بغداد ولهذا تمت ترضيته بإعطائه منصب وزير حقوق الانسان في حكومة نوري المالكي الثاني فترك منصب المحافظ وتسلم منصب وزير في 22 كانون الأول 2010.
يبدو أن تجربة تنازله عن منصب المحافظ في ميسان بعد أقل من سنة من تكليفه شكلت إثر كبير على شخصيته السياسية وحتى سلوكه السياسي عندما أدرك أنه كان مجرد صفقة عند المالكي ويمكن الاستغناء عن خدماته أو إزاحته حتى من موقع وضع فيه تحقيقاً لمصلحة حزبية أو لشخص المالكي وهذا ما أدركه بسرعة وانعكس على تفكيره وسلوكه وشاهدنا تغيير في سياسته ولهذا ابتعد كثيرًا عن الصدام مع التيار الصدري وحاول أن يقدم نفسه خلاف ما عرف عن ساسة ائتلاف نوري المالكي واتخذ سياسة أكثر مهنية وأكثر اعتدالاً وأقل في الحدة خصوصا أنه في فترته الأولى شغل أكثر من منصب وزاري بالوكالة  وكان جزء من منظومة ائتلاف دولة القانون واستطاع بسبب عودته عام 2014 كوزير للعمل والشؤون الاجتماعية أن يوسع دائرة علاقاته حتى مع خصوم المالكي من السنة والشيعة والكرد ولهذا ستجد ان الكثير منهم يحترم شخص محمد شياع السوداني.

محمد شياع السوداني الكاظمي الثاني الذي يريده الإطار التنسيقي.
يقدم محمد شياع السوداني لهذا المنصب وهو مرشح على كتلة انتخابية تزعمها باسم تيار الفراتين، حصد مقعد واحد فقط كان من حصة شياع، وبعد انسحاب كتلة التيار الصدري من مجلس النواب ارتفع عدد نوابه تيار الفراتين إلى 3 مقاعد.
تكشف هذه العملية عن حاجة المالكي والعامري إلى شخصية ضعيفة سياسيًا وتخضع بالكامل لإرادة القوى السياسية الكبيرة وهذا الأمر كشفته التسريبات أثناء جولته على الكتل لإقناع الأحزاب بدعم ترشيحه والذي دشنها بتقديم تنازلات كبيرة.
يبحث المالكي عن شخصية ضعيفة سياسيًا غير مرفوض من شرائح المجتمع بعد أن أدرك بشكل نهائي أن عودته إلى رئاسة الوزراء هم من المستحيلات، ولكنه سيحاول الهيمنة على أهم الوزرات عبر وزراء كتلته فهو يهتم في الدرجة الأساس أن تكون وزارة الداخلية تحت هيمنة ائتلافه مع مديرية المخابرات وتسنمه منصب نائب رئيس الجمهورية ومنصب لوزير من كتلته في وزارة المالية.
بينما يهتم تحالف الفتح وقوى الإطار مجتمعة أن تحصل على تأييد كامل من إيران لضمان الدعم المستمر وتبدو هيكلية حكومة السوداني أن قدر لها أن تتشكل وهو أمر مستبعد تمامًا هي الحكومة الأضعف بتاريخ عراق ما بعد عام 2003.
ترشيح محمد شياع السوداني جاء بعد قرار اتفقت عليه قوى الإطار التنسيقي باستبعاد مصطفى الكاظمي وإزاحته عن منصبه، وهذا يعني خسارة الدعم العربي خصوصًا دول الخليج للحكومة العراقية القادمة. لطالما امتازت علاقات السيد مصطفى الكاظمي بالدول العربية عموما والخليجية على وجه الخصوص بالقوة والمتانة والثقة المتبادلة  واستطاع السيد الكاظمي أن يقدم نفسه أمام كل المجتمع الدولي على أنه شخصية توافقية دولية ورجل تفاهمات  وتسويات هذه الأسباب جعلت المحيط العربي ترى في شخصية الكاظمي شخصية محورية ذكية استطاع أن يعبد الطريق لملفات معقدة و شائكة  غير أن الإطار التنسيقي لا يعبأ بموضوع الدول العربية والخليجية ويحاول وضع كل بيضه في السلة الإيرانية وبالتأكيد إيران بحاجة إلى حكومة ضعيفة تعيش حالة التبعية السياسية لأسباب كثيرة أهمها الأسباب الاقتصادية وإعادة نفوذها المتراجع في العراق في آخر أربع سنوات , بينما الولايات المتحدة الأمريكية ترفض هذا الخيار لأسباب سوف أذكرها لاحقًا.
السيد مقتدى الصدر
رفض الصدر البقاء في كجزء من القوى الفائزة لتشكل الحكومة واختار مغادرة مجلس النواب دون سحب نفوذه السياسي الكبير من الشارع والحكومة والتمثيل الأجنبي والوظائف الحكومية والجيش والشرطة وقوات الأمن الأخرى يرى كبير باحثين المعهد الأوربي للدراسات الاستراتيجية د ماركوس أنطونيو "إن خطوة السيد الصدر لن تكون طويلة الأجل أو استراتيجية، فقط لاستفزاز الشارع وإحراج أية حكومة مستقبلية، لشل حركتها  بينما يختلف آخرون معه أن السيد الصدر استطاع أن يثبت عدم اهتمامه بالسلطة أو شغفه بها كما هي حال بقية القوى الشيعية والسنية والكردية.
يدرك السيد مقتدى الصدر أن العراق في هذه المرحلة بالتحديد بحاجة إلى رئيس وزراء قوي يعمل على إخراج العراق من مناطق النفوذ والهيمنة الأمريكية أو الإيرانية ومع ذلك فان سقف الطموحات كان كبيرا جدًا الذي أراده السيد الصدر للذهاب في تشكيل الحكومة وكان يستطيع أن يصل إلى رئيس الوزراء القوي كمرحلة أولى مع وضع بنك أهداف يمكن الوصول لها تباعاً  ومن من خلال تحقيقها يتم  تفكيك منظومة الفساد التي وضعها على رأس أولوية البرنامج الحكومي الذي كان بصدد تنفيذه, ولكن بعد خروجها من مجلس النواب ونجاح الإطار في رص صفوفه بالنواب البدلاء مما جعله يصل إلى عتبة 130 نائب  وعدم التفات الإطار إلى أي حل لا يأزم الأوضاع بل عدم اهتمامه حتى بموقف قوي ضد تسريبات التي خرجت بصوت السيد نوري المالكي وما حملته من محتوى مأزوم وهستيري لشخصية سيكوباتية تعاني من الخوف والاضطراب لابتعادها عن مركز الاهتمام وتطلب الصدارة , كل هذا و غيره مر على قوى الإطار بدون أن تشعر السيد مقتدى الصدر بموقف جدي لمحاولة على الأقل كسر الجمود في العلاقات السياسية تحاشياً للقادم بل اصطفوا مع نوري المالكي ليكون الشيعة والعراقيين أمام معسكرين من القوى الشيعية الدينية لا ثالث لهما وأية حكومة مهما كانت لا يمكن لها تحقيق الاستقرار في العراق إلا من خلال التوازن بين الأحزاب السياسية الرئيسية الشيعية والكردية والسنية ومشاركتها في الساحة السياسية لكي يلعب العراق دوره الإقليمي والدولي في فترة تعد فرصة ذهبية لعودة العراق كلاعب ومؤثر إقليمي.
مع أو بدون سيد الصدر، أصبحت القوة المحتملة للشارع العراقي تحذيرا لجميع السياسيين التقليديين. يطالب الناس بالخدمات والسياسيين للاستجابة بسرعة لتحسين الظروف المعيشية للناس وتوفير فرص عمل للشباب. لذلك، سيتعين على الحكومة المقبلة أن تكون موحدة، بما في ذلك الصدر، وأن تقدم تغييرات جوهرية وأن تستعد للتحديات المحلية والإقليمية والخارجية.  
يستطيع السيد الصدر إحراج الإطار التنسيقي ببساطة كما فعل عندما نشر حساب صالح محمد العراقي صورة سخر فيها من تشريح محمد شياع السوداني كدلالة أولية لرفض السيد الصدر مرشح الإطار محمد شياع وبالتأكيد سبب هذا الموقف إحراج كبير للإطار، الذي تدركه أغلب القوى فيه أن لا يمكن تشكيل حكومة دون موافقة السيد مقتدى الصدر، بل لا يرغبوا في إدارة الدولة بمفردهم إلا المالكي و الخزعلي.
تحسنت العلاقة بين سيد مقتدى والمسؤولين الإيرانيين، خصوصًا عندما أصرت إيران على أنه لا يمكن تشكيل حكومة عراقية دون موافقة التيار الصدري لتجنب الفوضى. وقد أظهر السيد مقتدى بعض المرونة، عندما أرسل وفد منه إلى طهران اجتمع بقيادات إيرانية من الصف الأول وتبدو ان نتائج هذه الزيارة كانت إيجابية على الرغم من أن هذا لم ينعكس بعد بشكل كاف بين مؤيديه. لذلك، فإن العداء بين أتباع التيار الصدري والجماعات الموالية لإيران لا يزال مرتفعا جدا. ويمكن تقليص ذلك بمجرد موافقة السيد الصدر على تشكيل كيان يتحكم في سيطرة الحكومة على الفساد وأدائها. هذه الفكرة مطروحة، لكن الوقت لم ينضج بعد حتى تتمكن الجماعات الشيعية من الالتقاء مرة أخرى.
خيارات السيد مقتدى الصدر
من المؤكد أن تشكيل حكومة بدون السيد الصدر أمر صعب ومغامرة غير محسوبة النتائج بالدقة , ولكن حتى بالوضع الذي نحن عليه الآن فإن هناك الخلافات خارج الشيعة وتحديدا لدى البيت الكردي تطل برأسها من جديد؛ لأن شخصية من يذهب إلى رئاسة الجمهورية لم تحسم بعد ولازال الأكراد في صراع لتقاسم مواقع والمناصب وان كانت حظوظ عبد اللطيف رشيد هي الأرجح , ومع ذلك لا يمكن ابداً الابتعاد عن دائرة السيد مقتدى الصدر في أية عملية تشكيل حكومة حتى أن خارج مجلس النواب  ولكن ماذا على التيار الصدري أن يقوم به لأجل إيقاف عملية تشكيل الحكومة بشكل نهائي وليس إصابتها بالشلل فقط؟

- يحتاج التيار الصدري أن يعلن أن أهدافه بالكامل، بدون مزيد من التأخير واعتقد الإعلان عن رفض أية حكومة تأتي بالطريقة التوافقية أمر سيدخل الإطار في حالة عجز كامل.
- على التيار الصدري وضع خطة متماسكة وكاملة مع إعلانه الرافض للحكومة التوافقية  وتكون الخطة هي الأساس الذي يراد له تشكيل حكومة قوية في هذا الفترة المهمة.
- نجح السيد مقتدى الصدر في إرسال الرسائل خارجياً تحديداً إيران ولكن على التيار الصدري المزيد من إرسال هذه الرسائل داخلياً وعدم ترك الإطار التنسيقي يعيد مرة أخرى محاولة تشكيل حكومة.
سوف تعمد الجماهير الصدرية الغاضبة للنزول للشارع رافضه خطط الإطار التنسيقي الساعية لتمرير حكومة توافقية في هذه التوقيت لا بأس بوجود فرق تفاوضية صدرية لأجل وضع الخيارات اللازمة للمرحلة القادمة، فخيار الذهاب الى حل البرلمان يحتاج الى 220 نائب وليس انسحاب ثلاث او اربع كتل بدون الوصول لهذا العدد من النواب، وهنا تبرز الحاجة إلى التضامن الوطني مع بعض الكتل الأخرى او الكيانات السياسية.
العراق، الشرق الأوسط وحكومة قوية
يشهد الشرق الأوسط تراجعاً في التأثير الأمريكي نتيجة تورطها بالحرب في أوكرانيا، و انعكس هذا التراجع الى حالة من التعطش للطاقة وحماية مصادرها إيجابا على دول الشرق الأوسط، حيث تعمل الحكومات الغربية جاهدة لتأمين الاستقرار في الدول المنتجة للنفط والغاز. 
أثرت العقوبات الأمريكية الأوروبية المفروضة على روسيا سلبا في الدول الغربية، التي فرضت عقوبات على نفسها أولا، إلى جانب العالم، مما أدى إلى تضخم غير مسبوق في جميع أنحاء العالم. مما لا شك فيه أن الحرب الروسية الأمريكية على الأراضي الأوكرانية تثقل كاهل الاقتصاد العالمي. ولأن الولايات المتحدة وأوروبا تتوسلان باستمرار للحصول على النفط والغاز من مصادر مختلفة، وتطرقان أبواب العديد من الدول، فإن الشرق الأوسط، الذي يعد مصدر جزء كبير من الطاقة في العالم، يمكن أن يتمتع الآن باستقرار غير متوقع ونادر. بعد عقود من الحروب والغزوات والصراعات في الشرق الأوسط، حان الوقت للمسؤولين عن بؤس وقتل السكان في ذلك الجزء من العالم أن يشعروا بالقلق إزاء مستقبل هؤلاء السكان وأمنهم.
لقد أصبح استقرار العراق مطلبا إقليميا ودوليا لأنه بلد منتج ومصدر للنفط. في الأوقات الجيوسياسية الحالية، مع العقوبات المفروضة على روسيا وتعطش العالم الملح للنفط، لا يوجد مجال للمنافسات والنزاعات السياسية في الشرق الأوسط، وخاصة في البلدان الغنية بالنفط.
كانت دول الشرق الأوسط ساحات معارك للعديد من الغزوات والحروب الطائفية التي أشعلتها الدول الغربية، بقيادة الولايات المتحدة، لتبقى مسيطرة على هذا الجزء من العالم. إن تأجيج حروب الشرق الأوسط سمح للغرب ببيع أسلحته وإعطاء شركاته الأولوية للاستثمار في جميع المجالات. وبالتالي، تمكن الغرب من تأكيد هيمنته والهيمنة على الساحة الشرق أوسطية لعقود. وكانت هذه الخطة ناجحة إلى حد كبير؛ ومن ثم فإن هذه الخطة لم تكن ناجحة إلى حد كبير. الشركات الغربية راسخة في العديد من دول الشرق الأوسط.  ومع ذلك، فقد نضجت دول الشرق الأوسط وتتحدث فيما بينها عن مخاوفها وتطلب ضمانات أمنية - دون وجود تدخل أمريكي - خلال الاجتماعات والمناقشات مثل الاجتماعات الخمسة التي عقدت بالفعل في بغداد، العراق، حيث تم الاتفاق أن يجتمع وزيرا الخارجية الإيراني والسعودي قريبا جدا. ويعتبر هذان البلدان عاملين رئيسيين حاسمين للاستقرار في المنطقة.
يمكن للعراق ان يحذو حذو السعودية في إعادة تنظيم علاقاتها عندما استطاعت الاحتفاظ بعلاقات قوية مع الولايات المتحدة الامريكية بدون ان تكون طرفاً في تلك الحرب وتتمتع بذات الوقت بعلاقات قوية مع موسكو.
حتى تنجح هذه الخطوة المطلوب حكومة عراقية مقبولة دولياً وإقليمياً من إيران والدول العربية، ولكن في وضع قلق وتفجر الشارع سيكون العراق منهك جدا وضعيف و سوف يتراجع اكثر مما هو عليه الآن.
إذا قرار الإطار التنسيقي المضي بحكومته هذه فانه يغامر في رهن العراق بالكامل تحت مشروعه ومشروع حليفه الإيراني وهذا يعني تفجر الشارع الغاضب وبقوة اكثر من أي حراك مضى، وإذا تأخر التيار الصدري في إطلاق رصاصة الرحمة على مشاريع الإطار التنسيقي الرامية لتشكيل حكومة ستكون أيضًا النتائج وخيمة وقد تلقى باللائمة على التيار الصدري.
المطلوب مواقف حاسمة لإعادة تنظيم الواقع السياسي والقبول بحل مجلس النواب والأعداد لانتخابات مبكرة في فترة لا تزيد عن ثمانية أشهر، ولكن يبقى كل هذا كلام وتبقى الحسابات القديمة والدقيقة هي من قد تفك شفرة الأيام القليلة القادمة ولكن ما يمكن الوثوق به ان هذا الصيف سيكون صيفًا ساخنًا جدًا.