الصين تطوق تايوان بالمناورات وسط مخاوف من التصعيد
تشهد الصين وتايوان، تصعيد عسكري وإعلامي كبير، مما يثير قلق العديد من الدول وربما الكبرى منها من اندلاع نيران حرب آسيوية، حيث أن مواصلة بكين لمناوراتها العسكرية قد يدفعها إلى اجتياز خطوط حمراء هي لا تعترف بها أصلاً، ويلزم تايوان الرد بمقاومة لا خيار لها غيرها…
بريطانيا تستدعي السفير الصيني لديها على خلفية تصعيد بكين ضد تايوان
استدعت بريطانيا، اليوم الأربعاء، السفير الصيني لديها، وذلك على خلفية تصعيد بكين ضد تايون.
يأتي ذلك في الوقت الذي تواصل الصين تدريباتها حول تايوان، هددت بكين اليوم الأربعاء، باستخدام القوة إن فشل الحل السلمي مع تايبيه، ووعدت بمستوى عال من الحكم الذاتي إن توحدت مع الصين.
وقالت الصين إنها تحتفظ بحق الرد على استفزازات مؤيدي استقلال تايوان، مشيرة إلى أن محاولات تحقيق استقلال تايوان ستدفعها إلى الهاوية.
في حين تواصل السفن البحرية الصينية تدريباتها قبالة السواحل الشرقية والغربية لتايوان صباح اليوم الأربعاء حيث تستمر بكين في التدريبات العسكرية احتجاجا على زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي.
ومددت الصين أكبر مناوراتها على الإطلاق حول الجزيرة المتمتعة بالحكم الذاتي، التي تقول بكين إنها تابعة لها، إلى ما بعد الأيام الأربعة التي كانت مقررة في الأصل.
وقد تضمنت تدريبات الأسبوع الماضي إطلاق صواريخ باليستية، مر بعضها فوق العاصمة تايبيه، ومحاكاة لهجمات بحرية وجوية في الأجواء والمياه المحيطة بتايوان.
كما أظهر تسجيل مصور بثه تلفزيون الصين المركزي الحكومي اليوم الأربعاء طائرات مقاتلة صينية تتزود بالوقود في الجو وسفنا تابعة للبحرية فيما قالت إنها تدريبات حول تايوان.
وقالت قيادة العمليات الشرقية لجيش التحرير الشعبي الصيني إن التدريبات ركزت على عمليات الحصار وإعادة الإمداد اللوجيستي.
في حين، قال مصدر مطلع آخر إن نحو 20 سفينة تابعة للبحرية الصينية والبحرية التايوانية ظلت حتى صباح اليوم قريبة من الخط الفاصل لمضيق تايوان، وهو منطقة عازلة غير رسمية تفصل بين الجانبين.
وواصلت عدة سفن صينية أخرى القيام بمهام قبالة الساحل الشرقي لتايوان، بحسب المصدر الذي تحدث شريطة عدم كشف هويته.
يشار إلى أن وزير خارجية تايوان قال أمس الثلاثاء إن الصين تستخدم التدريبات العسكرية كخطة للتحضير لغزو الجزيرة المتمتعة بالحكم الذاتي.
الجيش الصيني يطلق مقذوفات باتجاه مضيق تايوان
بدأ الجيش الصيني الخميس أهم مناورات عسكرية في تاريخه حول تايوان ردا على زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي للجزيرة التي تعتبرها بكين جزءا لا يتجزأ من أراضيها.
وقد بدء أكبر تدريبات على الإطلاق تنظمها بكين في محيط الجزيرة التي تطالب بها، وفور بدء هذه المناورات، أكد الجيش التايواني أنه "يستعد للحرب من دون السعي إليها".
وقالت وزارة الدفاع التايوانية في بيان إن "وزارة الدفاع الوطني تؤكد أنها ستلتزم مبدأ الاستعداد للحرب من دون السعي للحرب".
زيارة نانسي بيلوسي
استغرقت زيارة نانسي بيلوسي إلى هذه المنطقة، التي تطالب بها الصين، أقل من 24 ساعة، لكنها أثارت غضب بكين لأنها أعلى مسؤول أمريكي منتخب يزور تايبيه منذ 25 عامًا.
يُظهر رد فعل الصين الغاضب حيال زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي إلى تايوان، شعورها بانعدام الأمن حيال موقف واشنطن من الجزيرة، في وقت تمرّ بفترة اقتصادية سيئة.
وبيلوسي 82 عامًا التي وصلت إلى تايبيه مساء الثلاثاء، هي أرفع مسؤول أمريكي منذ 25 عامًا يزور الجزيرة التي تعتبرها بكين جزءًا من أراضيها.
في الأيام التي سبقت الزيارة، وفيما كانت وسائل إعلام تتحدث عن احتمال توجه بيلوسي إلى تايوان بدون تأكيد ذلك رسميًا، شددت الحكومة الصينية نبرتها، مهدّدةً الولايات المتحدة بـ"عواقب".
وفي عطلة نهاية الأسبوع، نظّمت بكين مناورات عسكرية بالذخيرة الحيّة في مضيق تايوان.
وأكدت بيلوسي بحزم أن الولايات المتحدة لن تتخلى عن الجزيرة التي يحكمها نظام ديموقراطي وتعيش تحت التهديد الدائم لغزو من قبل الجيش الصيني.
وردّ وزير الخارجية الصيني وانغ يي قائلا إن "الذين يسيئون للصين سيعاقبون حتما".
وردا على هذه الزيارة، تجري بكين مناورات عسكرية كبيرة اعتبارا من ظهر الخميس أي في تمام الساعة الرابعة بتوقيت غرنيتش في عدد من المناطق حول تايوان عند طرق التجارة المزدحمة.
وفي إجراء احترازي لضمان السلامة، منعت إدارة الأمن البحري الصينية السفن من دخول المناطق المعنية. وستجرى هذه التدريبات في سلسلة من المناطق التي تطوق تايوان، وبعضها على بعد عشرين كيلومترا فقط عن الساحل التايواني، وستستمر حتى ظهر الأحد.
أزمات مضيق تايوان الثلاثة
منذ انفصال الصين الشيوعية وتايوان نهاية الحرب الأهلية الصينية في العام 1949، أصبح المضيق الذي يفصل بينهما بمثابة نقطة "توتر جيوسياسية"، وهذا المضيق، الذي لا يتعدى عرضه 130 كيلومترا في أضيق نقاطه، هو عبارة عن قناة شحن دولية رئيسية، وكل ما يفصل بين تايوان الديموقراطية ذات الحكم الذاتي وجارتها الاستبدادية العملاقة.
ردت بكين بغضب على زيارة رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي إلى الجزيرة، ووجهت تهديدات متصاعدة وأعلنت عن سلسلة من المناورات العسكرية في المياه المحيطة بالجزيرة
الأزمة الأولى
مع نهاية الحرب الأهلية الصينية تمكنت قوات ماو تسي تونغ الشيوعية من طرد قوميي تشيانغ كاي تشك الذين انتقلوا إلى تايوان. واستقر الطرفان المتنافسان على جانبي المضيق، جمهورية الصين الشعبية في البر الرئيسي وجمهرية الصين في تايوان.
اندلعت أزمة المضيق الأولى في أغسطس 1954 عندما أرسل القوميون آلاف الجنود إلى جزيرتي كينمين وماتسو الصغيرتين الخاضعتين لحكم تايوان، على بعد كيلومترات قليلة عن البر الرئيسي.
وردت الصين الشيوعية بقصف مدفعي للجزيرتين ونجحت في الاستيلاء على جزر ييجيانغشان، على بعد 400 كلم شمال تايبيه. وأُخمدت شرارة الأزمة في نهاية المطاف، لكنها كادت أن تضع الصين والولايات المتحدة على شفير نزاع مباشر.
الأزمة الثانية
اندلع القتال مجددا في 1958 عندما فصفت قوات ماو بكثافة جزيرتي كينمين وماتسو في مسعى جديد لطرد القوات القومية المتمركزة هناك. وخشية أن تؤدي خسارة الجزيرتين إلى انهيار القوميين وبالتالي سيطرة بكين على تايوان، أمر الرئيس الأميركي دوايت دي آيزنهاور قواته بمواكبة حلفائهم التايوانيين من خلال تزويدهم بالإمدادات.
وفي مرحلة ما فكرت الولايات المتحدة لفترة وجيزة في نشر أسلحة نووية ضد الصين. أعلنت بكين وقفا لإطلاق النار بسبب عجزها عن الاستيلاء على الجزر وفشل عمليات القصف في إخضاع القوميين. ومع ذلك استمرت قوات ماو في قصف كينمين بشكل متقطع حتى عام 1979 بموازاة حالة من الجمود.
الأزمة الثالثة
وبعد 37 سنة على الأزمة الثانية جاءت الثالثة. ففي العقود الفاصلة، تغيرت كل من الصين وتايوان بشكل كبير. وعقب وفاة ماو، بقيت الصين تحت سيطرة الحزب الشيوعي لكنها باشرت فترة إصلاح وانفتاح على العالم.
من ناحيتها بدأت تايوان في التخلص من سنوات حكم تشيانغ كاي تشيك الاستبدادية والتحول إلى ديموقراطية تقدمية، بينما اعتنق كثيرون هوية تايوانية مميزة وليس صينية.
اشتعل التوتر مجددا في 1995 عندما بدأت الصين تجارب إطلاق صواريخ في المياه المحيطة بتايوان احتجاجا على زيارة الرئيس التايواني لي تين هوي إلى الجامعة التي تخرج منها في الولايات المتحدة
وكانت بكين تكره لي خصوصا لأنه كان يحبذ إعلان تايوان دولة مستقلة. أجريت مزيد من التجارب الصاروخية بعد عام بينما نظمت تايوان أول انتخابات رئاسية مباشرة.
جاءت الخطوات بنتائج عكسية. فقد أرسلت الولايات المتحدة مجموعتين من حاملات الطائرات لدفع الصين للتراجع، بينما فاز لي في الانتخابات بهامش كبير.
بعد عام أصبح نيوت غينغريتش أول رئيس لمجلس النواب الأميركي يزور تايوان في خطوة غير مسبوقة، وتبعته بيلوسي بعد 25 عاما.
الصين تتهم أمريكا بالتحريض
قالت هوا تشون ينغ المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية للصحفيين إن "الولايات المتحدة هي المحرض والصين هي الضحية. الصين في وضع الدفاع الشرعي عن النفس".
وقد زادت زيارات المسؤولين والبرلمانيين الأجانب في السنوات الأخيرة إلى الجزيرة، ما أثار غضب بكين. وردا على ذلك، تسعى الصين بقيادة الرئيس شي جينبينغ التي ترفض المساومة على حل مسائل السيادة، إلى عزل تايوان دبلوماسيا وممارسة ضغوط عسكرية متزايدة على الجزيرة.
والنتيجة أن مضيق تايوان أصبح ساحة لتوتر خطير بين الولايات المتحدة والسلطات التايوانية والسلطات الصينية المضطرة لتأكيد تصميمها على موقفها مع اقتراب مؤتمر الحزب الشيوعي الصيني.
كيف يضع التوتر بين الصين وتايوان أوروبا في موقف محرج؟
التزمت الدول الأوروبية الصمت حيال التوتر بين الصين وتايوان، الأمر الذي يثير التساؤل بشأن الجهة التي ستميل لها تلك الدول حال نشوب نزاع بين البلدين، في ظل العلاقات المتشابكة بينها وبين كل من الصين والولايات المتحدة.
وتقول مجلة "بوليتيكو" الأميركية، إنه رغم تردد مسؤولي الاتحاد الأوروبي في مناقشة أبعاد النزاع في تايوان، إلا أن الحرب الكلامية بين بكين وواشنطن تدفع أوروبا للاستعداد لأي تصعيد.
وخلال الأيام القليلة الماضية، تدهور الوضع بين بكين وواشنطن، بعد زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي، نانسي بيلوسي، لتايوان، وتصريحها بأن بلادها لن تسمح لبكين بعزل تايوان، وهو ما اعتبرته بكين تهديدا لمبدأ "الصين الواحدة".
علاقات أوروبا والصين
خلال 2021، تجاوز حجم التجارة بين أوروبا والصين 800 مليار دولار، وقام خط قطارات الشحن بأكثر من 15 ألف رحلة شحن بينهما بزيادة 29 بالمئة عن عام 2020.
وفي 2020، أصبحت الصين الشريك التجاري الأول للاتحاد الأوروبي بدل واشنطن، بتجارة حجمها 586 مليار دولار وبزيادة 31 مليار دولار عن حجم التجارة مع الجانب الأميركي.
وزادت الواردات الأوروبية من الصين بنسبة 5.6 بالمئة، وارتفعت الصادرات الأوروبية للصين 2.2 بالمئة، إضافة إلى زيادة المبيعات الأوروبية من السيارات للأسواق الصينية.
علاقات أوروبا وواشنطن
في نفس الوقت، تجمع دول الاتحاد الأوروبي وواشنطن علاقات اقتصادية وطيدة أيضا، علاوة على تحالفهما داخل حلف شمال الأطلسي "الناتو".
وبين أوروبا وواشنطن 30 بالمئة من حجم التبادل التجاري الدولي في البضائع، ونحو 40 بالمئة من التجارة العالمية للخدمات.
كما تتجاوز الاستثمارات الأميركية بالاتحاد 3 أضعاف الاستثمارات في آسيا، وتبلغ الاستثمارات الأوروبية في الولايات المتحدة 8 أضعاف الاستثمارات الأوروبية في الصين والهند.
ووفق العلي، فإن اندلاع الصراع في تايوان، وفي ظل حرب أوكرانيا، سيؤثر سلبا على أوروبا، لأن الصين ستأخذ جانب روسيا بشكل أكبر، وهو ما سيعود بالنفع على موسكو بأن تقلل وطأة العقوبات المفروضة عليها، فيما ستتضرر أوروبا بتراجع علاقاتها بروسيا والصين في آن واحد.
وتبقى فرضية غزو تايوان التي تضم 23 مليون نسمة غير مرجحة، لكنها تعززت منذ انتخاب الرئيسة الحالية تساي إنغ وين في 2016، وخلافا للحكومات السابقة، ترفض تساي القادمة من حزب الاستقلال الاعتراف بأن الجزيرة والبر الرئيسي هما جزء من "صين واحدة"، والكل يتابع المشهد وسط مخاف من تكرار الحرب الروسية الأوكرانية…