مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

د. عبد الحفيظ محبوب يكتب: هل تغير الجيوبولتيكا الواقع المعتمد بالحل السلمي في مضيق تايوان؟

نشر
الأمصار

الجيوبولتيك هي الجغرافيا السياسية من خلال الواقع الذاتي وليس الموضوعي، فصناع القرار في الولايات المتحدة وفي بقية القوى العظمى يربطون الجغرافيا السياسية بالقوة المرتبطة بالجغرافيا التي هي مادة الجيوبولتيك الذي ظهر في القرنين التاسع عشر والعشرين، الذين برروا كثير من الأحيان سيطرة الدول الاستعمارية في ذلك الوقت بمبررات عوامل جيوبولتيكية وليس جغرافية.
فالتمدد الغربي وما تشعر به موسكو من تطويق لحدودها السياسية فحسب، بل لمناطقها الحيوية، وكذلك محاولة عرقلة التمدد الروسي جنوبا وغربا لتعزيز موطئ قدم في الشرق الأوسط، وكذلك مواجهة التمدد الصينين عبر الحزام والطريق ومواجهته عبر اتفاقية بين استراليا وبريطانيا والولايات المتحدة ( أوكس ) تهدف لبناء غواصات تعمل بالطاقة النووية لمواجهة النفوذ الصيني في المحيطين الهندي والهادي.
فهناك عودة للجيوبولتيك مرة أخرى، حيث يرى الغرب أنه انتصر في الحرب الباردة التي أفضت إلى انتهاء الصراع الأيديولوجي بين الرأسمالية الليبرالية والشيوعية، وفي لحظة نشوة الانتصار أعلن فوكوياما أطروحته عن انتهار التاريخ، بمعنى أن صيرورة التاريخ تتعلق بصراع الأفكار، وأن انعدامها حسب المنطق الهيجلي يقوض حركة التاريخ، لكنه تراجع فوكوياما وأصدر كتاب آخر نهاية نهاية التاريخ.، أي اعتراف أن المنطق الهيجلي الذي يقوض صيرورة التاريخي خاطئة.
لذلك تنظر الولايات المتحدة إلى ثلاث دول مارقة الصين وروسيا متحالفة والتوسع في نطاقها الإقليمي، فالصين في بحر الصين الجنوبي، وروسيا فعلت في جورجيا وأوكرانيا، وإيران في المنطقة العربية، لكن الدول العربية وعلى رأسها السعودية يفرقون بين هذه الدول الثلاث التي تقيم معها تعاون وتحالفات مع روسيا والصين كما مع الولايات المتحدة، لكن إيران انتهكت الأمن العربي، وتسببت في ظهور داعش والمليشيات الشيعية في المنطقة تسمى بجيوبولتيكية الملل والنحل، وإن كانت هذه الجيوبولتيكية مكنت القوى العظمى من أن تنفذ إلى بنية المجتمع، مثال ذلك في سوريا وليبيا، فنجد روسيا والولايات المتحدة وإيران وتركيا تتصارع هذه القوى في سوريا وكذلك نفس القوى تضاف إليها قوى أخرى تتصارع في ليبيا.
العالم أمام تحولات كبرى، فهل تتحول تايبيه إلى صدام بين القوتين؟، وهل التوقيت مناسب؟، وهو سؤال مطروح في جميع أنحاء العالم، في سياق تطورات مستجدة بين أمريكا والصين، وهل زيارة نانسي بيلوسي التي لها تاريخ مضطرب من الأزمات مع بكين، وهي من صقور الليبراليين، وسبق أن دعمت المتظاهرين عام 1991 وحركت بوش وكلينتون على عدم إقامة الألعاب الشتوية في الصين.
ما يعني هل صبت هذه الزيارة التي أتت بعد آخر زيارة برئيس نواب أمريكي نيوب جينجر في 1997، أي قبل 25 سنة، وهل صبت الزيارة تدور ضمن أوراق انتخابية، وليس استراتيجية للولايات المتحدة، ما يعني أن الملفات الداخلية لها تأثير على الملفات الخارجية، خصوصا وأن إدارة بايدن تواجه كثير من المشاكل من ارتفاع صاروخي للتضخم وركود، وسيفوز الرئيس الصيني شي بفترة رئاسية ثالثة، رغم أن البيت الأبيض ينأى بنفسه عن هذه الزيارة التي تقوم على أسباب وأبعاد متعددة، ومراعاة العوامل الخارجية، وتؤمن بالصين الموحدة، رئيس مجلس النواب يتمتع بحرية واسعة، لكن النتيجة واحدة بالنسبة للصين، ولم يغير شيئا في المشهد، رغم ذلك رسمت بليوسي خط استباقي، التي تصب في الحدود التي رسمتها الولايات المتحدة للصين منذ عقود. 
وكأن الولايات المتحدة تحذر الصين من عدم تجربة ضم تايوان في الوقت الحاضر كما دخلت روسيا أوكرانيا، رغم اختلاف الوضع بين الحدثين، لكن وكأن الولايات المتحدة تطالب من الصين وضع خطوط اتفاق جديدة تتقاسم فيه المصالح دون أن يعتدي أحدهما على مصالح الآخر، خصوصا وأنها تعتبر الصين سرقت الملكية الفكرية منها، والفائض التجاري معها 400 مليار دولار لصالح الصين، وتفوقت على الولايات المتحدة في أوربا، وأصبحت الشريك الأول بعدما كانت أمريكا، بنحو 586 مليار دولار في 2020 أكثر من الولايات المتحدة بنحو 31 مليار دولار الذي يبلغ نحو 555 مليار دولار.
كما بلغ إجمالي صادرات الصين نحو 3.5 تريليون دولار، مقابل 1.5 تريليون دولار للولايات المتحدة، وتخشى الولايات المتحدة من تراجع قوتها الاحتياطية التي تبلغ 59 في المائة التي انخفضت من 71 في المائة عام 1999، ولكنه كان لصالح اليورو، لكنها تخشى اليوم أن تهتز عملتها مستقبلا، حيث لا تزال احتياطيات الصين العالمية فقط نحو 3 في المائة، لكن تملك الصين احتياطيات نقدية هائلة تبلغ 3.35 تريليون دولار، فيما تبلغ احتياطيات الولايات المتحدة النقدية نحو 628 مليار دولار، ونحو 569 مليار دولار لروسيا ونحو 590 مليار دولار للهند ونحو 472 مليار دولار للسعودية وفق إحصاءات عام 2021، ويبدو أن التضخم الأمريكي الصاروخي سيجبر بايدن على مهادنة مصنع العالم الصين خصوصا بعد خطوة خفض الجمارك على الصين، وأضخم استثمارات التاريخ مجموعة السبع تواجه طموح الصين ب600 مليار دولار، لكن أيضا لدى بكين حصيلة ضخمة من سندات الخزانة الأمريكية كسلاح لضرب الاستقرار المالي للولايات المتحدة. 
اعتبرت الصين زيارة بوليسي لتايوان زيارة استفزاز سياسي، وترى أن زيارة رئيس برلماني سابق أتت في ظروف كان يشهد العالم ولادة قطبية بقيادة الولايات المتحدة، لكن اليوم العالم مختلف، وأصبحت القيادة الصينية أكثر تشددا، ولا تساوم على تايوان، وتكتيكاتها تقع في المنطقة الرمادية، أي الإساءة إلى الخصم ضمن النظام، فيمكنها تمنع تصدير المواد إلى تايوان، يمكن تشجع مغادرة الشركات تايوان إلى الصين، لأنها تخشى التسرب الاقتصادي من تايوان تقوده الولايات المتحدة.
فتبقى تايوان مجرد ورقة بيد الولايات المتحدة، لكن التوتر الصيني التايواني يرسل موجات صدمة للأسواق، ولحظات فارقة في تاريخ آسيا اختبار أعصاب يزيد مخاوف المستثمرين والرهان على الأصول الآمنة، فالزيارة سلطت الضوء على المخاطر التي تهدد الأسواق المالية نتيجة المنافسة بين الولايات المتحدة والصين، وكيف يؤثر ذلك في الاستثمارات الاستراتيجية في الأسواق الصينية، وسوق السلع العالمية والملاذات الاستثمارية الآمنة، إذا ما تدهورت العلاقات بين القوتين الاقتصاديتين العظيمتين. 
قد تسبب المناورات العسكرية محددة الأهداف التي أجرتها الصين في محيط تايوان في نفس يوم الزيارة في 2/8/2022  التي تلتزم الولايات المتحدة بالديمقراطية في الجزيرة، وأوضحت أن التشريع الأمريكي الجديد الذي يهدف على تعزيز صناعة الرقائق الأمريكية لتكون قادرة على منافسة الصين، ويوفر فرصة أكبر للتعاون الاقتصادي بين الولايات المتحدة وتايوان، التي تبعد تايوان عنها 12 ميلا، بينما تبعد الولايات المتحدة عن تايوان 8 آلاف ميل، قد تؤثر هذه المناورات على مستوى طرق تجارية في اضطرابات في سلاسل الإمدادات المقوضة أصلا بفعل وباء كوفيد-19 والحرب في أوكرانيا.
تتضمن المناورات المخصصة لمحاكاة حصار تايوان طلقات مدفعية بالذخيرة الحية وطويلة المدى وصواريخ يفترض أن تحلق فوق الجزيرة للمرة الأولى، وهي تأتي في منطقة الأكثر ازدحاما في العالم التي تربط مصانع أشباه الموصلات والمعدات الالكترونية في شرق آسيا بالعالم، وتستخدم أيضا لنقل الغاز الطبيعي ونحو نصف سفن الشحن في العالم عبرت مضيق تايوان، بحسب بيانات جمعتها وكالة بلومبيرغ الأميركية، الأمر نفسه يحصل في المجال الجوي ففي خلال اليومين خلال الزيارة تم إلغاء أكثر من 400 رحلة في المطارات الرئيسية في فوجيان المقاطعة الصينية الأقرب إلى تايوان.
تعد الرقائق أكبر واردات الصين من العالم بأكثر من 400 مليار دولار في العام، تستورد من تايوان نحو 104.3 مليار دولار، متخطية قيمة وارداتها من النفط الخام، من شأنها أن ترسل موجة صدمة إلى الاقتصاد العالمي المهتز، وتلقى بظلالها على الأسواق، ومن المهم جدا أن الصين تصدر 80 في المائة من الرمال إلى العالم المستخدمة في صناعة الرقائق.
تعد الصين أن تايوان واحدة من مقاطعاتها لم تنجح في إلحاقها ببقية أراضيها منذ نهاية الحرب الأهلية الصينية 1949، ومنذ 1979 تعترف واشنطن بحكومة صينية واحدة فقط وهي حكومة بكين، لكنها استمرت في تقديم الدعم للسلطات التايوانية ولا سيما عبر مبيعات الأسلحة الكبيرة، وفي نفس الوقت تمارس الولايات المتحدة الغموض الاستراتيجي.
تماشيا مع التقليد الصيني بوضع خطط طويلة المدى تتوقع بكين استرجاع جزيرة تايوان بحلول عام 2050، بعدما تكون قد أكملت بناء جيشها خصوصا قواتها البحرية، رغم ذلك فهي تود التوحيد السلمي، كما أوضح الرئيس الصيني شي جينبينغ مطلع سنة 2019 أثناء حفل خصص للذكرى الأربعين لبداية تحسن العلاقات بين الجانبين، بعدما وصل التوتر بين تايوان وبكين وخطر المواجهة العسكرية في 1995 عندما زار الرئيس التايواني الأسبق لي تنغ هوي الولايات المتحدة بذريعة إلقاء كلمة في متخرجي جامعة كورنيل التي تلقى علومه فيها، رغم أن إدارة بيل كلينتون لم ترحب بالزيارة، لكنها اضطرت إلى منح لي تأشيرة دخول بعدما أصدر الكونغرس قانونا يلزم وزارة الخارجية الأميركية بذلك.
بعدما ظل الخيار الاستراتيجي للولايات المتحدة إلى جانب بكين في السبعينات والثمانينات كعنصر لا غنى عن بكين في منظومة الأمن والاقتصاد في آسيا، كما اكتشفت الولايات المتحدة أهمية العلاقات في ذلك الوقت مع الصين الشيوعية في سياق استراتيجية كبرى تشمل الانفتاح الاقتصادي والسياسي وتطويق الاتحاد السوفيتي وتغيير المناخ السياسي في شرق آسيا التي كانت تدور فيها رحى حروب الهند الصينية في فيتنام وكمبوديا ولاوس، ما جعلها تعترف بالصين كعضو دائم في مجلس الأمن الدولي.
منذ عهد أوباما جمع خبراء للتوصل إلى كيفية التعاطي مع الصين، هناك مجموعة ترى دمج الصين في العالم، وهناك مجموعة ترى تقليم أظافر الصين وأخذها إلى حرب لا تريدها لتبديد جزء كبير من اقتصاد الصين، باعتبار أن الصين وروسيا يشكلان خطر استراتيجي على الولايات المتحدة، فتم جر بويتن إلى حرب استنزاف طويلة المدى، لكن هناك مبالغة في توريط الصين في حرب مع تايوان، لأنه سيؤثر على العالم وليس فقط على الجانبين.
لذلك لن تقوم أي حرب بين الجانبين، بسبب أن الصين التهديد الأكبر للولايات المتحدة بسبب قوتها الاقتصادية والعسكرية، بينما روسيا في اقتصاد الأصول، ولم يبلغ ناتجها القومي سوى أقل من 2 تريليون دولار، بينما اقتصاد الصين يبلغ 18 تريليون دولار ولا يزال اقتصاد الولايات المتحدة أكبر اقتصاد بنحو 23 تريليون دولار.
في النهاية كل طرف يود كسب نقاط فقط، ولا زالت الولايات المتحدة تنطلق في سياستها الخارجية من جانبين المصالح والقيمة، فأي مقارنة بين روسيا والصين هي مقارنة فاشلة، وقد تكون زيارة بيلوسي أتت لإنهاء الأزمة بين الولايات المتحدة والصين للتوصل إلى تفاهمات وتقاسم المصالح، لذلك نجد أن السفن الأمريكية تمنع غلق مضيق فورموزا، وأيضا الصين صرحت أنها لن تغلق المضيق، بسبب أن البلدان يدركان أن حرب المضائق والممرات المائية يمثل أزمة، خصوصا وأن عبور كونتيرة واحدة قبل جائحة كورونا كان يكلف عبورها من الصين إلى انحاء العالم 3 آلاف دولار بينما اليوم يكلف نحو 18 ألف دولار أي ستة أضعاف.
فمحددات السياسة الدبلوماسية بين القوى العظمى التعايش السلمي في حل المشاكل الدولية بدلا من استخدام العنف، فالواقع الجيوبولتيكي لن يغير الواقع المعتمد بالحل السلمي.