تركيا واسرائيل.. تطبيع العلاقات لتحقيق مكاسب استراتيجية واقتصادية
أعلن رئيس وزراء إسرائيل يائير لابيد الأربعاء بأن حكومته ستستأنف العلاقات الدبلوماسية الكاملة مع تركيا بعد سنوات من التوتر بين الدولتين.
وقال لابيد "تقرر مرة أخرى رفع مستوى العلاقات بين البلدين إلى مستوى العلاقات الدبلوماسية الكاملة وإعادة السفراء والقناصل العامين من البلدين". وأضاف البيان: "تطوير العلاقات سيسهم في تعميق العلاقات بين الشعبين وتوسيع العلاقات الاقتصادية والتجارية والثقافية وتعزيز الاستقرار الإقليمي".
وأضاف "تحسين العلاقات سيساهم في تعزيز الروابط الاقتصادية والتجارية والسياحية".
وفي أول ردّ من الجانب التركي، نقلت فرانس برس عن وزير الخارجية تأكيده استئناف العلاقات مع إسرائيل.
مكاسب استراتيجية
وتستهدف حكومة أنقرة من التطبيع الكامل مع إسرائيل 3 مكاسب استراتيجية على مستوى الملف الاقتصادي، الذي يعاني من الأزمات مؤخراً.
ثمة 3 ملفات اقتصادية مهمة تسعى لها تركيا من خلال التطبيع الكامل مع إسرائيل، وهم إنقاذ الاقتصاد المتأزم حيث تراجع سعر الليرة إلى 17.95 ليرة لكل دولار، كما رفع المركزي التركي توقعات لمعدل التضخم بنهاية العام الجاري إلى 60.4%، كما خفضت وكالة التصنيف موديز، منتصف أغسطس/آب الجاري، التصنيف الائتماني السيادي لتركيا درجة واحدة من B2 إلى B3، فيما حذرت من تراجع الاحتياطي النقدي.
ومن أبرز الملفات الاقتصادي التي تستهدفها الإدارة التركية من التطبيع مع إسرائيل هي زيادة نفوذ أنقرة في ملف غاز شرق المتوسط خصوصا في ظل اعتراض اليونان وقبرص ومصر على النشاطات التركية في المياه الإقليمية لكل منهم.
ويأتي الملف الاقتصادي الثالث على رأس أولوية أنقرة في التطبيع الشامل مع تل أبيب، هو فك عزلة تركيا التي تعيشها خلال الفترة الأخيرة سواء بسبب سوء التفاهم مع أوروبا أو الخلافات الجيوسياسية بالمنطقة.
وقال تشاوش أوغلو في مؤتمر صحفي "تعيين السفيرين إحدى خطوات تطبيع العلاقات جاءت هذه الخطوة الإيجابية من إسرائيل نتيجة لهذه الجهود، وقررنا كتركيا أيضاً تعيين سفير لدى إسرائيل في تل أبيب". وأردف "بدأنا عملية تحديد من سنعينه".
ومن جهتها قالت الباحثة جاليلا ليندنشتراوس من معهد دراسات الأمن القومي لفرانس برس "نرى أن هناك أزمة اقتصادية كبيرة جدا في تركيا. التضخم فيها مرتفع جدا وانخفضت قيمة الليرة التركية، وهذا يعني أن تركيا بحاجة إلى تحسين وضعها الاقتصادي لجذب الاستثمار الأجنبي المباشر".
واضافت "إذا كان لدى تركيا مشروع لمزيد من الاعتدال في علاقاتها الدولية فإنها يمكن أن تشجع الاستثمار الأجنبي المباشر إذ كانت إحدى مشاكل السيطرة على الاستثمار الأجنبي المباشر هي أن تركيا كانت تعتبر غير مستقرة وكانت أيضًا صارمة في سياستها الخارجية".
وتابعت أن "تركيا هي بالفعل أحد أهم شركاء التصدير لإسرائيل إذ تبلغ قيمة التجارة بينهما 7.7 مليار دولار".
التبادل التجاري
ارتفع حجم التجارة البينية بين تركيا وإسرائيل في عام 2021 إلى 8.1 مليار دولار، ولكن بعد إعلان التطبيع سيتم رفع قيمة العلاقات التجارية بين البلدين إلى 10 مليارات دولار خلال الفترة المقبلة.
غاز شرق المتوسط
تتوافق مصالح تركيا وإسرائيل في شرق البحر المتوسط، فإذا تمت إدارة العملية الجديدة في العلاقات بشكل جيد، فيبدو أنه سيكون من الممكن تحديد مناطق الولاية البحرية في شرق البحر الأبيض المتوسط على أساس المصالح المشتركة وتشغيل الموارد الطبيعية في إطار المشاريع المشتركة.
وقد يكون ممكناً في المستقبل التوصل إلى توافق جديد في الآراء في شرق البحر الأبيض المتوسط، بحيث يضم جميع الأطراف المعنية بما فيها تركيا وقبرص واليونان ومصر وبلدان أخرى.
خط الغاز الإسرائيلي – التركي
أعرب إردوغان عن استعداده "للتعاون (مع إسرائيل) في مجال الطاقة ومشاريع أمن الطاقة" مع احتمال نقل الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا عبر تركيا في وقت تثير الحرب في أوكرانيا مخاوف بشأن الإمدادات.
تنطوي الرؤية التركية للتعاون مع إسرائيل في ملف غاز المتوسط على اتجاهين الأول يتمثل بمد خط أنابيب بحرية ينقل الغاز الإسرائيلي من حقل ليفيثيان إلى البر التركي، بحيث تشتري تركيا حصة منه للاستخدام المحلي، وتصدِّر حصة أخرى إلى أوروبا مستفيدة من خطوط أنابيب الغاز العابرة للأناضول الموجودة أصلًا.
والفكرة ليست مستحدثة، إذ كانت محل نقاش بين تركيا وإسرائيل عام 2013، حيث خاضت شركة "زورلو" القابضة المقربة من الحكومة التركية شهورًا من المفاوضات مع الحكومة الإسرائيلية لبناء خط أنابيب بتكلفة 2-2.5 مليار دولار، وبسعة نقل تتراوح بين 8-10 مليارات متر مكعب/سنويًّا، وبطول 130 كيلو مترًا، يمتد من حقل ليفيثيان مقابل شواطئ تل أبيب إلى ميناء جيهان التركي(16)، حيث يتصل مع خط أنابيب TANAP الذي ينقل الغاز الأذربيجاني نحو أوروبا، والذي كان مقترحًا على الورق آنذاك، وجرى تشغيله عام 2019.
وحيث إن شركة النفط الحكومية لأذربيجان، التي تعد حليفة استراتيجية لتركيا، تمتلك 58٪ من أسهم TANAP بينما تمتلك شركة أنابيب البترول الحكومية التركية قرابة 30٪ منها، بالإضافة لوجود فائض بالسعة التشغيلية لا يبدو أن أذربيجان ستكون قادرة على استغلاله في المدى المنظور، فإن أنقرة تدفع باتجاه استخدام TANAP لنقل الغاز الإسرائيلي نحو أوروبا دون الحاجة لبنية تحتية إضافية(17)؛ مما يجعل هذا المسار أكثر منافسة من حيث الجدوى الاقتصادية من "إيست ميد".
والاتجاه الثاني للتعاون التركي الإسرائيلي في ملف الطاقة، هو أن تركيا تراهن على أن مشروعًا لاستهلاك وتصدير الغاز الإسرائيلي عبر أراضيها سيقوِّي من موقفها من النزاع على الغاز، ولن يتركها وحيدة خارج حلف سياسي وأمني يتشكل في شرق المتوسط في معزل عنها، كما يأمل صانع القرار بأن يؤثر ذلك على موقف القاهرة المتجاهل للرغبة التركية بتوقيع اتفاقية ثنائية لترسيم الحدود البحرية.
واعتمدت الحكومة الإسرائيلية عام 2013 بعد توسع الاكتشافات بما يفوق بكثير الاحتياجات المحلية، قرارًا يقضي بألا تتجاوز نسبة التصدير 40% من إجمالي الانتاج، وخصَّصت حقل تامار ثاني أكبر الحقوق المكتشفة للسوق المحلية، كما رجَّحت تصدير الغاز عبر أنابيب وإسالة الفائض منه في محطتي إدكو ودمياط المصريتين، وذلك تجنبًا للمخاطر الأمنية والبيئية التي قد يسبِّبها استهداف محطات الغاز، وهذا أحد أسباب حماسها لمشروع "إيست ميد"؛ إذ يضمن تدفقًا بكميات جيدة من الغاز دون الحاجة لبناء محطات إسالة.
وتأمل إسرائيل وتركيا إن إعادة توثيق العلاقات بين البلدين سيزيد من التجارة بينهما.
وقال مدير إدارة التجارة الخارجية الإسرائيلية أوهاد كوهين: "تركيا هي اقتصاد تجارة خارجية هام بالنسبة لإسرائيل. الصادرات الحالية إلى تركيا مركزية وهناك إمكانات كبيرة لتوسيعها".
وأضاف: "لدى البلدين اتفاقية تجارة حرة تسهل وصول المصدرين إلى السوق بشكل كبير. إن إعادة فتح الملحق الاقتصادي للنشاط المشترك سيساعد على تحقيق الإمكانات الكامنة في التعاون، بما يعود بالنفع على البلدين".