مصدق العلي يكتب: أسرار اغتيال رئيس الوزراء الياباني شنزو ابي
في الثامن من الشهر السابع عام 2022، اهتز العالم على خبر أليم وهو اغتيال رئيس الوزراء الياباني الأسبق شنزو ابي. شنزو ابي المعروف محليا بمعجزته الاقتصادية أو ما يعرف اصطلاحا ب" ابينومكس", كان بمصاف العمالقة الاقتصاديين ويكاد ينافس الرئيس التنفيذي السابق لشركة نيسان: كارلوس غصن في الشهرة والسمعة الاقتصادية الرائعة.
لحظة الجريمة
في تغيير مفاجئ لجدوله كان ابي في موعد مع القدر. قرر ابي دعما للمرشح كي ساتو عن مدينة نارا أثناء السباق الانتخابي المحتدم إلقاء خطابها لداعم لساتو بالقرب من محطة ياماتو-سايداجي في مدينة نارا الواقعة في محافظة نارا، وفي حوالي الساعة 11:30 بتوقيت اليابان قام تتسويا ياما جامي بإطلاق النار من بندقية خرطوش ذات فوهتين محلية الصنع فمرت الشظايا المعدنية من فوق رئس ابي.
ووسط ذهول وجمود الشرطة والحرس الخاص الياباني التفت ابي ليرى مصدر هذا الصوت المرعب ليتلقى الاطلاقة الأخيرة التي اخترقت جسده في مناطق عدة، نقل ابي إلى المشفى وأعلنت وفاته بعدها بساعات.
كان الفاصل بين الاطلاقتين بحدود الخمس ثواني، وبعد عدة ثواني أسقط ياماجامي سلاحه ليفيق الحرس الخاص من ذهولهم ويقفزوا عليه وهو في حالة استسلام كامل، لكن استمرت حالة الذهول لدى الشرطة وقائد الشرطة الذي اعتذر بعد يومين من الجريمة عن ضعف خطة الحماية وسوء التنسيق الأمني.
أما ياماجامي فقد بان البِشرَ على وجهه خلال نقل الشرطة له بعد ساعات من قيامه بجريمة الاغتيال من محطة التوقيف الى السجن بانتظار المحاكمة.
لم أر خلال سنين طوال أية ابتسامة على وجه مجرم في اليابان إلا هذه الابتسامة (وربما ابتسامة شخص آخر عاد للسجن لكن قضيته تمتاز بالضرف وذات بعد اخر تماما نذكرها في مناسبة أخرى).
دوافع الجريمة
ولد ياماجامي قبل 41 عاما وفقد والده ضحية الانتحار، ولديه اخ عاجز جسديا واخ اخر، والدته كانت مهووسة بديانةٍ جديدة ظهرت في اليابان مع دخوله القرن الحادي والعشرين، رهنت والدة ياماجامي ما تملك وما لم تملك وتبرعت لمعبد هذه الديانة بما قيمته المليون دولار، أفلست هي وابنائها، وبهوسها الديني أهملت أبنائها.
انضم ياماجامي الى الجيش طمعا بتوفير لقمة العيش لأخويه، بل وصل الحال به لعمل بوليصة تامين والاقدام على الانتحار كي يترك مالا لأخويه بعد أن ادقعه الفقر عن توفير المال لأخيه العاجز بالذات كي يواصل الحياة.
"لقد دمرت هذه الديانة حياة اخوتي ورهنتنا للذل والجوع" يقول ياماجامي في محضر الشرطة لدى اخذ أقواله عن دوافع الجريمة.
بعد خسارته العمل بعد ازمة وباء كورونا، حاول ياماجامي قتل رئيس هذه الديانة الكورية الأصل في اليابان، فقد أصبح مهووسا بها ويعتبرها الشر الذي دمر عائلته. وفي احد الأيام، واثناء متابعته لأخبار هذه الديانة على موقعهم الالكتروني، تفاجأ ياماجامي بفيديو ترويجي يلقي فيه شنزو ابي خطابا مروجا لهذه الديانة، بل ووجد أيضا فيديو للرئيس الأمريكي ترامب مع شنزو ابي، وبدا له ان الأخير قد طلب من الرئيس ترامب عمل هذا الفيديو مجاملة ( والذي اتضح لاحقا انه ليس مجاملة فقط فقد عُرفت هذه الديانة بالسخاء لأصحاب النفوذ).
يقول ياماجامي " أن هذه الديانة التي دمرت حياتي ستسيطر على اليابان من خلال شنزو ابي لذلك يجب أن يموت".
بدأ ياماجامي ببناء أسلحة متنوعة ومتفجرات، لكن من حسن حظ الناس أنه استعمل أصغر سلاح عنده في تلك الجريمة النكراء.
الجريمة الأكبر
قامت السلطات اليابانية باستجواب ياماجامي، مع توفير حراسة مشددة له بعد الغضب الشعبي العارم تجاهه وغضب الحرس الخاص والشرطة لانحدار سمعتهم واستهزاء القاصي والداني بسوء تصرفهم واستعداداتهم لحماية رئيس الوزراء الاسبق، وبعد الاستجواب ابتدأ التحقيق في كل أقواله.
وهنا تم اعادة فتح ملف جريمة أكبر بكثير يعود تاريخها للقرن الماضي، ففي نهاية الثمانينات وبداية التسعينيات اهتز اليابان على وقع فضيحة احتيال هرمي يشبه نوعا ما حدث في العراق باسم سامكو وعلائكو ونهادكو لكن هذه المرة بصبغة دينية.
وقع ضحية هذا الاحتيال الآلاف من الناس وانبرت السلطات في التحقيق ومنها السلطة الرابعة ليتبين حجم الأموال الهائل الذي تم سرقته من الناس بالاحتيال "المقدس".
ولم يمح سيرة هذه الفضيحة إلا الاعتداء الإرهابي بغاز الأعصاب " السارين" في مترو طوكيو عام 1995 من قبل اتباع ديانة اوم والتي أجدها تشبه هذه الديانة من نواحي كثيرة.
قام شنزو ابي بعد توليه منصب رئاسة الوزراء بالطلب من أحد الوزراء لتغيير اسم هذه الديانة إلى اسمها الحالي (والذي تحته اعتنقتها والدة ياماجامي وافقرت العائلة ودمرت حاضرها ومستقبلها)، هذا الفعل يعتبر جريمة في اليابان حيث إنه أعاد إحياء منظمة اتهمت بالاحتيال لكن باسم جديد، وبذلك سيخدع الناس بها لعدم معرفتهم بتاريخها السيء الصيت.
وتوالت الفضائح تلو الفضائح على مدى شهر ليبان حجم التبرعات المالية (الرشى) التي تلقاها العديد من المسؤولين الكبار في ظل حكومة شنزو ابي وعلى مدى عقد من الزمان. بل وتذكر الناس حادثة الانتحار المفاجئ لموظف كبير رفض التزوير في أوراق تخمينات الأراضي بعد الطلب منه بالتلاعب بالتخمينات وبصيغة: رئيس الوزراء يأمرك أن تفعل ذلك. انتحر هذا الموظف الكبير كي لا يخون اسمه وشَعبه بطاعة رئيس الوزراء في الاقدام على هذه الجريمة.
لم يعلم ياماجامي عن هذه الأمور، إذ إنها تكشفت بعد عملية الاغتيال. واصطف ابي متحولا من رمز للمعجزة الاقتصادية مع زميله في الإبداع الاقتصادي كارلوس غصن ليصبحا مشتبه بهما في جرائم مخلة بالشرف في نظر القانون والشعب الياباني.
الآن تتوالى الطلبات الشخصية من المواطنين لتخفيف عقوبة الإعدام بحق ياماجامي إلى السجن المؤبد لتعاطف الرأي العام مع مأساته الإنسانية وانكشاف أصل هذه الديانة الجديدة ليتبين انها نفس المنظمة التي أدينت بالاحتيال باسم الدين في ثمانينيات القرن الماضي.
إن الشعب الياباني في حالة غليان فهو يحس بالغدر كون هذه المنظمة الاحتيالية قد تمت إدانتها من الناس والقانون سابقا وأن ما قام به ابي من إعادة تسميتها هو تسهيل افلات مجموعة ادينت بالإجرام من العقاب بل وأحيائها من جديد لتسرق أموال الناس بالاحتيال وتصنع الآلاف من حالات الفقر والعوز باسم القداسة والدين والمذهب كما حدث لعائلة ياماجامي.