مهمة اختيار رئيس جديد للجمهورية اللبنانية.. ما بين تقل السلطة للحكومة والفراغ
بدأت المهلة الدستورية من أجل انتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية خلفا للرئيس الحالي ميشال عون الذي تنتهي ولايته في الحادي والثلاثين من شهر أكتوبر المقبل بعد 4 سنوات، وذلك وسط عدم اتفاق بين القوى السياسية والطوائف الدينية بلبنان حول تقديم مرشح توافقي لإنجاز الاستحقاق الرئيسي في موعده، بالتزامن مع خلافات تعرقل تشكيل الحكومة الجديدة المكلف بتأليفها رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي منذ الثالث والعشرين من شهر يونيو الماضي.
وما بين عدم الاتفاق حول مرشح لمنصب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية، والخلاف حول تشكيل الحكومة، تسود مخاوف من استمرار الفراغ الحكومي في وجود حكومة تصرف أعمال بصلاحيات محدودة حتى نهاية المهلة الدستورية لانتخاب الرئيس الجديد وصولا إلى فراغ رئاسي، مما قد يؤدي إلى شلل تام في السلطة التنفيذية بلبنان.
وحدد الدستور اللبناني إجراءات انتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية من قبل مجلس النواب بأعضائه البالغ عددهم 128 عضوا، حيث نصت المادة 49 على أن انتخاب رئيس الجمهورية يتم بالاقتراع السري بأغلبية الثلثين من مجلس النواب في الدورة الأولى، فيما يكتفى بالغالبية المطلقة في دورات الاقتراع التالية.
ويستمر رئيس الجمهورية في منصبه لست سنوات ولا تجوز إعادة انتخابه في منصب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية إلا بعد ست سنوات لانتهاء ولايته ولا يجوز انتخاب أحد لرئاسة الجمهورية ما لم يكن حائزا على الشروط التي تؤهله للنيابة وغير المانعة لأهلية الترشيح.
كما لا يجوز انتخاب القضاة وموظفي الفئة الأولى، وما يعادلها في جميع الإدارات العامة والمؤسسات العامة وسائر الأشخاص الاعتبارية في القانون العام، مدة قيامهم بوظيفتهم وخلال السنتين التاليتين لتاريخ استقالتهم وانقطاعهم فعلیا عن وظيفتهم أو تاريخ إحالتهم إلى التقاعد.
المادة 49
وتؤكد المادة 49 أن رئيس الجمهورية يعد رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن ويسهر على احترام الدستور والمحافظة على استقلال لبنان ووحدته وسلامة أراضيه، ويرأس، وفقا لأحكام الدستور، المجلس الأعلى للدفاع وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة التي تخضع لسلطة مجلس الوزراء.
وتنص المادة 50 من الدستور اللبناني على أن يقوم رئيس الجمهورية المنتخب بحلف يمين الإخلاص للأمة والدستور ونصه: "أحلف بالله العظيم أن احترم دستور الأمة اللبنانية وقوانينها واحفظ استقلال الوطن اللبناني وسلامة أراضيه".
وجاء في المادة 73 من الدستور اللبناني أن مرحلة انتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية تبدأ قبل موعد انتهاء ولاية الرئيس بمدة شهر على الأقل أو شهرين على الأكثر، حيث يلتئم مجلس النواب بناء على دعوة من رئيسه لانتخاب الرئيس الجديد.. وفي حالة عدم قيام رئيس المجلس بدعوة الأعضاء للانعقاد، فإن المجلس يجتمع حكما في اليوم العاشر الذي يسبق أجل انتهاء ولاية الرئيس.
المادة 75
وتنص المادة 75 من الدستور على أنه بمجرد اجتماع المجلس لانتخاب رئيس الجمهورية، فإن مجلس النواب يتحول لهيئة انتخابية فقط دون أي صلاحيات تشريعية، ويلتزم المجلس الشروع فورا في انتخاب رئيس الدولة دون مناقشة أي أمر، ولا يكون اجتماع مجلس النواب قانونيا ما لم تحضره الأكثرية من أعضائه.
وتقتضي الأعراف السياسية بلبنان وفقا لاتفاق الطائف على أن يتولى منصب رئيس الجمهورية أحد أبناء الطائفة المسيحية المارونية والتي تعد الطائفة المسيحية الأكبر في لبنان، ويضم البرلمان اللبناني عددا من الكتل المسيحية المارونية من بينها كتلة حزب القوات اللبنانية الذي يترأسه سمير جعجع، حيث تضم الكتلة 19 نائبا، فيما تأتي تاليا الكتلة النيابية للتيار الوطني الحر التي تضم 18 نائبا، وهو الفريق السياسي للرئيس ميشال عون سيختار من بينها رئيس جديد للجمهورية اللبنانية
ويرأسه النائب جبران باسيل صهر رئيس الجمهورية، كما تتواجد كتل صغيرة من بينها كتلة حزب الكتائب اللبنانية برئاسة النائب سامي الجميل وكتلة تيار المردة الذي يترأسه سليمان فرنجية.
ورغم المرجعية الدينية الواحدة لهذه الكتل، إلا أنها لا تتفق على مرشح واحد تدعمه لمنصب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية، بل تنتمي كتلتا القوات اللبنانية والكتائب إلى تيار (14 آذار) المؤيد لحصر السلاح بيد الدولة حفاظا على سيادتها، بينما تنتمي كتلتا التيار الوطني الحر وتيار المردة لتيار (8 آذار) المتحالف مع حزب الله.
فراغ رئاسي
يذكر أن الرئيس ميشال عون تولى رئاسة الجمهورية اللبنانية في الحادي والثلاثين من شهر أكتوبر عام 2016 بعد فراغ رئاسي دام قرابة 29 شهرا عقد خلالها مجلس النواب اللبناني 46 جلسة لانتخاب الرئيس الجديد خلفا للرئيس السابق ميشال سليمان الذي انتهت ولايته في مايو عام 2014.
ويعتبر عون الرئيس الثالث عشر للبنان منذ الاستقلال، وسبق أن تولى العديد من المناصب العسكرية والمدنية، حيث ولد في 30 سبتمبر عام 1933 والتحق بالجيش اللبناني حيث تدرج في المناصب حتى أصبح القائد العاشر للجيش اللبناني خلال الفترة من 23 يونيو عام 1984 وحتى 27 نوفمبر عام 1989، وتولى منصب رئيس الحكومة اللبنانية خلال الفترة من 22 سبتمبر 1988 وحتى أكتوبر 1990، وأسس التيار الوطني الحر في عام 1990، كما انتخب عضوا في مجلس النواب عام 2005.
وبعد قرابة 3 سنوات من توليه السلطة، شهد لبنان حراكا شعبيا في 17 أكتوبر عام 2019 احتجاجا على تردي الأوضاع السياسية والمعيشية في البلاد، وذلك بالتزامن مع بداية انهيار مالي واقتصادي قاد البلاد لأزمة كبيرة صنفها البنك الدولي أنها من بين أسوأ 3 أزمات في العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر.
كما أسفرت الأزمة عن انهيار كبير لقيمة العملة اللبنانية حيث تضاعف سعر صرف الدولار بأكثر من 23 ضعفا أمام الليرة خلال الفترة من 2019 وحتى اليوم، بالإضافة إلى انهيار في القطاع المصرفي نتج عنه منع المودعين من الحصول على ودائعهم في البنوك وزيادة نسبة الفقر لأرقام غير مسبوقة وتخلف البلاد عن سداد ديونها، كما شهد عام 2020 انفجارا ضخما في ميناء بيروت البحري صنف بأنه أقوى انفجار غير نووي في القرن الحادي والعشرين وأسفر عن مقتل أكثر من 200 شخص وإصابة أكثر من 6000 آخرين وتشريد مئات الآلاف، فضلا عن خسائر مادية كبيرة.
ويأمل اللبنانيون أن يشهد شهر سبتمبر الجاري ميلاد حكومة جديدة والاستقرار على رئيس توافقي جديد لتبدأ مرحلة إنقاذ البلاد وإقرار القوانين الإصلاحية المطلوبة في مجلس النواب أملا في التعافي بعد الانهيار الكبير في جميع الخدمات بما في ذلك الكهرباء والمياه والاتصالات والطرق بالإضافة إلى خدمات الصحة والتعليم.
الحكومة تستعد لنقل صلاحيات الرئيس
أكد رئيس الحكومة اللبنانية، نجيب ميقاتي، أن حكومته ستنقل إليها صلاحيات رئيس الجمهورية، حال حصول أي شغور رئاسي وعدم الاستقرار على رئيس جديد للجمهورية اللبنانية قبل انتهاء ولاية الرئيس الحالي.
وأضاف ميقاتي أن زيارة جنبلاط تأتي ضمن سلسلة لقاءات مباشرة أو غير مباشر لتبادل وجهات النظر، مشيرا إلى أن أغلب الأحيان تكون وجهات النظر متطابقة، موضحا أن النقاش مع جنبلاط شمل ملفات عديدة وكان هناك تركيز على الهموم المعيشية.
وردا على سؤال عن الفراغ الرئاسي ودور حكومة تصريف الأعمال، أكد ميقاتي أن اللقاء لم يتطرق لهذا الأمر بشكل مباشر، مشيرا إلى أن جنبلاط كان له تصريح سابق أكد فيه أن الحكومة في حال شغور مقعد الرئاسة وعدم وجود رئيس جديد للجمهورية اللبنانية ، ستنتقل اليها صلاحيات رئيس الجمهورية، مشددا على أنه لا يوجد ما يسمى بفراغ رئاسي بل شغور.
وأوضح ميقاتي أنه سيلتقي رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري غدا لبحث أمر شغور مقعد الرئاسة، مشددا على أن كل الآراء والاستشارات الدستورية التي صدرت حتى الآن أكدت أن الدستور نص على انتقال الصلاحيات إلى الحكومة، ولم يحدد ما اذا كانت حكومة تصريف أعمال أم لا.
وشدد ميقاتي على أن الدستور اللبناني ينبذ الفراغ، مشيرا إلى أن كل المبادرات بشأن الملف الرئاسي جيدة والترجمة لها يجب أن تكون في الذهاب إلى مجلس النواب لحضور جلسة انتخاب الرئيس، مؤكدا الحرص على إجراء الاستحقاق المنتظر في موعده معتبرا أن هذا أمر ضروري.
وأفاد بأن التعاون قائم ومستمر مع رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي ومع مختلف الجهات السياسية كي يكون هناك ثقة أكثر بالعمل الذي تقوم به الحكومة.
سمير جعجع يهاجم عون
هاجم سمير جعجع، رئيس حزب القوات اللبنانية، رئيس البلاد، ميشال عون، واصفا إياه بأنه أضعف رئيس في تاريخ لبنان.
وقال جعجع، في ذكرى شهداء "المقاومة اللبنانية" خلال قداس حمل عنوان "العهد لكم"، بالمقر العام للحزب، إن "نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة ليست سوى البداية، فبعد أسابيع (رح يطلعوا من القصر.. ورح يطلعوا من التاريخ كمان)"، في إشارة إلى منظومة الحكم الحالية.
وأكد أنه "حتى هذه اللحظة، ورغم كل المآسي والخراب التي تسببوا بها (الفريق الحاكم)، لا يزالون مستمرين في النهج التدميري ذاته لهدف واحد وهو الحفاظ على مصالحهم الشخصية"، لافتا إلى أن "قسما كبيرا من اللبنانيين هاجر، والقسم الباقي ما زال هنا يعاني يوميا الأمرين على كل الأصعدة فقط ليبقى متشبثا بأرضه وإرث أجداده".
رئيس حزب القوات (صاحب أكبر كتلة نيابية في المجلس النيابي 19 نائبا)، أضاف: "يعطلون تشكيل حكومة جديدة، ويتحضرون كما دائما لتعطيل الانتخابات الرئاسية، والأكيد المؤكد أن ذلك ليس من أجل طرح خطة إصلاحية معينة، بل محاولة بالإتيان بجبران باسيل (رئيس التيار الوطني الحر)، رئيسا للجمهورية خلفا لعون".
وتوجه جعجع إلى اللبنانيين قائلا: "لهم لبنانهم، ولنا لبناننا .. لبنانهم لبنان الفوضى والخراب والدمار والفقر واللادولة، فيما لبناننا النظام والعمران والتقدم والحضارة والبحبوحة، والدولة.. لبنانهم كله بسبيل إيران وحزب الله بيهون.. لبنانهم الدولة التي تتفكك، والمؤسسات التي تنهار، والتحالف مع أفشل الفاشلين، وأفسد الفاسدين وتغطية فسادهم، والمشاركة فيه لحماية ما يسمونها المقاومة".
وشدد رئيس "القوات": "لن نقبل مهما حصل أي تغيير في وجه لبنان، أو في دوره ورسالته وهويته، كما لن نقبل البتة أن يصبح بلدنا غريبا، ومعزولا عن بيئته العربية، أو عن المجتمع الدولي".
"نحن سنواجه أي مشروع يريد جره (لبنان) إلى مكان لا يشبهه، ولا علاقة له لا بماضيه ولا بتاريخه، ولا بطبيعة أهله ويهدد وجوده ومستقبل شعبه"، بحسب جعجع، الذي أضاف :"لن نرضى بطمس تاريخ لبنان من قبل أحد وتحويره ليتناسب وأيديولوجيته ونظرياته، أو أن يتلاعب بالخصوصية اللبنانية، ويقفز فوق حقائق التاريخ والجغرافيا".
وتحدث عن مواصفات الرئيس القادم للبلاد، قائلا: “نريد رئيس غير خاضع لميليشات غير شرعية”.