د. أحمد حميد يكتب: عبيد الفراعنة الذين بكاهم شريعتي
ذكرني سقوط أحد الحرّاس البريطانيين المتواجدين بالقرب من تابوت الملكة الراحلة اليزابيث الثانية، اليوم، بمشهد زيارة المفكر الإيراني علي شريعتي، لأهرامات مصر، وكيف أن مشهد قبور "العبيد" الذين شيدوا الاهرامات، استفز شريعتي أكثر من مشهد الآثار المصرية المذهل.
وفي جولتهِ السياحية تلك؛ يقول المعلم الثوري: رأيتُ على مقربة من الأهرام أكواماً من الحجارة، وقد وضعت من غير ترتيب، سألتُ عنها، فأجابني الدليل، إنها قبور جماعية عميقة، حفرت ليدفن فيها من هلك من العبيد أثناء العمل الشاق في بناء الأهرام.
فقد نقلَ ثلاثون ألف رقيق، حجارة الأهرام في ثلاثين عاماً، وكان مئات منهم يسقطون كل يوم من الإعياء، ويلفظون أنفاسهم الأخيرة، فيأمر الفرعون بدفنهم في حفرٍ تحيطُ بالأهرام، ليظلوا يحيطونَ بهِ في موته، لتخدمهُ أرواحهم في الموت كما خدمتهُ أجسادهم في الحياة".
عند هذه النقطة انفجر بركان من المشاعر في قلب شريعتي، لم يحاول أن ينتقي كلماته وهو يعطي ظهره للدليل، في إشارة إلى أنه قد كرههُ وكره أهراماته.
جلسَ وقتها لساعات يتحدث لهؤلاء الذين أنكرهم الزمان لحساب تمجيد فرعون، تكلمَ كثيرًا في رسالة نشرها بعنوان "هكذا كان يا أخي"، تحدث من منطق مختلف، من زاوية لا يلتفت إليها الإنسان غالبًا، وهو واقف في حضرة الفراعنة.. في حضرة المنتصر بتاريخه، وآثاره، ومظاهر أبهته.
تحدث شريعتي من منطلق الإنسان، ظنًا منهُ أنهُ لو كان حيًا وقتها لكان مصيرهُ مثل مصيرهم، نكرة مدفونة في أخدود مجهول، يطأهُ الناس في طريقهم ـ سعداء جزلين ـ إلى قبر الطاغية.