مصدق العلي يكتب: كوارث تهدد العراق والدول العربية
أضحى الضخ المالي الهائل للاستثمار العقاري في كوردستان العراق، وبناء المتاجر العملاقة والجامعات في عموم العراق، من الظواهر الملفتة للنظر والتي تحتاج وقفة وتامل، فأزمة الإسكان في ازدياد والبطالة وصلت لمستويات خطيرة جعلت الحاصلين على شهادات الماجستير والدكتوراة يتنافسون على الحصول على موطئ قدم لبيع الشاي في التقاطعات المرورية.
بينما يستمر بناء الجامعات الاهلية في عموم العراق والمجمعات السكنية في شماله! وهنا لا يصح تسمية ما يحدث بالحركة استثمارية لانتفاء الانتفاع الحقيقي منها، لكنها فقاعة اقتصادية تهدد بكارثة اجتماعية وسياسية. ادناه سنسلط الضوء على هذا الملف الجديد الخطير على امل ان تصل الأصوات لذوي البصيرة والمسؤولية لإنقاذ العراق ودول الجوار من هذا الامر الخطير.
ليس استثمارا والأسباب هي:
إن ما يحدث ليس استثمارا كونها (أي هذه المجمعات التجارية والجامعات الخ) محاطة بأشباه او اشباح شوارع، بنيت في القرن الماضي وامعنت فيها ايدي ومعاول الفساد سرقة ونهبا. أضف الى ذلك انعدام التنمية وبناء المرافق الخدمية حولها من قبل الحكومات المحلية والدوائر المعنية.
وكذلك يعد ثبات الدخل للمواطن العراقي ( بل ونقصانه نتيجة للاستقطاعات المتكررة ووانحدار سعر صرف العملة العراقية نتيجة لقرارات البنك المركزي الحالية) من عوامل التي لا تشجع على هكذا عمليات بناء سريعة. فمن اين ياتي المال وكيف سيتم تسديد كلفة المشروع ومن ثم الربح إن لم تكن للمواطن العراقي سعة من المال؟
ونتيجة لإجرائات الفيزا المعقدة وكذلك السمعة السيئة التي تُشلع عن خطر العيش في العراق فلا تتوفر الامكانية لوفود سياح او مقيمين لاستغلال واستثمار اموالهم في هكذا منشآت.
إن السوق العراقي أصبح سوقا استهلاكيا معتمد على رواتب الموظفين في القطاع العام لتحريك عجلة الاقتصاد، ومزاد العملة لجمع الكتلة النقدية من جديد بيد الدولة لغرض استيراد السلع والبضائع من الخارج لسد حاجة السوق العراقي، والنقص في ميزان العملة الصعبة يسده الإنتاج النفطي.
ويترتب على ذلك ارتباط الاقتصاد العراق مباشرة بالتصدير النفطي وبدون وجود خطة استراتيجية وقائية وحتى مخزون استراتيجي من المقومات الأساسية يهتز السوق بأصغر إشاعة او حتى عطسة سياسية. فأصبح الاقتصاد العراق يشبه لحد بعيد اقتصاد الصيد عند الانسان القديم فيما قبل اكتشاف الزراعة. في ظل هذه العجلة الاقتصادية، من له الجرأة من المستثمرين على ضخ الأموال لبناء الأسواق والجامعات والتي تعد استثمارات طويلة الأمد؟
وكي يزداد وحل الواقع عمقا، تبرز التقلبات السياسية بين المتنازعين على سدة الحكم، وكلٌ من المتنازعين السياسيين، يملك سلاحا على الأرض مندرج ضمن اطر الدولة ظاهرا لكنه قد يقصف بيت رئيس الوزراء ان طاب له ذلك. وهنا نشير لحادث استهداف منزل رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي قبل أشهر (والذي شغل سابقا منصب مهم في جهاز أمنى حساس في الدولة العراقية لسنوات).
ملف شحة الطاقة أيضا من الملفات الذي أزمن الخراب واستطاب الخطاب المشوه وسوء الإدارة، والتخطيط، والتنفيذ. وهذا الملف من مقومات الاستثمار وبغير إصلاحه، لن يغامر المستثمر الحقيقي لضخ أمواله في مشروع تقضم مصاريف الطاقة المتذبذبة من هامش ربحه. ومن اهم مصادر الطاقة هي الطاقة الكهربائية.
وعلية فإن التريليونات من الدنانير العراقية والتي تصرف في مشاريع لها بعد وقتي قصيرا واقعا هي واجهة لمصدر مالي مشكوك في مصدره ويسعى لتوظيف ما يملك فيما يرى ربح أنى فيه.
الخطر هو
إن من يضخ المال هم من الخاسرين في استثمارات الدشليونات من الدنانير العراقية في أوكرانيا وإيران وتركيا ولبنان، ومن استولت وزارة الخزانة الامريكية وحلفاؤها على الأموال التي تملكوها في بنوك المانيا الخ.
وإن هؤلاء ولكثرة المال قرروا الاستثمار في فقاعات اقتصادية ضنا منهم انها استثمار رابح، واستمرئوا الغالي من السيارات والساعات والأسلحة ورغد العيش، وتعتمد سطوتهم على رش المال على المرتزقة ممن يحملون السلاح للإيجار (فمثلهم مثل قطعان الضباع، تجوب الأرض الى ان وقعت في مجزر لحم).
اذا انفجرت هذه الفقاعة فلن يكون من سبيل لهذه الضباع الاستثمارية التي ادمنت التطفُّل والموبقات واستهجنت العمل الشريف، الا التوجه نحو اعمال الحرابة والخطف والسطو المسلح. ولن تستطيع الأجهزة الامنية فعل الكثير. سيُخطف أطفال الأطباء والتجار ويطالبون بفدى مالية وعندها سيهرب الأطباء والتجار، جارين معهم الكفاءات التي لا زالت في البلد الى خارجه.
وعالميا هناك حاجة عالمية للكفاءات في البلدان المتقدمة، ومن يبقى ف" سيشخلل جيوبه كي يمر " في عملية بلطجة على الناس، ومن ثم سينتشرون في دول الجوار لممارسة تجارات مشبوهة كالدعارة والمخدرات وتجارة الكحول المهرب في الدول التي تمنعه. ستصاب الدول المحيطة بالعراق بالأذى الكبير من هذا الورم المسكوت عنه والمتمثل بضباع الاستثمار المزيف في العراق.
إن هذه المجاميع الخارجة عن إطار الدولة العراقية والمؤسسات الرسمية الرصينة هي سرطانات في طور التكون ستدمر جسد الشرق الأوسط ان لم يتم علاجها بجدية وسرعة وحزم، لن تسلم دولة من أذاهم عندما يمتد هذا السرطان ويتحول من صفة الى أخرى وخاصة ان له عناوين عقائدية فضفاضة مع الأسف.
وختاما أقول لعزيزي القارئ: ان ما قرأته الان كابوس قد يصبح حقيقة او حقيقة تعدت الى ما وراء الكوابيس… وله الأمر.